You are here:   Home  /  الإذاعة  /  172 – توشيح ما شممت الورد 2

172 – توشيح ما شممت الورد 2

enar

مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية بالتعاون مع مؤسسة الشارقة للفنون تقدم: “سمع”.

“سمع” برنامج يتناول ما لدينا من إرث موسيقي بالمقارنة والتحليل.

فكرة: مصطفى سعيد.

طه الفشني

طه الفشني

سادتي المستمعين أهلا وسهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج “سمع”، نواصل فيها الحديث عن توشيح “ما شممت الورد، الكلام  لحسن بن عبد الصمد الجبعي، واللحن لزكريا أحمد، وقلنا إن أول تسجيل له كان في أواخر العشرينات الأرجح سنة 29/1928 لشركة أوديون للشيخ إبراهيم الفران، وكنا قد وقفنا في اللقاء السابق عند هذا التفريد…. “يا سلام يا سلام يا شيخ إبراهيم حاجة عظيمة خالص الشيخ إبراهيم واللهي”، أخذ كما قلنا في الحلقة السابقة ديوانين تقريبا في تفريدة واحدة حتى وصل إلى مقر السيكاه، وقلنا إن التفريد يختلف من شخص لآخ. قلنا إن الشيخ إبراهيم الفران في النهاية يقف على الوحدة، بيما الشيخ طه الفشني في الغالب لا، يكسر إيقاع الوحدة ويكون ارتجاله في معظم الأحيان مرسل. هذا يعززه عدم وجود آلة إيقاع، أصلا لا يوجد آلات إيقاع مع الشيخ طه في التسجيلين اللذين معنا، وقلنا إن الأستاذ وديع الصافي حوله إلى أغنية فردية، حول التوشيح الذي هو في الأصل غناء جماعي إلى أغنية فردية على نسق ما كان يغنيه دائما في مرحلته.

نبدأ ثانية من البداية في التفريد لأن هناك دائما لغط بين الموسيقيين، هل التفريد هو ارتجال أم يكون سابق التخطيط تماما؟ من المفترض إنه يوجد من الاثنين. مع الأسف التسجيل الذي معنا للشيخ إبراهيم الفران تسجيل أسطوانة، لا نعرف ما كان يفعل في أدائه الحي، لكن حتى هذا يمكننا أن نستنتج منه أشياء، في الوجه الأول لا يخرج عن “ما شممت الورد”، يبقى في الجملة الموسيقية الأولى وهي “ما شممت الورد” حتى آخر الوجه الأول، راجعوا الحلقة السابقة للتأكد من ذلك. في الوجه الثاني تعطي الموسيقى إيحاءً وكأنه بياتي من السابعة، كأنه بياتي من الحسيني أي سابعة المقام، يدخل في جملة “لست أدري ما قد حل بي من مقلتيك” مباشرة، هذا يعني احتمالين: إما إنه لا ينقلهم بالصوت فيعيدون “ما شممت الورد” وينتقلون مباشرة إلى “لست أدري ما قد حل بي من مقلتيك”، وإما إنه كان ينقلهم بصوته في الأداء الحي لكن استغلوا  قلبة الأسطوانة لتوفير هذا الوقت، وأنا أرجح هذا الخيار! وهو إنه كان ينقلهم، والدليل إنه بعد ذلك في الانتقال بين “لست أدري ما الذي” “ورشق القلب بسهم” ينقلهم هو، لا يدع الموسيقى تنقلهم… وهو أيضا الذي ينقلهم من السيكاه في “رشق القلب بسهم قوسه من حاجبيك” إلى الراست في “إن يكن جسمي تناءى”…. يعودون للإنشاد فقط في النهاية “إن يكن جسمي تناءى” ويرجعون للبيت الأخير وهي عادة، دائما ينشدون الجملتين الأخيرتين مع بعض في النهاية في معظم الأحيان. نادر جدا ما نرى جملة موسيقية واحدة في النهاية، دائما تُختم الجملتين مع بعض في الغالبية العظمى من الأحيان، كانت هذه خطة الشيخ إبراهيم الفران، لنتوقف ونستريح قليلا مع الشيخ طه الفشني في تسجيل الإذاعة، نسمع كل التوشح ونسمع بعض الأبيات التي أخذها كابتهال بعد التوشيح “مالك الملك في يديك قيادي” التي هي نفسها كانت توشيح لُحِن مرتين، مرة من الجهاركاه ومرة من البياتي، المهم نسمع “ما شممت الورد” بصوت طه الفشني، تسجيل في الستينات…  “يا عيني يا عيني على الروقان والخبرة الرجل يعني صوته كبير، لكن قمة الخبرة والروقان، والتجدد الدائم عند الشيخ طه”.

قبل أن ندخل في خطة طه الفشني، لنتوقف قليلا مع الأستاذ وديع الصافي، فقد غنى الليالي مرة ومرة ثانية بين “ما شممت الورد” “ويا حبيبي ما الذي قد حل بي من مقلتيك” غيرها بدل “لست أدري” جعلها “يا حبيبي”، وارتجل على كلمة “يا حبيبي” بنفس أسلوب الأستاذ محمد عبد الوهاب في أسطوانة “جفنه علم الغزل”، أو أعتقد إنه كان يطيل هكذا عندما كان يرتجل في “جفنه علم الغزل” في الأداء الحي، نسمع “يا حبيبي” عند الأستاذ وديع الصافي، أعتقد إن جزءا من صف الكمنجات قام بالتسجيل بعد أن أنهى الأستاذ وديع الصافي تسجيله، أضافوا عليه (multitrack)… عندما يكمل الأستاذ وديع يكون هناك “كاونتربوينت” (counterpoint) على شكل “الريفيرس”  (reverse) الذي كان منتشرا في موسيقى الخمسينات والستينات والسبعينات، الموسيقى الدارجة  آنذاك، نسمع البيت الذي غيره من “لست أدري” إلى “يا حبيبي ما الذي قد حل بي من مقلتيك” “ورشق القلب بسهم قوسه من حاجبيك”، نلاحظ القفلة التي غيرها من سيكاه إلى راست لدواعي التفريد الجديد الذي قام به، غير القفلة أو ربما ببساطة نسي القفلة القديمة، لم يسمع التوشيح منذ وقت طويل، حفظه من الذاكرة فنسي وقفل راست وليس سيكاه، الله أعلم، غير ذلك ما قلناه سابقا سنجد قصة الهبوط والصعود المعاكس بينه وبين المجموعة، ثم يعودون ليصعدوا معه ثانية ويقفوا على نفس الدرجة (reverse)، نوع من المساوقة الرأسية كما سبق وقلنا التي كانت منتشرة في الموسيقى الدارجة في تلك الفترة في النصف الثاني للقرن العشرين نسمعه….

نعود إلى خطة طه الفشني، خطة الشيخ طه الفشني كما قلنا إرجعوا ثانية إلى التسجيل السابق، يبدأ “بما شممت الورد” ويعود لها ثانية، بعد ذلك يترك البطانة تكمل حتى “إن يكن جسمي تناءى فالحشا باقٍ

وديع الصافي

وديع الصافي

 لديك”، تكمل البطانة حتى هذه الجملة، ينشدون “ما شممت الورد”، “لست أدري ما الذي” ،”رشق القلب بسهم” “وإن يكن جسمي تناءى” ينشدون هذه الجمل بالتتالي، لا يوجد سوى جملة واحدة ناقصة وهي “إن دائي ودوائي” لماذا؟ لأنه سيعود ثانية ويفرد على “إن يكن جسمي تناءى فالحشا باقٍ لديك”، يعود ثانية للتفريد على هذه الجملة من الراست، يظل الشيخ طه يسلمهم هذه الجملة كثيرا، راست وأحيانا يرتجل ارتجالات ضمن الإيقاع، مثلا مرة يرتجل على إيقاع الدارج، يغير الإيقاع ولكن يبقى على إيقاع الدارج، بدل أن يكون إيقاعا رباعيا يكون إيقاعا ثلاثيا…. وكما سمعنا ينشد “إن ذاتي وصفاتي يا حبيبي بين يديك” وليس “إن دائي ودوائي” كما يفعل الباقون جميل! وبعد ذلك نفس القصة في الخاتمة ينشدون آخر جملتين الرابعة والخامسة مع بعض، “إن يكن جسمي تناءى” “و إن دائي ودوائي”، هذه خطة عمل طه الفشني ولكن هل يعني هذا إنه لا يرتجل؟ لا! هو يرتجل تماما، كل ما ينشده مرتجل، وليد اللحظة والدليل أننا سنسمع ونختم الحلقة مع تسجيل جميل جدا  في أواخر الأربعينات، 1950 على الأكثر، المهم إنه قبل أغسطس 1952 في مولد المرسي أبو العباس في الإسكندرية. سنجد هذا التوشيح ضمن وصلة جميلة جدا من الإذاعة كانت منقولة على الهواء، شكرا جزيلا للأستاذ محسن أبو علاء لإعطائنا هذا التسجيل، والذي سيسمع هذا التسجيل سيلاحظ إنه من الصحن المكشوف للجامع، وهو طبعا يغني في مقام المرسي أبو العباس، ولكن من الصحن المكشوف التابع لمقام المرسي أبو العباس يبدو إنه كان هناك مداح ما يمدح وصوت السُلَمية ظاهر جدا في الخلفية عند الشيخ طه، كان هناك مولد ويحدث فيه أكثر من شيء في آنٍ معا، وماكروفونات “الريبون” (Ribbon microphones) القديمة الممتازة التي كانت تلتقط الصوت من بعيد، التقطت هذه السلمية والتي يمكن للكل أن يلاحظها، والذي لا يستطيع ملاحظتها يركز في الدقيقة السابعة سيلاحظ هذا الشيء.

إلى هنا نصل إلى ختام حلقة اليوم من برنامج “سمع”، تحدثنا فيها عن توشيح “ما شممت الورد”، كلمات حسن بن عبد الصمد الجبعي لحن الشيخ زكريا أحمد، إلى أن نلتقي في حلقة جديدة من برنامج “سمع” نتناول فيها عملا آخر بالبحث والتدقيق والتحليل، نترككم في الأمان مع الشيخ طه الفشني في رحاب المرسي أبو العباس.

قدمت لكم مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية “سمع”.

 

  2016  /  الإذاعة  /  Last Updated يوليو 22, 2016 by Amar  /  Tags:
WP-Backgrounds Lite by InoPlugs Web Design and Juwelier Schönmann 1010 Wien