You are here:   Home  /  الإذاعة  /  148 – الطريقة الزيدانية 1

148 – الطريقة الزيدانية 1

enar

 

مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية بالتعاون مع مؤسسة الشارقة للفنون تقدم: “من التاريخ”

سادتي المستمعين أهلا وسهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج “من التاريخ”، نتحدث فيها عن أساطين المقام العراقي، يحدثنا الأستاذ حسين الأعظمي، مطرب المقام العظيم الجميل، وهذا بالنسبة لي أهم من الشهير، إلا إنه ما شاء الله عنه وعن صيته، هو مطرب مقام من الطراز الأول أطال الله في عمره وأعطاه الصحة. سيكلمنا اليوم عن أساطين مدرسة المقام العراقي، الذي يرى إن هناك ثلاث محطات رئيسية لغناء المقام العراقي إلى يومنا هذا نحيى بوجودهم، فماذا تقول؟

أحمد الزيدان

أحمد الزيدان

بادئ ذي بدء أشكرك أستاذ مصطفى على هذا التقديم، وأود أن أوضح مسألة مهمة قبل الولوج في الحديث عن ثلاثة أعمدة في التاريخ الحديث لغناء المقامات العراقية، وهم المطرب الشهير أحمد الزيدان الذي ولد عام 1832 وتوفي عام 1912، ناهز الثمانين عاما من الحياة، بعده تلميذه رشيد القندرجي الذي ولد عام 1886 وتوفي عام 1945، عاش ما يقارب التسع وخمسين عاما، ومحمد القبانجي عاش من 1901 إلى 1989، تقريبا عاش ثمانية وثمانين عام، وإن يكن تاريخ ميلاده مشكوك في أمره، اختلف الرواة في طرحهم عن تأريخ سنة ميلاده، وأنا تحدثت عن هذا الموضوع في كتابي الذي يخص الطريقة القبانجية، تحدثت عن إحتمالات الميلاد بشكل كثير كبحث. على كل حال ما أود أن أشير إليه قبل أن نتحدث ونتوسع في الحديث عن هؤلاء الثلاثة الكبار، أود أن أقول إن هناك أخطاء شائعة في ذكر مثلا أسلوب أو طريقة أو مدرسة، الطريقة نعني بها الإبداع الفردي، مطرب لديه طريقة خاصة به وتبعوه أشخاص وأصبح له مقلدين،  مغنون آخرون من جيله أو بعد جيله يقلدون أسلوبه الخاص أي أسلوب طريقته، فالطريقة هي إبداع وإنجاز فردي، أما المدرسة فهي إنجاز جماعي، كأن نقول المدرسة المصرية في الغناء المدرسة العراقية في الغناء المدرسة الألمانية في الموسيقى مثلا، فمفردة مدرسة مفهوم جماعي، أي أبداع جماعي للمدرسة الفلانية، مسألة أوسع، والمدرسة هي الأم التي تضم كل الطرق والإبداعات الفردية، والأخطاء الشائعة إنه كثير من الأطروحات النقدية وغير النقدية والحديثة سواء من المغنين أو الموسيقيين يأتون بكلمة طريقة أو مدرسة أو أسلوب في كل مكان وفي نفس المكان، دون النظر إلى أهمية الفوارق الموجودة بين هذه المفردات الأكاديمية. الحقيقة أنا أتحدث من مفهوم أكاديمي وليس من مفهوم شخصي، فهذا ليس كلامي أساسا، هذا كلام الأكاديميات. الأسلوب شخصي، فقد يكون أسلوب المدرسة، قد يكون أسلوب الطريقة، هناك مغنين إنفراديين لديهم أساليب مغايرة لأقرانهم، ولكن ليس لهم أتباع، هذا لا يسمى طريقة إنما أسلوب المطرب الفلاني، لكن لم يصبح له أتباع ولم يقلده أحد، لكن تشعر أن لديه أسلوب مغاير عن أقرانه، إنما هو وأقرانه يتبعون الطريقة الفلانية لمطرب ما، هذا ما أردت أن أشير إليه قبل أن نبدأ الحديث عن أحمد الزيدان ورشيد القندرجي ومحمد القبانجي.

طبعا حين تقول مطرب يقلد مطرب تعني يأخذ عنه ويكمل طريقه، ليس بمعنى التقليد الببغائي أليس كذلك؟

نعم هذا صحيح

التقليد بمعنى العطاء.

هذا صحيح، وأحيانا أستاذ مصطفى بطريقة ببغائية، أيضا هناك مقلدون بشكل ببغائي، نفس الكلام نفس المسارات اللحنية تماما، هذا موجود ولكن نحن نقصد الإبداع كما تفضلت أستاذ مصطفى، هو يكمل المسيرة وهذا ما نريده نحن. مرة سُإلت فقد درست المقام العراقي لسنوات عديدة، ما هي الطريقة التي تميزت بها عن الآخرين بالنسبة لطلابك إلخ؟ أنا أرفض أي واحد من طلبتي بكل نكران ذات أن يقلدني أو يقلد غيري، أنا لا أقبل لأن هذا يعني أنني لم أفعل شيء، والمقام العراقي هو تراث الآباء والأجداد يهمني جدا أن يكون هناك تطور دائم. فطريقتي الحقيقية هي طريقة فكرية، أبحث عن الإبداع من أي مطرب قادم، لا أقبل أن يقلدني أو يقلد غيري، أريد ان اعلمه الأسس اللحنية، طريقتي هي أن أوصل المسارات اللحنية للمقامات كخط أساس بتعبير جامد، حتى أنني أكتبه بالنوتة بتعبير جامد، ليس تعبيري أنا ولا تعبير فلان من المغنين الآخرين، يأتي الطالب ويؤدي هذا اللحن أمامي، فيحفظه أول مرة وبعد حفظه وامتلاكه يغنيه بتعابيره الخاصة، عندئذ نستطيع أن نمتلك على عدد الطلبة طرق وأساليب جديدة في غناء المقام العراقي، ليست تابعة لفلان أو فلانة.

طبعا هذا الأسلوب الجامد أو الكتابة لا تغني أبدا عن التناقل الشفهي أو السمع.

لا طبعا لأننا قلنا إن التعبير هو امتلاك وليس تعليم، فهو مسألة حسية، الشخص القادم إلي كطالب يفترض أن يكون إبن البيئة وممتلك التعابير ومكتسب هذه التعابير بشكل عفوي، يبقى فقط أن نعلمه الأصول والتقاليد الموجودة في غناء هذه المقامات العراقية.

أول محطة هي أحمد الزيدان.

نعم أحمد الزيدان مطرب المقام العراقي الكبير هو أحمد بن حمادي بن زيدان، ولد في بغداد كما قلنا عام 1832 في محلة، وفي البلدان العربية يسمونها حارة، منطقة صغيرة أو أصغر منطقة أو أصغر بيئة، في محلة “خان لاوند” في بغداد طبعا، وتوفي عن عمر تقريبا ناهز الثمانين عاما في عام 1912، أنا بالمناسبة أصدرت كتاب “الطريقة الزيدانية” عام 2013، فقد أكملته عام 2012، صدر بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة المطرب الشهيرأحمد الزيدان، عاش معظم عمره خلال القرن التاسع عشر، هذا واضح من خلال التاريخ، تعلم غناء المقامات العراقية وأصولها التراثية التاريخية من خلال الأجواء الدينية، هذا ما تحدثنا به أيضا في الحلقات السابقة عن العنصر الديني والشعائر الدينية والمقامات التي تؤدى في كل الشعائر الدينية.

هل كان يقرأ القرآن أو ينشد؟

لم يعرف عنه إنه كان قارئا للقرآن الكريم، ربما قرأ ولكن ليس باختصاص، لكنه كان يؤدي الشعائر الدينية من المناقب النبوية الشريفة من المدائح النبوية من الذكر من التهليلة، كان ممجدا على المنائر، التمجيد نقصد به تمجيد الله تعالى.

الأذان.

رحمة الله شلتاغ

رحمة الله شلتاغ

طبعا الأذان أيضا، وممارسة هذه الشعائر باستمرار، ثم أخذ أيضا من عدة مغنين مقاميين، وبالأخص من خلال الطريقة الشهيرة الطريقة الشلتاغية، نقصد بالطريقة الشلتاغية طبعا هذه المصطلحات من تسمياتي أنا في كتبي، لأنني كتبت عنها كلها، أقصد بالشلتاغية طريقة رحمة الله شلتاغ الذي عاش بين عامي 1793 و1871 تقريبا. هو أيضا طريقة حسب المؤرخين، فالمرحلة التي عاش بها شلتاغ لم يكن ابتكار جهاز التسجيل الصوتي قد ظهر بعد، كلنا نعتمد على الكتابات الورقية التي كتبها المؤرخون عن فلان وتلاميذه وغيرهم، فهو أيضا كما يبدو صاحب طريقة شاخصة شامخة موجودة في القرن التاسع عشر. ظهوره كان في بدايات القرن التاسع عشر وأصبح له أتباع من مريديه، طبعا من ضمنهم كان أحمد الزيدان ورباز وأبو حميد، فقد كان هناك مغنين كبار بمستوى أحمد الزيدان، لكن أحمد الزيدان كان قد بزَّهُم ونال الشهرة الكبيرة في هذا المجال، وأخذا عن أستاذه المباشر، أحمد الزيدان كان أستاذه المباشر وإن يكن هو معاصر له تقريبا ليس أكبر منه بكثير، أستاذه المباشر كان خليل رباز، ولد عام 1824 وتوفي عام 1904، أيضا عاش تقريبا ثمانين عاما، مثل تلميذه أحمد الزيدان، أحمد الزيدان أخذ عن خليل رباز وتعلم منه، وأخذ أيضا عن المطرب الشهير حمد بن جاسم (أبو حميد) الذي ورد ذكره قبل قليل، وأخذ أيضا عن المطرب حمد النيار، وأخذ أيضا عن المطرب أمين الآغا وغيرهم ممن انتمى إلى الطريقة الشلتاغية التي هي أسبق من هؤلاء، هؤلاء كلهم تلاميذ الطريقة الشلتاغية. أحمد الزيدان كما يقول عنه الحاج هاشم الرجب في كتابه الشهير “المقام العراقي”، طبعا كتاب الحاج هاشم الرجب صدرت الطبعة الأولى عام 1961 في بغداد، وطبعة ثانية عام 1983، يقول الحاج هاشم الرجب في كتابه عن أحمد الزيدان “إنه من النوابغ الغنائية اللذين بعثوا في فن غناء المقام العراقي روحا وحيوية وأوسعوه تجديدا وتنظيما”، هذا ما يقوله الحاج هاشم الرجب في كتابه. أسس طبعا من خلال هذه التجربة طريقة فنية غنائية قائمة بذاتها أسميتها بالطريقة الزيدانية، ونحن الآن نتحدث عن أحمد الزيدان وعن طريقته الشهيرة الطريقة الزيدانية. لماذا قلنا طريقة؟ لأن تبعها الكثير من المغنين المقاميين، لعلى أبرزهم الحاج جميل البغدادي ويوسف حريش وعباس كمبير الشيخلي ونجم الشيخلي ويوسف كربلائي وسلمان موشي ورشيد القندرجي وعبد الفتاح معروف وسيد جميل الأعظمي، هؤلاء تقريبا أبرز تلاميذ الطريقة الزيدانية، وسنتحدث بشكل موجز عن كل هؤلاء، وقد كتبت عن أبرزهم، فقد ذكرت تسعة تقريبا وأنا تحدثت عن خمسة أو عن ستة وهم أبرز هؤلاء بالحقيقة. مارس المطرب أحمد الزيدان بصورة مكثفة أداءات الشعائر الدينية، فقد قلنا في الحلقات السابقة إنه لا ينضج مفهوم مطرب المقام العراقي الدنيوي ما لم يمر بممارسة الشعائر الدينية، أبدا لا يمكن أن ينضج أي مطرب للمقام العراقية من الناحية الدنيوية ما لم يعتمد في البداية في الاكتساب في الامتلاك للتعابير الدينية لأن المقامات في الأساس حوفظ عليها في هذه الشعائر الدينية، ونحن نعرف من حيث المبدأ أن الموسيقى هي في الأصل أصلها ديني. أحمد الزيدان مارس بصورة مكثفة الشعائر الدينية كالتمجيد على منائر الجوامع والمساجد وقراءة المناقب النبوية الشريفة وإقامة التهاليل والأذكار القادرية.

يعني الطريقة القادرية الصوفية صحيح؟

نعم الطريقة القادرية، عبد القادر الجيلاني، كان له راتبا شهريا يعتاش عليه من التكية القادرية.

التكية القادرية هي التكية التابعة للطريقة القادرية.

نعم التابعة للطريقة القادرية، نسبة إلى عبد القادر الجيلاني.

عذرا على المقاطعة لكنني أشرح بعض المصطلحات لأجل السادة المستمعين.

هذا طبيعي وجيد جدا، هذا يضيف شيء للمعلومة. تم تعيينه بعد ذلك من قبل دائرة الأوقاف لممارسة هذا العمل الأدائي في جامع “منّورة خاتون”، الذي يقع بجانب دار المعلمات الابتدائية للبنات ليستلم راتبا شهريا آخر، واستمر في عمله حتى وفاته يقول الحاج هاشم الرجب. الحاج هاشم الرجب وضعته في كتاب “الطريقة القندرجية لأنه أحد أتباع الطريقة القندرجية، طريقة رشيد القندرجي.

هو نفسه هاشم الرجب.

الحاج هاشم الرجب لأنه أدرك حياة أستاذه رشيد القندرجي، التقى به وتأثر بغنائه، وتأثر أيضا في البداية بغناء الطريقة الزيدانية، الحاج هاشم الرجب أخذ من ينابيع كلاسيكية قديمة رصينة أصيلة، انتهى به المطاف خبيرا أولا في المقامات العراقية طيلة القرن العشرين. وإن يكن مارس الغناء فترة ومارس العزف على آلة السنطور فترة أخرى. على كل حال يقول الرجب عن آثار أحمد الزيدان وإبداعاته الفنية في غناء المقام العراقي من خلال مقاماته الكثيرة المغناة، حيث عمل على توسيع بعض القطع الغنائية الصغيرة التي ترد خلال غناء المسارات اللحنية للمقامات العراقية. ما أريد أن أقوله إن هناك مثلا قطع أومحطات صغيرة هو وسعها جعل منها قطع صغيرة وجعل منها مقام، جعلها مقامات قائمة بذاتها بعد أن أضاف إليها عناصر الشكل المقامي، هنا الشيء المهم أنا مثلا إذا استمعت إلى قطعة من القطع الصغيرة وأعجبتني وأردت أن أوسعها وأجعلها مقام، إذن لا بد أن أعطيها مقومات المقام وهي العناصر الخمسة، عناصر الشكل المقامي التي كما تحدثنا عنها سابقا خمسة عناصر مهمة جدا وهي التحرير والقطع والأوصال والجلسة والميانة والتسليم أو التسلوم  في نهاية الأمر، خمسة عناصر موجودة لتأخذ هيكيلية المقام وتصبح تلك القطعة الصغيرة مقام، أما الكاتب والشاعر عبد الكريم العلاف طبعا له كلمات غنائية كثيرة، اشتهرت بأصوات سليمة مراد وزكية جورج، مطربات النصف الأول من القرن العشرين، وكثير من كلمات الأغاني أو الزهيريات التي غناها المغنين المقاميين، هو أيضا شاعر ولديه كتاب شهير هو “الطرب عند العرب” وكتب أخرى، هو كاتب معروف وشاعر يسبغ على المطرب أحمد الزيدان الكثير من الصفات الحسنة في غناءه المقامي بكتابه المعروف الذي ذكرته اسمه الآن “الطرب عند العرب”، في هذا الكتاب يتحدث عن أحمد الزيدان بإسهاب ويمتدحه كثيرا، المطرب أحمد الزيدان كان له مجلسا فنيا، هذه مسألة أيضا مهمة.

صالون ثقافي تقصد.

نعم مجلس فني ثقافي طبعا، يقيمه في مقهى مجيد كركر الذي كان يعج بالكثير من هواة غناء المقامات العراقية.

اسمه مجيد كركر؟

نعم المقهى اسمه مجيد كركر، أصبح هذا المقهى أشبه بالمدرسة التي يتعلم فيها هواة غناء المقام العراقي مبادئ وأصول هذا الغناء الذي كان فيه أحمد الزيدان معلما وحيدا. يؤكد هذا الشيء الناقد الدكتور عبد الله المشهداني في كتابه “موسوعة المقام العراقي”، يقول إن المطرب أحمد الزيدان اشتهر في غنائه للمقامات العراقية بعد تجاوزه سن الخمسين، معللا بذلك شهرة أستاذه ومعاصره حمد بن جاسم (أبو حميد)، هنا أتصور إن الأخ عبد الله يقصد إن وجود أستاذه خليل رباز وأستاذه الآخر حمد بن جاسم (أبو حميد)

أستاذهم كلهم.

هنا الشلتاغي كان قد توفي في هذه الأثناء، ولكن بروز خليل رباز خلال القرن التاسع عشر وحمد بن جاسم (أبو حميد) هو الذي ساعد على تأخير شهرة أحمد الزيدان حسب قول الدكتور عبد الله المشهداني، فهو يقول بدأت شهرة أحمد الزيدان عندما بلغ الخمسين عاما، هذا قول.

لدي طرح آخر لا أعرف إن كنت توافقني عليه، قصة الشيخ يوسف المنيلاوي في مصرمثلا، الرجل كان منشدا ولم يتحول إلى الغناء الدنيوي إلا كبيرا، ألا يمكن أن تكون نفس المسألة مع أحمد الزيدان؟

قد يكون أنا أؤيد هذا التحليل حقيقة، لأننا قلنا في القرن التاسع عشر كانت السمة الطاغية هي الأداءات الدينية، فعلا السمة البارزة هي الأداءات الدينية في الشعائر الدينية.

ربما كان مشهورا كمنشد ثم قرر أن يغني غناءً دنيويا.

بالضبط، متى أصبح دنيويا؟ أتصور بناء على هذا التحليل عندما جاءت شركات التسجيل لتسجل، هو مشهور في تلك الفترة، أشهر مؤدي ديني، فأتوا به للغناء مع الموسيقى.

مع الجالغي.

بالضبط احتمال وارد جدا، ويؤكد أيضا إن المطرب أحمد الزيدان يميل إلى غناء المقامات ذات الطبقة الصوتية العالية، التي يطلق عليها المقامات المعلقة، نحن نسميها باللغة الدارجة “مقامات معلجة”، ماذا تعني معلقة؟ نعني إنها تبدأ بالجواب.

هذا ما سنراه واضحا جليا مع القندرجي.

مثلا ساعطيك مثال على المقامات التي أسميناها “المقامات المعلجة” أو المقامات المعلقة بالفصيح، مثلا مقام المحمودي… هذا مثلا مقام المحمودي لم يبدأ بقرارات وصعود بالتدرج

تحريره من الجواب مباشرة.

هذه المقامات المعلقة أربطها دائما بالأساس الجبلي، لأن في الجبال ليس هناك همس، لأن الشخص بعيد عن الآخر وشخص أعلى من الآخر، فكله صياح، فلان! فلان! “تعال”، البيئة الدارجة كلها أصوات عالية وليست همس، ولهذا السبب إنعكاسات هذه البيئة تظهر عندما يغنون، عندما نسمع معظم غناء غرب آسيا نلاحظ دائما إنهم يبدأون بالجوابات.

بناءعلى ذلك المقامات المعلقة قد لا تحتوي على جلسة.

غالبا الجلسة في هذه المقامات غير واضحة المعالم، قلت في الحلقات السابقة هناك بعض المقامات القليلة والنادرة جدا قد لا تظهر إحدى العناصر فيها، ليس بالضرورة الخمسة قد تصبح أربعة مثلا، فقد أشير لهذا الموضوع، مع ذلك مثلا مقام الحليلاوي… هذا أيضا نموذج من المقامات العالية التي أسميناها بالمقامات المعلقة أو “المعلجة”.

أيضا غابت عنه الجلسة؟

أيضا غير موجودة فعلا، كما ذكرت قبل قليل المحمودي وأيضا الجْبوري والناري وغيرها، الحاج هاشم لا يسمي  بداية هذه المقامات المعلقة بالتحرير إنما يسميها بدوة لأنها غير كاملة الأسلوب التعبيري لكل المقام، يعتبرها بدوة، مثلا في المقام المحمودي… “لا والله يا عيوني” اكتفى المطرب بهذه الكلمات وبدأ بالكلام الزهيري، لم يغنِ تحرير كامل له مسار أطول للجو التعبيري، سماها بدوة، فمن إبداعات أحمد الزيدان بأن زيدان أنشأ مقامات أخرى. مثل الدشت عرب ومسجين، فضلا عن القريباش والهمرجلة، يؤكد ذلك أيضا الناقد المقامي والكاتب الصديق كمال لطيف سالم في كتابه “أعلام المقام العراقي ورواده” أن المطرب أحمد الزيدان سجل بصوته الفخم مقامات عديدة من خلال الشركات الأجنبية للإنتاج الفني المتجولة بين الشعوب لتسجيل تراثها الغنائي، وقد طلبت منه هذه الشركات السفر إلى الشام لتسجيل مقامات أخرى إلا إنه رفض العرض ولم يسافر. ثم يذكر كمال لطيف سالم بأن وفاة أحمد الزيدان كانت في 1912/5/12، هذا تحديدا كما ذكره الناقد والكاتب كمال لطيف سالم. كثير مما يمكن الحديث عن أحمد الزيدان، هناك مقالات كثيرة كتبت عن أحمد الزيدان، القصائد التي غناها ميثلا غنى قصيدة في مقام النوى، غنى قصيدة:

بكر العاذلون في وضح الصبح

يقولون لي أما تستفيق

ويلومون فيكِ يا ابنة عبدالله

والقلب عندكم موثوق

لست أدري إذا أكثروا العذل فيها

أعدو يلومني أم صديق

هذه مثلا إحدى القصائد التي غناها في مقام النوى، وفي مقام الراست يغني مطلع قصيدة “يا قلب لا تشكو الصبابة بعدما أوقعت نفسك في الهوى وهوانه”، وكذلك في مقام الأوج “ألا يا حمامات اللوى عدن عودة فإني إلى أصواتكن حزين”، أتصور هذه قصيدة لعنترة بن شداد.

هل سجل أحدهم هذا الكلام؟

نعم موجودة كاملة، أنا أنزلت القصائد كلها في كتابي.

أقصد هل سجلها أحد بصوته؟

ليس كلها ولكن بعضها، مثلا قصيدة “خليلي ما أحلى صبوحي بدجلة وأعذب منها في الفرات غبوق” في مقام الصبا غناها، هنا الصبوح يعني شرب الصباح والغبوق شرب المساء، فيقول “خليلي ما أحلى صبوحي بدجلة”، يشرب في الصباح بدجلة ويشرب في الليل على الفرات.

“الراجل سلطنة والله”.

نعم سلطنة

خليلي ما أحلى صبوحي بدجلة

وأعذب منها في الفرات غبوق

شربنا على الماءين من ماء كرمة

فكان كدر ذائب وعقيق

على قمري أفق وأرض تقابلا

على شائق حلو اللمى ومشوق

ولا زلت أسقيه وأرشف ثغره

ولا زال يسقيني ويرشف ريقي

فقلت لبدر التم تعرف ذا الفتى؟

فقال نعم هذا أخي وشقيقي

وفي مقام السيكاه أنشد أحمد الزيدان قام يجلوها وفي الأجفان غمض والندامى نوم بعض وبعض”، في مقامات أخرى العجم عشيران مثلا “معتقة صاغ المزاج لرأسها أكاليل در ما لمنظومها سلك” إلخ.

حسنا لنختم حلقة اليوم مع صوت أحمد الزيدان بأحد المقامات التي تفضلت بالإشارة لها بأنها من ابتكاره وهو مقام الدشت عرب، طبعا التسجيل على أسطوانة شمع (cypnder)، أنا سمعت في التسجيل صوت جوزة، الكمنجة المستخدمة في العراق، أو الآلة القوسية المستخدمة في العراق وسمعت دنبك، ولم أسمع سنطور، لا أعرف إذا كان موجودا ولكن غير مسموع في البوق، هذا وارد جدا، أو ربما هو كان يغني مع جوزة ودنبك…   

إلى هنا أصدقاءنا المستمعين نصل إلى ختام حلقة اليوم عن الطريقة الزيدانية، والتي أنهينا فيها الحديث عن أحمد الزيدان، نتقدم بخالص الشكر للأستاذ حسين الأعظمي، وننوه أننا قد استعنا وسنستعين في الحلقات المقبلة بالعديد من المكتبات الصوتية التي وصلتنا منها بعض التسجيلات، اليوم مثلا استعنا بمكتبة الدكتور أحمد السبكي، إلى أن نلتقي في حلقة جديدة نواصل فيها الحديث عن أتباع الطريقة الزيدانية، أتباع طريقة أحمد الزيدان نترككم في الأمان.

“من التاريخ” فكرة وإعداد: مصطفى سعيد.

 

  2016  /  الإذاعة  /  Last Updated يناير 28, 2016 by Amar  /  Tags:
WP-Backgrounds Lite by InoPlugs Web Design and Juwelier Schönmann 1010 Wien