You are here:   Home  /  الإذاعة  /  042 – التسجيل 2

042 – التسجيل 2

enar

 

أصدقاؤنا المستمعون أهلا وسهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج “من التاريخ”، نستكمل فيها الحديث عن شركات التسجيل في مطلع القرن العشرين في الوطن العربي. وكنا قد أنهينا الحديث عن تطور “بيضافون” لم ننهه تماما، ولكن السؤال لك دكتور ما هي طبيعة تعامل شركات الأسطوانات مع الموسيقيين أو المطربين؟ هل كان احتكار؟ هل كان تعاقد بالقطعة؟ هل كان مرتبا كيف ذلك؟

طبعًا كان هناك تعاقدات احتكارية بين المطربين وبين الشركات، مثلا ليس هناك أي تسجيل للشيخ يوسف المنيلاوي إلا “سمع الملوك” أولا التي هي “بيكا” ثم “غراموفون”، وهناك تعاقد بين المطرب والشركة يمنع هذا المطرب من تسجيل صوته لدى شركة أخرى. مطربون آخرون كعبد الحي حلمي كانوا أشبه بالمرتزقة، عبد الحي حلمي لم يترك شركة إلا وسجل صوته عندها والشيخ سيد السفطي كذلك، لذلك نصل إلى عدد مهول من الأسطوانات مع مطربين أمثال عبد الحي حلمي وسيد السفطي، ربما عدد أسطوانات عبد الحلمي يفوق 250 أسطوانة عندما نأخذ في الحسبان كل الأسطوانات التي أعطى صوته لها، وكذلك سيد السفطي 250 أو ربما  قد تصل إلى 300، علينا أن نعد هذه الأسطوانات لنتأكد. المهم فعلا إذن أنه كانت هناك هذه الشركة اللبنانية “بيضافون”، ثم بسبب أوضاع البلبلة والمشاكل الأمنية خلال الحرب العالمية الأولى اضمحل عدد التسجيلات من قبل الشركات العالمية بين سنتي 1914 و1918 وتقريبا ظلت “غراموفون” هي الوحيدة التي تسجل  قليلا وتسوق قليلا، مع أنه كانت هناك مشاكل كبيرة بطبيعة الحال ما بين الفرع الألماني ل”غراموفون” والفرع البريطاني بحيث أن بعض المصفوفات العربية كان محتفظ بها في “هنوفر” في ألمانيا, وقرر الألمان أيام الحرب أن يحتفظوا بهذه المصفوفات وأن يسوقوها تحت إسم شركة جديدة وهي “بوليفون”، و”بوليفون” كانت بمثابة شركة منشقة عن الشركة الأم  والتي هي “غراموفون”.

–  وظلت منشقة بعد الحرب.

– ظلت منشقة بعد الحرب، ولكن بعد الحرب العالمية الأولى أعادت المصفوفات القديمة إلى شركة “غراموفون”  ومنعت هذه الأسطوانات، ولكن هواة الأسطوانات لا زالوا يعتزون بهذه الأسطوانات الغريبة “ماركة بوليفون” ليوسف المنيلاوي أو لعبد الحي حلمي، وهي في الواقع أيضا مجرد أسطوانات غراموفون ولكن بملصقة ألمانية (بعد أن سرق الألمان هذه المصفوفات وسوقوها باسمهم). المهم أنه أيام الحرب العالمية الأولى انفردت شركة محلية  بتسجيل الأصوات الناشئة وهي شركة مصرية كان يديرها الخواجة ميشان الأرمني الأصل طبعا كما هو ظاهر ليس فقط من اسمه ولكن من لهجته، إذ يبدو أنه يعجز تماما عن النطق بالحاء أو العين، وعندما يقدم المطربين في أول الأسطوانات بصوت الخواجة مشيان المميز جدا فلنستمع إليه قليلا. الخواجة مشيان هو الذي بدأ تسجيلات سيد درويش نستطيع طبعا أن نستمع إلى بعض المقتطفات من تسجيلات سيد درويش  لمشيان، وكذلك عوالم أو مطربات ناشئات.

– نعيمة المصرية. 

– كنعيمة المصرية بالذات. هناك تسجيلات لمسرحيات أظن أن هناك لحن لفتحية أحمد ليس موجود لدى أي شركة أخرى، حتى الشيخ أبو العلا محمد سجل صوته لدى شركة “مشيان” وهي أسطوانة نادرة ربما سنستمع إليها في حلقة أخرى وهي الصيغة الغريبة والعجيبة البياتي لقصيدة “وحقك أنت المنى والطلب”.

– انتهت الحرب العالمية الأولى، الخواجة مشيان ربما توقف أو قلّ من تسجيلاته.

– مشكلة مشيان هي أن الجودة التقنية كانت منخفضة ومحدودة جدا مقارنة بالشركات الأخرى خاصة لأن التقنيات كانت تتطور بسرعة في الغرب، أقترح عليك فقط أن نُسمع المستمعين نبذات من تسجيلات 1905 ثم 7ثم 8 ثم 10، فقط ثوانٍ من هذه التسجيلات ليلاحظوا الفرق الكبير والجودة التي وصلت إليها التسجيلات، خاصة مثلا تسجيلات الشيخ يوسف الممتازة سنة 1910 التي سجلها مهندس الصوت البريطاني “آرثر كلارك”. بعد الحرب العالمية الأولى.

إذن عادت الشركات الدولية إلى بلاد الشرق الأوسط، اقتصرت في بداية الأمر على لبنان وعلى مصر ثم انتشرت وسجلت الكثير من البلدان الأخرى، حتى من الخليج هناك تسجيلات كويتية وهناك تسجيلات بحرينية وهناك تسجيلات عراقية كثيرة جدا، ودخلت كذلك بلاد المغرب العربي منذ العشرات الأولى من القرن العشرين، لكن عدد التسجيلات في المغرب العربي ازداد بشكل ملموس بعد الحرب العالمية الأولى، وكذلك كان دخول الشركة الفرنسية “باتيه”، “باتيه” ربما كان اختيارها مخطئ بالنسبة إلى الشرق الأوسط، تاريخ “باتيه” في الشرق الأوسط هو تماما كتاريخ “أبل” (Apple) الحديث في الشرق الأوسط مع “ويندوز” (Windows). المعروف أن السوق في أمريكا أو في أوروبا  ربما منقسم ما بين “ويندوز” و”ماكينتوش” ، لكن في الشرق الأوسط الجميع يتعامل مع “ويندوز”، و”ماك” هو حالة شاذة جدا في الشرق الأوسط. الشئ نفسه عند “باتيه” فتقنية الإبرة عند “باتيه وموقع الإبرة من الأسطوانة عند “باتيه” كان مثلا أفقي بدل أن يكون عامودي أو شئ من هذا، وربما أنت تعرف ذلك أحسن مني بكثير. المهم أن تقنية “باتيه” تختلف عن تقنية “غراموفون” وكل الشركات الأخرى، مما كان يجبر المستهلكين ليس فقط أن يأتوا بأبر خاصة بـ “باتيه” بل برأس “لغراموفون” خاص بـ “باتيه”. فكيف يعقل أن يشتري المستمع المصري أو اللبناني أو السوري أو العراقي جهاز للأسطوانات الفرنسية التي لم تدخل البلاد إلا بعد الحرب العالمية الأولى! والشركات الأخرى قد استقرت منذ زمن بعيد والناس لديها الجهاز ونفس الإبر العادية، فتقريبا أخفقت “باتيه” على أن تسوق أسطواناتها في الشرق الأوسط مع أنها كانت تدعي، وربما كمواطن فرنسي سأوافقها من باب الروح الوطنية، على أن جودة أسطوانات “باتيه كانت أحسن من “غراموفون”، ولكن هذا الشئ لا يشعر به المستهلك العربي لأنه يحاول في معظم الحالات أن يدور الأسطوانة “الباتيه” على نفس جهاز “الغراموفون وبنفس إبرة “الغراموفون” والصوت الذي يطلع من الأسطوانة أشبه إلى الخَرْوَشة منه إلى الغناء مع الأسف الشديد.

– والله الجودة لم تكن على قدر كبير من الفرق بكل صراحة وأنا آسف على ذلك. (عباس حسنين “مولاي كتبت رحمة الناس”). هناك عدة شركات ظهرت لا نفهم من أين مثلا “هوموكورد” و”بيرفيكتوفون” و”فيفوريت”، “فيفوريت” كانت في بادئ الأمر هي و”بيكا” ولكن انتهوا بسرعة. 

“بيكا أيضا سجلت للشيخ يوسف المنيلاوي وكانت الأسطوانات بماركة “سمع الملوك” وهي فقط ماركة خاصة بالشيخ يوسف المنيلاوي، ولكن الأسطوانات كانت تسجل وتصنع من قبل شركة “بيكا” الألمانية. هناك أيضًا شركة “أورفيون” التركية إخوان”بلومينتال”، فعلا عدد من الشركات الصغيرة جدا والمقلة جدا في تسجيلاتها الشرقية. عدد الشركات المهمة في الشرق الأوسط هو ربما ينحصر على خمس وست شركات هي: “غراموفون” التي هي نفس”زونوفون” وهيزماسترفويس” أو “فيكتور” أو “بوليفون” المسروقة، هناك “بيضافون” وهناك “أوديون” هذا في البداية، أنا أتحدث عن الشركات المهمة جدا، بعد ذلك هناك “بوليفون” الحديثة، “بوليفون” صاحبة الملصقات ذات الأحمر القاني الفاقع الذي نحبه على هذه الملصقات القديمة، أسطوانات “بوليفون” للشيخ أمين حسنين مثلا وغيرهم وحتى أبو العلا محمد. وهناك “كولومبيا” التي تعمل على الكهرباء، الكهرباء كانت الحدث الكبير. 

Mahmoud-Sobh-www

  • يقولون أنها بدأت سنة 1926 ولم تتأخر في الوصول إلى الشرق الأوسط.
  • أظن أن الكهرباء بدأت فعلا سنة 1925 أو 26 في أوروبا، ثم أول التسجيلات الكهربائية في الشرق الأوسط  سنة 1927. في سنة 1927 أتت أسطوانات مع “كولومبيا” بدون خشخشة أسمعنا شئ من الأسطوانات بدون خشخشة. الغريب أن الأسطوانة الكهربائية عندما تكون جديدة فعلا صوتها ممتاز، المشكلة أنه يبدو أن الأسطوانات الكهربائية تذوب وتصبح قديمة بسرعة فلو كانت الأسطوانة مستهلكة وهي عادية صوتها مسموع، ولكن الكهربائية المستهلكة لا تصلح للسمع وهي مزعجة جدا.
  • نستمع إلى أسطوانة بدون خشخشة. 
  • عاد الخواجة مشيان للتسجيل على الكهرباء.
  • محمود صبح.
  • محمود صبحي، طبعا هو الشيخ محمود صبح ولكنه كان يقول محمود صبحي. 
  • شئ مضحك فعلا. 
  • كان الخواجة مشيان قد كبر وتغير صوته ولكن هذه المرة التسجيل على الكهرباء، انقطاع لفترة طويلة أليس كذلك؟
  • فعلا يبدو أن هناك انقطاع طويل ثم عاد مشيان إلى السوق مع أسطوانات الكهرباء سنة 1927. 

بداية النهاية جاءت بتضافر من الأسباب أولا: الأزمة المالية في العالم التي بدأت في نيويورك في الخميس الأسود في أكتوبر سنة 1929، ثم انتشرت هذه الأزمة المالية إلى كل  أنحاء العالم، وطالت هذه الأزمة البلاد الشرقية ابتداء من سنة 1930، خاصة وأن الاقتصاد المصري مثلا كان يعتمد على القطن بشكل أساسي، فضرب الاقتصاد المصري بشكل كبير، والأزمة المالية أبعدت الناس عن الكماليات كشراء الأسطوانات. ولكن هناك أسباب أخرى، لأن بداية الثلاثينات هي أيضًا بداية الراديو في الشرق الأوسط. 

  • صحيح.
  • وثانيًا: السينما الناطقة بدأت في أمريكا سنة 1927 مع “مغني الجاز” (The Jazz Singer)، ثم دخلت مصر سنة 1932 ولأن الفيلم يتيح للمستمع أن يرى المطرب أو المطربة وأن يكون هناك قصة ربما تهافتت الناس نحو دور السينما وابتعدت أو لن نقول كفَّت عن شراء الأسطوانات ولكن المبيعات انخفضت بشكل ملموس بسب الإذاعة وبسبب السينما وبسبب الأزمة المالية.  فبداية الثلاثينات هي إلى حد ما بداية النهاية للعصر الذهبي للأسطوانة العربية، وطبعا بالنسبة إلى السينما الناطقة لا بد من أن نذكر وألا نغفل أن السينما العربية لم تكن سينما ناطقة بقدر ما كانت سينما غنائية. 
  • سينما غنائية كالمسرح الغنائي أليس كذلك؟
  • بالضبط.
  • هذا الكلام يعي أن السينما كانت كالإنتيرنيت في زماننا فقد قضت على مبيعات الأسطوانات كما قضى الإنترنيت على مبيعات CD.
  • تماما هكذا. 
  • لكن الغريب في الأمر أنه في بعض هذه الأفلام كان المطربون يسجلون أصواتهم على أسطوانات في تسجيل آخر للأغنية، أو مثلا كالحالة النادرة التي حصلت مع أم كلثوم وهي أن الذي غنى أغنية “على بلد المحبوب” في فيلم “وداد”هو عبده السروجي، وقد أعادت هي تسجيلها على أسطوانة بسبب نجاحها في الفيلم. هذه من غرائب وطرائف الأسطوانات، لنستمع إلى مثل وبه نأتي إلى ختام حلقة اليوم من برنامج “من التاريخ” والحلقة الثانية من الحديث عن شركات التسجيل في الوطن العربي، والشكر موصول للأستاذ الدكتور فريديرك لغرانج، إلى أن نلقاكم نترككم في الأمان.       

 

 

  2014  /  الإذاعة  /  Last Updated يناير 8, 2014 by  /  Tags:
WP-Backgrounds Lite by InoPlugs Web Design and Juwelier Schönmann 1010 Wien