You are here:   Home  /  الإذاعة  /  132 – المقام العراقي 1

132 – المقام العراقي 1

enar

 

039-CON, Azzouri Haroun, Taqsim Oud Hakimi & Dashtiمؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية بالتعاون مع مؤسسة الشارقة للفنون تقدم: “دروب النغم”.

سادتي المستمعين أهلا وسهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج “دروب النغم”، حلقة اليوم إستثنائية، حقا إستثنائية بامتياز، الحلقة عن المقام العراقي، والذي نحاوره اليوم أسطورة حقيقة، أسطورة حية من أساطير المقام العراقي، الأستاذ حسين الأعظمي، المقام في العراق ليس كما نعرفه نحن في باقي المشرق العربي، المقام ليس السلم النغمي، وليس حتى المسار أثناء الأداء، وليس الطبع في المغرب العربي، إنما إذا أردنا أن نرادف المقام فأقرب وليس تمام المرادفة وأقرب كلمة له عندنا هو الوصلة المقامية، صح أم خطأ يا أستاذ حسين؟

صحيح.

لنأخذ في البداية منك تعريف دقيق للمقام العراقي أو المقام في العراق.

حقيقة أنا أشكرك على هذه المقدمة أستاذ مصطفى، مقدمة أتمنى أن أستحقها.

“واللهي تستحقها ونص كمان”.

حسين الأعظمي

حسين الأعظمي

“الله يعزك الله يخليك شكرا جزيلا”. الحقيقة من خلال كتاباتي الكثيرة التي نشرت في كتبي الصادرة، تحدثت عن المقام العراقي وماهية المقام العراقي وتعريفه بالذات واستعرضت أيضا تعاريف الآخرين، كثير من النقاد والكتاب عرفوا المقام العراقي، لكن أنا توصلت أو هي في الحقيقة هكذا إنه لا يمكن أن تُعرف أي شيء بتعريف واحد، هناك تعاريف مثلا في منظورها اجتماعية وتعاريف فنية وتعاريف علمية، توظيف التعريف للتخصص الذي تريد أن تعرفه من خلاله. فإذن تعريف واحد لا يكفي لتعريف أي أمر، وخاصة الغناء، فالغناء قضية حسية وليست مادية، قضية حسية تحتاج إلى دقة في الكلام ودقة في التعريف وفي الطرح وفي كل شيء، ومع ذلك عددت هذه الأشياء بتعاريف عديدة جاءت متنوعة حسب متطلبات موضوع الكتاب، منها مثلا تعريف كما قلت وظيفي أو اجتماعي أو علمي، وهذه بعض التعاريف التي أوردتها، أول تعريف أوردته في كتابي الأول “المقام العراقي إلى أين؟”، الذي صدر عام 2000 أو 2001، قلت إنه يعتبر المقام العراقي نمطا معينا من النظام الدقيق ذي الأصول الأدائية الرصينة، وهو عمل حسي تمتزج مكوناته جميعا للحصول على الوحدة المتكاملة في بناءه، هذا أول التعاريف. هاك تعريف آخر، هو مؤلف غناسيقي أي غنائي موسيقي تراثي عراقي خاص يسرد في صور شاملة متعددة الجوانب من الأشكال والمضامين الأدائية حياة العراق، بكل تاريخه وحضارته وثقافته وظواهره، وهو يعكس هوية أبناءه وشخصيتهم. مثلا تقريبا تعريف اجتماعي ويوضح أيضا تطور حياة هذا البلد العريق في تفاعله المتبادل بدائرة الحياة الطويلة المعقدة والممتدة لآلاف السنين من التاريخ، هذا أيضا تعريف. ويمكن تعريف آخر هو مجموعة من الأنغام ذات صيغ موسيقية متقاربة غالبا وتختلف في بعض الأحيان. ويمكننا أن نعرف المقام العراقي الآن، وهذا ربما أحدث تعريف للمقام العراقي، هو نمط فني غناسيقي أي كما قلت غنائي موسيقي، هو نمط فني غناسيقي كلاسيكي تأريخي ذو شكل ومضمون خاص بالعراق، تمييزا عن باقي الأقاليم في غرب وأواسط آسيا، عمق كيانه عراقي عربي وتأثيراته آسيوية. نعترف أن هناك تأثيرات غرب آسوية طبعا في هذا المجال في تكوينه التعبيري، ومن ناحية أخرى يمكن أن نتحدث عن المقام العراقي من نواحي الشكل والمصطلح وهكذا، هذه تأتي تباعا من خلال الأسئلة إن شاء الله.

قبل أن ندلف إلى التفصيل في المقام العراقي، وقعت يدي على بعض الوثائق التحضيرية لمؤتمر الموسيقى العربية سنة 1932، وكان دائما يشار إلى المقام العراقي “بالمقام البغدادي”، ما تعليقك على هذا؟

شرح هذا الموضوع طويل الحقيقة، قد يحتاج إلى محاضرة كاملة أو كتاب كامل تتحدث عن المقام البغدادي كمصطلح والمقام العراقي كمصطلح في نفس الوقت. أولا لنتكلم عن المقام العراقي كمصطلح، المقام العراقي كمصطلح أنشأ تقريبا نسبة إلى تأريخ المقامات العراقية والغناء العراقي، يعتبر حديث العهد، منذ قرون قريبة، ثلاثة أوأربعة قرون أقصد كمصطلح أو إسمز المقامات موجودة والتعابير الأدائية موجودة، ولكنها تبلورت عبر التاريخ الطويل وتطورت كثيرا وتداخلت فيها ثقافات عديدة ومراحل ثقافية عديدة ومراحل سياسسية عديدة ومراحل اقتصادية واجتماعية وفنية إلى أن تبلورت رويدا رويدا وبدأ يتكون فورم (شكل)، هذه الأداءات تقننت بمرور الزمن وبدأت تتوضح، أصبحت بمرور الزمن واضحة الأبعاد فيها بداية وفيها وسط وفيها نهاية. هذه البداية والوسط والنهاية كونت شكل للمقام العراقي، ليصبح خمسة عناصر أساسية موجودة في كل مقام على حدة، هنا أصبح هذا الغناء وهذا الشكل يسمى (المقام العراقي) بشكل عام. إختيار مفردة العراقي والمسألة الإقليمية للمصطلح قد يكون لها احتمالين أو أكثر. أولا جغرافية العراق ليست كل المحافظات تغني المقام الذي نقصده، وهو المقام العراقي، لماذا سمي إذن المقام العراقي؟ أعتقد وهذا تحليلي الشخصي المقام عندما وصل إلى بغداد، وتبلور في بغداد وتقنن في بغداد، العاصمة كأي عاصمة في العالم تمثل كل البلد، ولهذا السبب المقام الموجود في بغداد عندما تقنن وأصبح ذو شكل واضح الأبعاد، فيه العناصر والأركان وهكذا، أعطى صفة جامعة للبلد، بعاتبار هذا اللون نشأ وتبلور وتطور في بغداد، وبغداد هي العاصمة التي تمثل كل البلد، ولهذا السبب سمي المقام العراقي ولم يسمَ المقام البغدادي اصطلاحا. والاحتمال الثاني لمصطلح المقام العراقي، عندما نقول المقام العراقي هذا يعني إن هناك مقامات غير عراقية، موجودة في غرب آسيا خاصة، المقام الإيراني والمقام التركي والمقام الأذربيجاني، مسائل إقليمية قد يكون من هذا الجانب سمي المقام العراقي تمييزا عن باقي الأقاليم، وتمييزا عن مناطق أخرى تتناول مسألة المقامات.

لا أرى هذا الفرق العظيم بين المقام في أذربيجان والدستكاه الإيراني والمقام العراقي والفاصل التركي والوصلة المشرقية والطبوع، فانا لا أرى هذا الفرق العظيم صراحة، أنا أراه اختلافا كاختلاف اللهجات في كل أقاليم لأمة واحدة، كالاختلاف في الكلام بين مصر ولهجة الكلام في العراق إلخ، هناك أيضا اختلاف المقام العراقي والوصلة الموسيقية، أنا لا أفهم بصراحة الفصل العجيب الذي حصل بعد الدويلات التي حصلت في المنطقة. على كل حال نبدأ الكلام عن المقام البغدادي.

المقام البغدادي يا سيدي، نحن في العراق أي المحافظات التي تغني المقامات، أنا في كتابي الثاني “المقام العراقي بأصوات النساء”، الذي خصصته عن التجربة النسوية في غناء المقام العراقي طيلة القرن العشرين. الباب الأول كان كله دراسة مستفيضة، قلت آراء بحيث لا تزال حتى اليوم تواجه التأييد والمعارضة في نفس الوقت، وكثير من النقاد انتقدوا بعض الآراء التي طرحتها، ولكني لا أزال أعتقد أنني تكلمت ما أحس به فعلا، وما أعتقد إنه صحيح، ولهذا السبب طرحت هذه الآراء في ذلك الكتاب. الرأي الذي كان أكثر سيادة في التداول هو عندما طرحت إن بيئة المقامات وأصلها جبلي، فكيف وصلت إلى بغداد وبغداد أرض مستوية؟ فالمقامات العراقية في محافظات شمال العراق الذي هو حاليا إقليم كردستان العراق، كله جبال، هذه المناطق نراها وهي فعلا كذلك موطن لهذه الأداءات المقامية، وتمتد إلى كل غرب آسيا، ومعظم أو كل دول غرب آسيا فيها جبال كثيرة، وتتمتع بهذه البيئة الجبلية الموجودة في هذه الجغرافيا الواسعة الأطراف من الغرب الآسوي، ولهذا السبب نسأل والسؤال يطرح نفسه، كيف وصلت إذن المقامات إلى بغداد وبغداد أرض مستوية. ونحن نقول ونؤكد أن المقامات أصل بيئتها جبلية؟ لو لم تكن عاصمة، بغداد حتى في زمن الانحطاط، حتى في زمن الاحتلالات، حتى في الفترة المظلمة بعد سقوط العباسيين 656هـ 1258م، حتى اليوم وهي سبعة قرون إلى عام 1958، تاريخ استقلال العراق أي سبعة قرون بالتمام والكمال، 1258م سقوط العباسيين 1958 إستقلال العراق، هذه الفترة سبعة قرون بالتمام والكمال سماها المؤرخون بالفترة المظلمة، لأن العراق خضع لكثير من الأقوام لكثير من الغزاوت، لكثير من التداخل الاجتماعي وغير الاجتماعي والثقافي وكل شيء حقيقة، أكثر فترة تأثيرات مرت على العراق وهي من خضوعها لهولاكو التتار إلى الجلائريين ودولة الخروف الأبيض والمغول ودولة الخروف الأسود والأغقويلو القروق ويلو وتيمورلنك حسن الطويل إلى الصفوين وأخيرا إلى العثمانيين اللذين استمروا ما يقارب الأربع مائة عام، الأكثر تواجدا هي الحضارة العثمانية الأخيرة قبل الحرب العالمية الأولى، حكموا العرب أربعة قرون بعد سقوط العباسيين بالتسلسل التاريخي.

وأخيرا الإنجليز.

في هذه الفترة أستاذ مصطفى، في هذه القرون بالذت المؤثرة للغاية، وصلت المقامات لأن بغداد بقيت حتى في زمن الانحطاط والتأخر والتخلف بقي الحكام يحكمون العراق من مدينة بغداد، لأن بغداد هي فعلا في وسط العراق تماما، أقصد جغرافيا بقيت العاصمة ووصلت التأثيرات، دليل آخر على هذا القول إن محافظات وسط العراق التي تحيط ببغداد لا يوجد فيها مقامات، الحلة، محافظة الكوت، محافظة كربلاء ومحافظة النجف، هذه كلها لا مقامات فيها، لم تكن هناك مقامات، ولكن بغداد في الوسط وقد وصلتها المقامات، فإذن لأن بغداد أولا مدينة وهو شيء جديد على البيئة المقامية الأصلية التي قلنا عنها أنها جبلية، أولا بغداد مدينة وليست كأي مدينة، إنما العاصمة، والعاصمة فيها مركز الدولة وفيها جامعات وفيها دوائر الدولة، فيها الفكر فيها العقل وفيها كل شيء، عاصمة، ولهذا السبب مركز فكر ومركزعقل. تقننت هذه التأثيرات ولم تذهب سدا أبدا، هذا يعتبر فضل لبغداد على هذه المقامات، أنا قلت ذلك وأنا شخص عربي عراقي بغدادي صميم، ولكن الحق أن هذه مسألة علمية وحقيقة، لا يمكن للمرء أن يخالف هذه الحقيقة، هذه أمانة علمية، أنا قلت بغدادي عربي، لكنني قلت إن بغداد ليست منطقة جغرافية أصيلة للمقامات، لكن وصلت إليها هذه التأثيرات من خلال مراكز الحكم والاحتلالات وغيرها، فتبلورت هذه في تلك الفترة المظلمة في القرون الأخيرة، وأصبح شكلا واضح الأبعاد، له بداية ووسط ونهاية، وله عناصر مكونة ثابتة في كل مقام على حدة، وهنا سيكون حديث آخر لا أريد أن أستطرد أكثر، قد يكون في الأسئلة التي ستوجهها أستاذ مصطفى، هنا نتحدث عن فضل بغداد على المقامات، كيف أصبح من خلال مدينة وليس جبل.

نعم وهو تقنين صناعة المقام، او تحويل الشيء من موسيقى نوع من الفولكلور الشعبي إلى موسيقى فصحى، إن جاز ترجمة كلمة كلاسيك إلى فصحى، والله أنا صراحة ليس لدي اختلاف معك فيما قلت، سوى خلاف تاريخي فقط هو تسمية السبع مائة سنة بالعصور المظلمة، أنا لدي توجه مخالف لما تم تدريسه لنا من المستشرقين، عموما هذا الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية أبداً، والفترة العثمانية تحديدا مثلا في العراق شهدت تطور في صناعة المقام العراقي، لم تكن مظلمة جدا في الموسيقى.

لا ليس المقصود بمصطلح الفترة المظلمة الموسيقى فقط، لا وإنما كل الحياة، الحياة العلمية والحياة الاجتماعية، كل ما يعني حياة الإنسان العراقي، خاصة في العراق، هي في كل الوطن العربي وإن يكن بصورة متفاوتة، ولكن العراق أكثرهم ظلما لأنها قريبة على الحدود التركية، هي فترة مظلمة بصراحة أعتقد إنه من حقهم أن يقولوا فترة مظلمة لأنك إذا قرأت ما حدث خلال سبع مائة عام، أو سبعة قرون تتعجب وتستغرب وتتألم أيضا.…

 

نرجع للمقام العراقي، نبدأ الآن بتسلسل تاريخي لنشأته الجبلية، وصولا إلى الوضع المقنن الفني الكلاسيكي الفصيح، والذي سمعناه من التسجيلات في مطلع القرن العشرين، كيف وصل هذا القالب الجبلي الريفي الفولكلوري الشعبي غير المقنن إلى هذا الشكل المعاصر الذي نسمعه حاليا؟

كما قلت بغداد عاصمة العراق، وهي مركز الحكم دائما منذ أن أسست، وهي إذن مركز العقل ومركز الفكر ومركز دوائر الدولة ومركز الجامعات، ومركز كل شيء، ولهذا السبب تققننت فيها أمور كثيرة. ونحن نحصر موضوعنا في الموسيقى، فتقننت المسائل الموسيقية التراثية، هذه التأثيرات المقامية تقريبا في القرن التاسع عشر وصل المقام العراقي إلى ذروة كلاسيكيته، ذروة نضوجه وكماله كشكل، وعندما ظهر الابتكار العظيم للإنسان جهار التسجيل الصوتي لأول مرة، أي آخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، الإنسان تصور أن هذا الجهاز الصوتي قد يغير الأمور إلى أمور إبداعية جديدة، في حين أنا أعتقد إن جهاز التسجيل الصوتي، عندما يسمع الإنسان صوته من خلاله ويسجل ويعيد ذلك مرات ومرات لأول مرة في التاريخ، فقد امتلك الإنسان نظام الإعادة لأول مرة، أعتقد هنا إنه في هذه المرحلة ثبتت كثير من الأصول والمسارات اللحنية، ثبتت في المقامات، ومن جاء بعد ذلك من المغنين بدؤوا يعتمدون على التسجيلات الأصلية لفلان وفلان، وأصبح هؤلاء الناس القدامى رموز. إلى هذا اليوم الناس يرجعون إلى ما عمل فلان، لأنهم يعتبرون إن أول تسجيلات هي مصدر للتعلم ومصدر للتفاعل، أنا أقصد إنه لو لم يكن ابتكار جهاز التسجيل الصوتي لبقي التفاعل والتوارد الذاتي من الآباء والأجداد يتوارث ويتطور أكثر. الآن ثبتت ولأكثر من قرن المقامات لم تتغير، وثبتت من خلال جهاز التسجيل الصوتي، لأنه ثبت لنا هذه الأمور، هذا الموضوع بين السلب والإيجاب يمكننا أن نتحدث عنه في مرة أخرى، لأنه موضوع معقد قليلا يلزمه نقاش مطول.

لكن ألم يكن من الأصل التعليم الشفهي هو القائم لتعليم وتوريث هذا الفن من جيل إلى آخر؟

الآن؟

قبل التسجيل.

طبعا بالتأكيد، أنا أقول إنه قبل جهاز التسجيل، قبل هذا الابتكار العظيم لم يكن هناك غير طريقة، لا يوجد غير التوارد الذاتي من الآباء والأجداد، وسيلة التعليم الوحيدة هي التعلم من الأباء والأجداد، مسألة طبيعية في كل زمن قبل التكنولوجيا الحديثة، بالتأكيد كله عن طريق الآباء والأجداد.

فإذن التسجيل قفط قنن ذلك، فجعل للجد صوت يسمع.

جعل له صوتا وثبت الجد، فلا يزال الجد هو السائد من خلال جهاز التسجيل الصوتي، أنا شخصيا تعلمت المقامات من خلال المسجل.

ليس عبر مدرس تقصد؟

لا يوجد مدرس، وهذا في البداية طبعا، والذي كان يغني المقامات، عمي كان يغني المقامات، أعمامي وأخوالي كانوا جميعا يغنون المقامات، بيئة مقامية، امتلكت فالتراث يمتلك ولا يعطى، امتلكت هذه التعابير بشكل طبيعي عفوي من خلال هذه البيئة التي أعيشها في الأسرة وفي المنطقة، ولكن كأصول مقام في مكان ما أو محطة ما، هذه حفظتها أول مرة من خلال المسجل، وحفظت الكثير من المقامات من خلال التسجيل الصوتي، وبدأت أيضا أنشأ مقامات خاصة بي من خلال تعدد ما أسمع من التسجيل الصوتي، إلى أن مضى الزمن وذهبت إلى معهد الدراسات النغمية العراقي كطالب موسيقي، عند إذن بدأت أسأل ما هذه القطعة؟ ما هذه الحقبة؟، فهمت ما كنت أتعلم، فقد تعلمت المسار اللحني كله دون أن أستطيع الشرح، ولكن المعهد ساعدني على أن أتعلم الأشياء بأسمائها، إلى أن تعلمت أن أعرف أن المقام الفلاني مساراته اللحنية تمر بكذا وكذا.

إذن باختصار مسألة التسجيل وما نتعلمه منها هي مسألة جهد شخصي، قد يتعلم منها الشخص أن يكون مبدعا، وقد يتعلم منها أن يكون ببغاء.

محمد القبنجي

محمد القبنجي

فعلا فعلا، نعم صحيح، سأقول لك ماذا فعلت أستاذ مصطفى ليستفيد الجيل الجديد، أنا عندما أحفظ المقامات نصا بشكل ببغائي، عندما أحفظ مقامات محمد القبنجي، وأنا حفظتها كلها، مقامات مثلا يوسف عمر حفظت منها، ومقامات عبد الرحمن العزاوي حفظت منها مثلا، ولكن يا سيدي ماذا فعلت؟ التفكير الشخصي العفوي وأنا في عمر مبكر، وبدون تجربة خارجية، ليس لدي معلم، فمنطقتنا وعائلتنا محافظة جدا، أنا لم أتعرف على أي فنان حقيقي، كفنان إعلامي إذاعة وتلفزيون قبل ولوجي إلى عالم الغناء في المتحف البغدادي مطلع عام 1973، أتصور إنه في هذه الفترة كان عمري 20 سنة، أو أكثر من 20 سنة وأنا لا أعرف أي فنان معروف، فكله اعتماد شخصي على العائلة وهكذا، وهم غير متخصصين، ولكن يؤدون هذه المقامات، على كل حال ماذا فعلت؟ بدأت مثلا لنقل بمقام الحكيمي، مقام الحكيمي أسمعه من عبد الرحمن العزاوي، أسمعه من يوسف عمر، أسمعه من القبنجي أسمعه من نجم الشيخلي، أسمع نفس المقام من عدد من المغنين، أحب أن أعرف في مقام الحكيمي مثلا ماذا فعلوا بمساراتهم اللحنية؟ ما هي الأشياء المتشابهة؟ وما هي المختلفة؟ المختلفة تعني أنني أنا حر التصرف بها، قد أقوم بها وقد لا أقوم بها، لأنه لم يقم بها الجميع، الأشياء التي اتفقوا عليها جميعا تكون ثابتة، فإذن لا بد من القيام بها. ولهذا السبب أنشأت المقامات الخاصة بي، وأنا لم أقدم نفسي إلى وسائل إعلام بعد، غنيت مقامات بقصائد جديدة أيضا، ليست القصائد المعروفة بأصوات الآخرين، بحثت عن قصيدة جديدة وبدأت أغني المقامات وأحاول، وهذه المحاولات أوصلتني إلى بر الأمان، بحيث عندما ذهبت إلى المتحف البغدادي نجحت نجاحا كبيرا، وكنت مفاجأة للجمهور بشكل عام…

 

عزوري هارون

عزوري هارون

إلى هنا أصدقاءنا المستمعين نكون قد وصلنا إلى نهاية حلقة اليوم من برنامج “دروب النغم”، نشكر الأستاذ المطرب العراقي والمفكر الموسيقي الأستاذ حسين الأعظمي، ننوه أننا قد استمعنا في هذه الحلقة إلى مقامين، أحدهما بصوت الأستاذ محمد القبنجي ومجموعته الموسيقية، وهو مقام “حويزاوي”، والثاني معزوفا من تسجيلات مؤتمر الموسيقى العربية في القاهرة 1932، عزف عزوري هارون على العود، ننوه أيضا أن طوال الحلقات التي نتحدث فيها عن المقام العراقي، لن تكون مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية هي المصدر الوحيد للتسجيلات التي سنستمع إليها، إنما أيضا استعنّا بالعديد من المكتبات الموسيقية الأخرى، كمكتبة الدكتور أحمد السبكي، والتسجيلات الكاملة لمؤتمر الموسيقى العربية في القاهرة 1932، التي صدرت عن المكتبة الوطنية بباريس، إعداد الأستاذ الدكتور جان لامبيرت، كذلك مكتبة الشيخ خالد آل ثاني والأستاذ أحمد الصالحي، الشكر للجميع، وإلى أن نلتقي في حلقة جديدة من برنامج “دروب النغم” نترككم في الأمان.

 

“دروب النغم”.

 

  2015  /  الإذاعة  /  Last Updated أكتوبر 8, 2015 by Amar  /  Tags:
WP-Backgrounds Lite by InoPlugs Web Design and Juwelier Schönmann 1010 Wien