You are here:   Home  /  وثائق  /  سلامة حجازي بقلم عبداللطيف فاخوري

سلامة حجازي بقلم عبداللطيف فاخوري

عبد اللطيف فاخوري

محامٍ ومؤرخ

سلامة حجازي: نابغة المنشدين وشيخ الممثلين (1852- 1917م)

الشيخ سلامة حجازي أحد أعمدة المسرح العربي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. ولد في رشيد وكان والده ملاحاً ووالدته بدوية. لقب بنابغة المنشدين وشيخ الممثلين. حفظ القرآن الكريم في صباه Suleiman-al-Qurdahi-2-wwwوتلقى مبادئ القراءة والكتابة. بدأ حياته كمنشد بسيط في حلقات الذكر يتنقل من حلقة الى حلقة ومن فوق مئذنة جامع الأباصيري في الاسكندرية، سمع الناس صوت الشيخ سلامة فطربوا له وسحروا به وتنبأوا له بمستقبل باهر ثم رأى من نفسه ميلاً الى تنويع الإنشاد ورأى أن ينهج نهج أشهر المنشدين في ذلك الوقت الشيخ الشنتوري والشيخ محرم وكان هذا الأخير يحيي ليالي رمضان في بيت السادة البكرية في القاهرة فتبع
 طريقهما ما لفت اليه الأنظار و بقي على التخت بضع سنوات يشعر بميله الى الأناشيد وسمعه يوسف خياط أحد أصحاب الفرق المسرحية وهو يؤذن وأعجب بصوته وعرض عليه ضمه الى فرقته فوافق وهجر التخت ثم انتقل الى فرقة القرداحي ثم القباني. وسمع اسكندر فرح صاحب تياترو التفريح بالشيخ سلامة فقصده وحمله على الانضمام الى فرقته ومنحه مرتباً لا بأس به وأخذ يدربه على الأدوار الرئيسة مكثراً في الروايات من
القصائد الغنائية والقطع الموسيقية ضمن أدوار الشيخ ناشراً في كل الإعلانات ” ويقوم بالدور المهم المطرب الشهير الشيخ سلامة حجازي”. وما هي إلا عشية وضحاها حتى تدفقت أفواج الناس نحو تياترو اسكندر فرح وصار الشيخ سلامة الممثل الأول في الفرقة ومطربها الشهير. وقد شعر الشيخ سلامة بأن اسكندر فرح يستأثر بمدخول التياترو ولا يضحي بشيء في سبيل الفن فأتم اتفاقه مع اسكندر فرح حتى آخر يوم وترك التياترو وتفرغ مع لفيف من عشاق الفن لتجهيز ” دار التمثيل العربي ” الذي كان قبله ” تياترو فردي”Théatre Verdi . وكان الافتتاح الكبير سنة 1905 م فاعتبر أهم حادث بلغة التمثيل في مصر. وكان الشيخ سلامة يعنى بروايات أدبية ذات مغزى فاهتم بإخراجها بمناظر وملابس وأكسسوارات جديدة تتوافق مع عصر الروايات وانضم الى فرقته أهم الممثلين أمثال أحمد فهيم ومحمود حبيب وأحمد أبو العدل وعمر وصفي وعبد المجيد شكري وعبد العزيز خليل ومن السيدات اميليا ديان ومريم سماط ونظلة مزراحي وألمظ استاتي.

ووجد أن التمثيل يوفر له أمرين رغب فيهما أولهما أنه الأليق به بعد أن استبدل الطربوش بالعمامة أن يرتزق من عمل كالتمثيل يكون فيه عظة وتأديب. والثاني أنه أدرك قوة صوته ما يساعده على القاء القطع الشعرية التي تتخلل الروايات، فحجز لنفسه مكاناً لم يجاره فيه أحد، ما دعا أشهر الأدباء والشعراء في زمانه لأن يترجموا له روايات متنوعة أحدثت أثراً جميلاً في نفوس الناس الذين رددوا القصائد بألحان الشيخ سلامة وغنائه وكان من هؤلاء الأدباء والشعراء الشيخ نجيب الحداد مترجم روميو وجوليت وطانيوس عبده والياس فياض وانطوان قيقانو واسماعيل عاصم بك المحامي كما الف له شاعر القطرين خليل مطران مونولوجاً بلغ مائتي بيت بمثابة رواية كاملة أنشده الشيخ سلامة بصوته الجذاب وقد أسهم خليل مطران بإقناع مونغراتو اليوناني على تأجير مسرحه للشيخ سلامة (1) .

وفي سنة 1908 زارت مصر الممثلة الشهيرة سارة برنار ومثلت مع فرقتها عدة روايات على مسرح الكوزموغراف ورغبت بمشاهدة الشيخ سلامة ورأى أن يخرج لها إحدى رواياتها فمثل أمامها غادة الكاميليا وقامت بالدور
الأول ميليا ديان وقام هو بدور أرمان وسمى الرواية ” النجم الآفل “.

لم يكن الشيخ سلامة مطرباً فحسب بل كان ايضاً ملحناً قديراً وكان يلحن بنفسه جميع قطعه مثل عائدة والأفريقية وتليماك وعظة الملوك، وبدأ بتلحين رواية ” فوست “. وأتم قبل وفاته فصلاً كاملاً منها وتوفي في 4 تشرين الأول 1918 م قبل أن يتمها.

انتقد البعض الشيخ سلامة بأنه جعل من رواية روميو وجوليت لشكسبير خليطاً من الموسيقى والتمثيل فأضعف من تأثير المأساة، وغاب عنهم أن الشيخ المطرب الممثل اتخذ طريقة ذكية لأن الجمهور كان همّه الوحيد أن يسمع “سيدنا الشيخ” كما كانوا ينادونه وهو ينشد “يا غزالاً صاد قلبي” أو “عليك سلام الله يا شبه من أهوى” أو “سلام على حسن يد الموت لم تكن”. وكان قسم كبير من “السمّيعة” مرغماً على مشاهدة الرواية كاملة فيسرّ بروعة موضوعها ومع الوقت يألف المسرح الى أن يأتي اليوم الذي لا يكتفي فيه الجمهور بالغناء والطرب بل يطلب معهما جودة الموضوع.

ودعاه الانتقاد الى الانتقال من الرواية الموسيقية الى الرواية الهادفة وعمد الى الإقلال من الألحان والى تخيّر القطع الفنية فتفوّق، وهو الذي كان أن يكون أميّاً، في عدة أدوار “كبوريدان” في رواية البرج الهائل أو “ابن الشعب” أو الأعرج في رواية “الجرم الخفي” أو روجيه في رواية “عواطف البنين”.

ويذكر له دوره في نهضة التمثيل من خلال تكوين فرقة جورج أبيض سنة 1912م. فعلى رغم مرضه بالفالج قدم جميع أفراد فرقته لأبيض ولم ينضم الى فرقة أبيض من عناصر جديدة إلا المحامي عبد الرحمن رشدي والشاعر
 فؤاد سليم. كما قدم لأبيض عبد الرزاق بك عنايت الذي كان أكبر نصير مالي للشيخ سلامة. يذكر أن عبد الرزاق بك هو الذي أحضر الى مصر أول فرقة تمثيلية هي فرقة أبي خليل القباني وهو مؤسس جوق التمثيل العربي ومؤسس فرقة جورج أبيض وجوق ترقية التمثيل العربي لعبد الله عكاشة وإخوته فكان العماد المالي لجميع الفرق.

وقد منح الشيخ سلامة لفرقة أبيض تراثاً من الفن الموسيقي الراقي، تمثل بما في رواياته الثلاث أوديب وعطيل ولويس من ألحانً يفخر بها تاريخ الموسيقى في الشرق العربي.

ووفقاً للخلعي ورزق فإن أول دور مثله سلامة حجازي دور “كورياس” في مسرحية (مي) أمام سليمان الحداد الذي مثل دور هوراس ثم بقي خمس عشر عاماً في جوق اسكندر فرح وكانت جوقته تنشد بين الفصول. (2)

سلامه حجازي في بيروت

عرفت بيروت الشيخ سلامة حجازي لأول مرة سنة 1887م عندما افتتح محمد عبد الله بيهم وأشقاءه جامع دار المريسة الذي بنوه فوق مغارة سويد عن روح والدهم واحتفل فيه بأداء الشعائر بحضور رجال السلطة والعلماء فتليت قصة المولد النبوي الشريف وأنشد المنشدون برئاسة الشيخ سلامة المدائح النبوية (3).

وأعلن في المدة نفسها أن إسكندر أفندي سيقلي سيشرع بتمثيل أربع روايات “في المرصد الجديد وأن المطرب الشهير الشيخ سلامة حجازي تعهد بالقيام بأهم أدوارها ويقدم بعد انتهاء التمثيل فصلاً في الغناء… وأن الفرقة مثلت رواية المظلوم وكان الجمع غفيراً والناس مسرورين وارتاحت نفوسهم ولاسيما الشيخ سلامة فإنه جاد بمغناه فرق معناه حتى طربت الأرواح فقد أتى بدور من الأدوار بآخر الرواية مما طرب له الحاضرون … وقد مثل الجوق رواية أحكام الزمان تاليف انطوان قيقانو …” (4).

وفي 10/5/1909 وصل الشيخ سلامة الى بيروت مع جوقه من ممثلين وممثلات فاستقبل على رصيف المرفأ من الأصدقاء والأدباء وبدأ بتمثيل رواية “عواطف البنين” أتبعها برواية “غانية الأندلس” التي تشرح أخلاق الأندلسيون وعاقبة قرين السوء وأن الحب الطاهر الوثيق العرى لا تكدره شائبة مهما تقلبت أحوال المحبين. وقد اصدرت الجوقة دفاتر يحتوي الواحد عشر تذاكر وثمنه ليرة عثمانية تسهيلاً لحضور الروايات وكان الازدحام شديداً. وكان بعض الجمهور يصفق تصفيقاً متواصلاً بلا تمييز بين مواقف الرواية وأنواع مشاهدها”(5).

وتابع الشيخ سلامة تقديم الروايات فقدم “عظة الملوك” في المسرح الجديد “فملك المسامع والأبصار حتى كان الناس يحبسون أنفاسهم حين الإنشاد كي لا تفوتهم نبرة. وأجاد الممثلون والممثلات ولاسيما اميليا وغراسيا واختتمت الرواية بفصل هزلي أجادت فيه الآنسة تمام” (6).

ثم مثل الجوق رواية “ضحية الغواية” وعلق عليها الأديب رشيد عطية فأشار الى أن راوول وحبيبته شارلوت أجادا وأن الشيخ قام بدور راوول “فحدِّث عن رخيم إنشاده ولا حرج فإنه قد أطرب وأعجب ولاسيما القصيدة التيSuleiman-al-Haddad-2-www خاطب بها حبيبته وهو في الغابة يتفيأ ظل القمر مشاكلاً بينه وبينها فهز المعاطف وحرك العواطف”(7).

وفي 23/5/1909 مثل جوق الشيخ سلامة رواية “تليماك”. وأعيد بعد يومين تمثيل “عواطف البنين” التي تظهر عاقبة المحتالين الذين ينتحلون أسماء الموتى لمغنم وكيف يبرّ الأبناء بالآباء وكيف تهز عواطف النبل والشرف عطف الصديق الوفي وقد تأثر الحاضرون “ولولا نفر من الذين لا يحضرون التمثيل إلا للتصفيق والثرثرة ولم يفهموا الغرض الشريف من التمثيل فإنهم حضروا لسماع الغناء …”(8).

وذكر في حينه أن الشيخ سلامة أطرب الجمهور خلال التمثيل بنشيد شكر فيه للبيروتيين نهضتهم لإحياء فن التمثيل ونهض المحامي جميل الحسامي فقابل الشكر بمثله وحث الأدباء على مضافرة جوق الشيخ والإقبال عليه (9).

ومثل الجوق رواية هملت الشهيرة ورواية ” اليتيمتين ” في الملعب الجديد فأجاد الشيخ في تمثيل دوره وكذلك محمد بهجت في دور السكران والسيدة غراسيا بدور لويز العمياء ووردة بدور لفروشار ومريم بدور الكونتيسة وميليا بدور هنرييت (10).

يذكر أن الشيخ سلامة مثل رواية “عائدة” إجابة لطلب لجنة من الأدباء يعود ريعها لإنشاء مدرسة وطنية في بيروت وقد القى خلالها الشيخ مونولوج “فتى العصر” والقت ميليا مونولج “فتاة العصر”(11).

كما أنشد الشيخ سلامة أناشيده في الرواية الشعرية التي مثلها طلبة المدرسة البطريركية في المدرسة وكانت من نظم عبد الله البستاني (12).

وقد أحدثت مسرحيات الشيخ سلامة حركة أدبية في بيروت تناولت التمثيل والغناء فقد أشار زكريا طبارة أحد رجال جمعية بيروت الإصلاحية (الذي انتقد يوماً الوالي حازم بك فأرسل هذا الأخير من قتله) الذي حصل بلسان وديع شهاب في جريدة الوطن وموسى بولاد بأن الشيخ سلامة هو مطرب لا ممثل فرد عليهما داود نقاش في جريدة الأحوال ورشيد عطية في لسان الحال وأظهرا ان الشيخ سلامة هو منشد وممثل معاً (13).

وذكر زكريا طبارة دور الخواجا بترو باولي موضحاً بأن باولي ادعى انه دخل المسرح ليلة تمثيل روميو وجولييت مدعواً من صديق الى لوج رقم 5 دون ان يدفع الرسم وانتقل منه لأنه مخصص لأربعة أشخاص الى لوج آخر الخ (14).

وعندما أعلن الشيخ سلامة عزمه على مغادرة بيروت الى دمشق إلا ان إلحاح محبيه والمعجبين بتمثيله وإنشاده دفعه الى ارجاء سفره وأعاد تمثيل عواطف البنين ومغاير الجن كما مثل رواية “الجرم الخفي” التي لم يسبق تمثيلها في بيروت. وعاد وقدم روميو وجوليت (15).

وتوجه الشيخ سلامة الى دمشق في حزيران 1909 وقدم جوقه على مسرح زهرة دمشق ابتداء من 29 حزيران روايات غانية الأندلس وصلاح الدين الأيوبي وصدق الإخاء وروميو وجوليت )أو شهداء الغرام(. وكان مقرراً أن يقدم الجوق في حماه رواية صلاح الدين الأيوبي إلا أن بعض اهاليها من أعضاء جمعية الإتحاد والترقي اعترضوا على ذلك بحجة “أنه ليس لدى الأهالي الاستعداد لتمثيل الروايات فالرواية عندهم مجلبة للفساد والتوغل في الفحش لاسيما وأن بين الممثلين أربع نساء وان منع التمثيل حفظ للأهالي نقوداً جدير بأن تنفق في سبيل شراء الدقيق” … كما خشي يوزباشي الجندرمة في حماة من وقوع حادث ليلة التمثيل (16).George-Abiad-www

وفي تموز 1909 أصيب الشيخ سلامة بدمشق بفالج خفيف في جنبه الأسير فنقل الى القاهرة. وبعد ابلاله نسبياً من مرضه عاد في تموز 1910 الى بيروت ودمشق فمثل جوقه خمس عشرة ليلة في مسرح زهرة دمشق وعدة ليالي في جنينة الأفندي بباب توما، مقدماً روايات الإرث المغصوب أو الكابورال سيمون. وروميو وجولييت التي قام عبد الله عكاشة بأهم أدوارها وأطربت فرقة زكي مراد بين الفصول ؛ وماري تيودور ملكة انكلترا وعظة الملوك تمثيل عبد الله عكاشة وتلحينه. ورواية عواطف البنين. وروايات هملت و مغاور الجن والبرج الهائل وتسبا او شهيدة الوفاء وتيلماك ومظالم الآباء وابنة حارس الصيد او عبرة الأفكار. وكان يقوم بالطرب خلال الفصول عكاشة او زكي مراد.

الشيخ سلامة في بيروت مجدداً

وعاد الشيخ سلامة بعد إبلاله من المرض الى بيروت قادماً من حلب فأحيا جوقه في مسرح زهرة سورية روايات عظة الملوك وضحية الغواية والقضية المشهورة أو قاتل أبي وماري تيودور (17).

كتب محمد كرد علي تعليقاً على رواية عواطف البنين فقال “ما كنا نظن أن التمثيل العربي وصل في هذه الفترة القصيرة الى هذه الدرجة من العناية والتكمل بحيث أبكى الممثلون المقل واضحكوا الأسنان وبهروا العيون وأطربوا النفوس وان ما يبهج أن أناساً لم يدرسوا الدراسة التي تؤهلهم أهلية تامة للأدب العربي أن يتعلموا بالعمل الإلقاء الفصيح ويحذقوا جملاً وأشعاراً وأفكاراً لا يصل اليها إلا من صرف شطراً مهماً من حياته في المدارس …”(18).

يذكر ان نجيب الحداد بعدما ترجم تمثيلية روميو وجوليت نظم في ختامها قصيدة لحنها الشيخ سلامة الذي قام بدور روميو فأبكى السامعين وأطرب المتفرجين (19). وقد ذاعت شهرتها وسجلت على اسطوانات واقتناها عشاق الطرب ورردها آباؤنا ولاسيما بعض مقطوعاتها مثل:

سلي النجوم أيا شارلوت عن سهري

تنبيك يا مهجتي عن صحة الخبرِ

آوي نهاري إلى الأحراش ملتجئاً

أعاشر الوحش من ذئب ومن نمر

حتى إذا حان وقت الليل أهجرها

اسري دجى ورفيقي البدر في السفر

يا أيها القمر السامي بطلعتهIskandar-Farah-2-www

هل أنت نور الدجى المدعو بالقمر

أم أنت رسم محياها قد انعكست

أنواره فبدا كالبدر للنظر

كما ذاعت واشتهرت القصيدة التي أنشدها الشيخ سلامة في صلاح الدين الأيوبي:

إن كنت في الجيش ادعى صاحب العلم

فإنني في غرمي صاحب الألمِ

يا من تملكتم قلبي فكان لكم

عبداً وكنت له من أطوع الخدم

أقضي الليالي وحيداً بعدكم وأنا

أسامر البدر في داج من الظلم

ينوب لي حسنه عنكم وإن نقصت

فيه الصبابة من لحظٍ ومن كلم

إلى أن يقول:

يا نظرة خلتها في بدئها نعماً

فأصبحت في الهوى شراً من النقم

حلّت بقلبي فمن بات يعشقني

فخلتها وردت عن قوس منتقم

الله حسبي بهذا الحسب فهو لقد

اضحى يخيم فوق مثل ذا العلم

كان لسلامة حجازي جمهوره وقد حاول قبل وفاته تقديم سيد درويش في مسرحه ولكن الجمهور لم يتجاوب معه (20).Nazla-Mizrahi-www

ووفقا للنجمي لم يعتبر سلامة حجازي مجدداً بل اكتفى بأداء الأدوار كما غناها عبده الحمولي والمسلوب ومحمد عثمان، ولذلك كان جمهوره يملأ المقاعد ليستمع الى غنائه ولم يكن هذا الجمهور يهتم بأحداث المسرحية أو ببعض الأغاني فقد قاطع الشيخ وهو يغني “سلي النجوم أيا شرلوت عن سهري” وطلب اليه أن يغني ليالي ومواويل. وقد دخل صديق الشيخ الشاعر إبراهيم الدباغ يوماً الى المسرح فوجد الشيخ يبحث عن بيت من الشعر فيه كلمة “يا ليل” فنظم له:

صبرتُ حيناً على بينٍ رُميت به

وأنت يا ليل لم تُطلع سَنا قمري

ويقول الحفني “ان من مآثر الشيخ سلامة أنه وكل الى كبار الشعراء والزجالين نظم المقطوعات الحافلة بالسمو الشعري أكانت بالفصحى أم بالعامية المهذبة”(21).

وقد غنى الشيخ سلامة أدواراً من تلحين غيره مثل دور “الوجه مثل البدر” تلحين محمود الخضراوي (مقام جهاركاه شوقطرب). ومثله دور “يا رشيق القد” (مقام بياتي) وغنى “بسِحر العين” من تلحين محمد عثمان (بياتي) و”فؤادي يا جميل يهواك” لمحمد عثمان (حصار).

وكان الشيخ سلامة يبدأ رواياته بتحية الجمهور مرحباً به كما فعل في بيروت وغيرها بقصيدة (من السيكاه).

مرحباً بالسادة النجب

سادة العرفان والأدبِ

قد أتيتم دارنا كرماً

فغدت تهتز من طرب

يا بني الأوطان ليس فتى

يدرك العليا بلا نصب

خدمة الأوطان مأربنا

غيرها لم نبغ من أرب

عضدوا التمثيل جهدكمُ

كي تنالوا غاية الأَرب

قد نزلنا في مدينتكم

فرأينا أعجب العجب

فلتعش محفوظة بكم

وليعش تمثيلنا العربي

وتضمنت مسرحياته طائفة كبيرة من الألحان. ففي تليماك كانت الحان الجحيم كلها من مقام النهاوند والعجم وفي صلاح الدين الأيوبي قصيدة ان كنت في الجيش (مقام راست) ومن روميو وجوليت سلام على حسن يد الموت لم تكن (مقام بياتي) وقصيدة ماتت شهيدة الحب من مسرحية تسبا (مقام بياتي) وقصيدة ذبول شبابي من مسرحية الجرم الخفي (مقام راست) وقصيدة سلي النجوم أيا شارلوت من مسرحية ضحية الغواية (مقام نهاوند) والعديد من ألحان الشيخ سلامة سُجلت بصوته لدى أوديون (22).

ويبدو أن وجود الشيخ سلامة في بلاد الشام وتذوقه للغناء الشامي الشعبي دفعه الى غناء بعض الطقاطيق إن صح التعبير “بالشامي” مثل أغنية تاه الفكر (بياتي) التي سجلت لدى شركة أوديون برقم 55558 تقول:

تاه الفكر منك يا دلعونه ربي يظلمكم ياللي ظلمتونا

قامته على البستــــان تلم النرجس والورد من فوق الخدود شيء يهوس

يا رب تحمى لها جمالها وتحرس كل الصبايا والهادي يهدي

حالي صبح في الحب أمره ظاهر والليل أقضيـــه في هواك ساهر

وحياة عيونك والجبيـــــن الزاهر إحنا عبيدك نرضى حكمك فينا

ياللي حويت الظرف إرحم عبدك

من نوادر الشيخ سلامة

من طريف ما حصل مع الشيخ سلامة حجازي في بيروت ما رواه أحد وجهاء المصريين وهو الياس جرجس الياس في مذكراته قال: ” ذهبنا للاصطياف في لبنان. كنا ستة أشخاص. وبينما نحن في قرى هذا الجبل العجيب، سمعنا أن مواطننا ذا الصوت الملائكي الساحر الشيخ سلامة حجازي قد حضر إلى بيروت لكي يحيي فيها بعض لياليه الخالدة. فانحدرنا جميعنا إلى بيروت لنشنف أسماعنا بصوت بلبل الشرق الغريد. وقابلنا الشيخ قبل الحفلة. فإذا هو مستبشر مسرور. وأثنينا على فكرته في التجول في بلاد الشرق العربي. ثم حل موعد الحفلة فدخلنا المسرح. ولكننا لاحظنا لسوء الحظ أن المتفرجين قليل عددهم جداً. مع أن الشيخ كان على استعداد عظيم من حيث الممثلين الذين استحضرهم، فضلاً عن المناظر التي أعدها لرواياته.

“ولذلك انقلب استبشاره تشاؤماً، وأمر أحد رجاله بأن يقف على المسرح ويعتذر إلى الجمهور قائلاً بان الشيخ أصابه مرض فجائي، وهو يرجو منهم الاحتفاظ بتذاكرهم إلى الليلة التالية للدخول بها أو تصرف لهم قيمتها. وانصرف الجمهور ساخطاً. وخرج الشيخ من الباب الخلفي. فذهبنا إليه نحن المصريين جميعاً وقابلناه في الفندق الذي نزل فيه، فوجدناه ذاهلاً مكتئباً لهذه النتيجة غير المنتظرة. وصار كل واحد منا ينسبها إلى رأي رآه. على أن الإجماع انعقد تقريباً على أن السوريين في ذلك الزمان لم يكونوا قد سمعوا عن الشيخ أو صوته بما فيه الكفاية، للاقتناع بتفرده عن مغني الشرق جميعاً وسموه عليهم. على أن أغلبهم يميلون إلى الأدب والطرب، ويعتزون بأغانيهم وأصواتهم، ظناً منهم أنه لا يفوقهم أحد في ذلك. ولهذا لم يكن إقبالهم عليه كبيراً.

” وأخذنا نقلب الرأي في طرق يحسن اتخاذها لتعريف الشعب قيمة الشيخ الفنية والغنائية بعد أن خشينا أن يضطر إلى العودة وقد تحمل خسارة مادية كبيرة وخسارة أدبية أكبر. وكثرت الاقتراحات وتعددت، ولكنها كلها لم تكن مما يحسن الاطمئنان الى نتيجتها.

” وحدث لحسن الحظ أن كان بيننا سمعان صيدناوي، وكان رجلاً تجارياً بالسليقة، فأدلى إلى الشيخ بالرأي الآتي: قال له: لقد سمعت يا شيخ سلامة أنك كنت مؤذناً بالمساجد قبل أن تصبح مغنياَ. قال الشيخ: نعم كنت مؤذناً في مسجد الشيخ الأباصيري بالإسكندرية وبغيره أيضاً. قال سمعان: عندي أن تقوم باكر بدور المؤذن في مسجد بيروت الكبير (أي الجامع العمري) ومن حسن الحظ أن غداً الجمعة. وأنا متأكد أن الناس متى سمعوا صوتك Khalil-al-Mutran-young-wwwيتساءلون عنك، ونكون نحن جميعاً في المسجد، فنخبر المصلين والسامعين بأن المؤذن هو الشيخ سلامة حجازي المغني المصري الشهير، وأنا ضامن أنك بعد هذا سوف لا تعرف كيف تدبر المحلات اللازمة لألوف الناس الذين سيتدفق سيلهم الى مسرحك.

“فأعجبنا بهذا الرأي وأمن الشيخ على فائدته، ونفذناه حرفياً. ولا تسل عما أحدثه صوت الشيخ عندما صاح بآذان الجمعة في مسجد بيروت. فإن الناس اجتمعت داخل المسجد وخارجه، وجعلنا نعلن أنه لم يبق في لبنان كله رجل أو امرأة، لم يأتوا لسماع هذا الصوت الملائكي. وكان صمت الناس على ازدحامهم تاماً كاملاً. وكلما وصل إلى نهاية مقطع من مقاطع الآذان، انطلقت حناجر الناس بأصوات الاستحسان وأكفهم بالتصفيق. ثم يذكرون هيبة المكان الذي هم حوله فيعودون إلى صمتهم وإنصاتهم. ومع أننا كنا نتوقع إقبالاً عظيماً على المسرح تلك الليلة، إلا أن شدة الإقبال وكثرة الزحام فاقتا ما كنا نتوقع، بحيث خشينا أن تحدث في المسرح كارثة أو في البلد فتنة، ولكن الله سلم وكان نجاح الشيخ تاماً في كل وجه “(23).

وعندما عرض الشيخ سلامة مسرحية صلاح الدين نفدت تذاكر الدخول دون التمكن من تلبية طلبات الجمهور لمشاهدتها. وإذا بهم يتجمهرون في طريق الشيخ حتى إذا أقبل استوقفوه معربين عن شدة رغبتهم في سماع قصيدته “إن كنت في الجيش” فلم يكن أمامه إلا الإذعان لرغبتهم فوقف على قارعة الطريق وأنشد القصيدة.

اخبرني المرحوم أمين لادقي ان أقرباءه عندما حضروا لأول مرة محمد عبد الوهاب في بيروت سرّوا من غنائه ولما سئلوا أثنوا عليه وأضافوا” ولكن الشيخ سلامة غير … “.

كان الشيخ سلامة كريم النفس صرف الكثير على عمل المعروف وإغاثة الملهوف بدون أن يدري أحد وكان يدس لفافات فيها نقود بيد المحتاج. فما أن ذاع نعيه حتى هرع الكثيرون الى المستشفى يصيحون” مين اللي يفتح بيوتنا وينفق على أولادنا من بعدك يا شيخ سلامة ” (24).

في مسرحية عظة الملوك صعد معجب بين الفصلين فسأله الشيخ: مبسوط؟ قال له: مبسوط إيه يا استاذ دانا كفوفي ورمت من التصفيق. قال له: على كده عايز اجرة العلاج؟

وفي احدى مسرحياته بدمشق صعدت امرأة الى غرفة الشيخ وطلبت منه السفر لأن وجوده أدى الى خراب بيتها فقد كان زوجها الحمال يدفع ما يحصله من عمله يومياً تذكرة حضور مسرحيات الشيخ حتى أنه باع أثاث بيته ومصاغ زوجته، فما كان من الشيخ إلا أن دفع لها عشرين ليرة ذهبية لقاء ما خسرته وأعطاها ورقة لزوجها لحضور مسرحياته كلها مجاناً (25).

وكان بين أفراد فرقة الشيخ سلامة ممثل يدعى مصطفى حلمي اشتهر بروحه الفكهة وبإدمانه على المخدرات التي لا يخلو جيبه منها وكان مصطفى يمثل دور الملك أمام الممثلة ستاني التي تمثل دور تسبا وكان على الملك أن يخرج من جيبه زجاجة سم ويعطيها لتسبا قائلاً “إذن فاشربي هذا” ومدّ يده الى جيبه ليخرج زجاجة السم فلم يجدها فقد نسي وضعها في جيبه وحار في أمره وبحث في جيب آخر فوجد علبة صغيرة فيها المخدرات التي يشمها وأراد أن ينقذ الموقف فدفع العلبة الى تسبا وصاح بلهجة دراماتيكية ” إذن فالحسي هذا …”(26).

عندما توفي مصطفى كامل سنة 1908 قرأ الشيخ سلامة قصيدة شوقي “المشرقان عليك ينتحبان” فبادر الى تلحينها وأعلن عن “تأبين مصطفى كامل بمسرح دار التمثيل العربي”.

وكان الشيخ سلامة يدافع عن الفضيلة ويحارب الرذيلة وحدث ان كان عزيز عيد يمثل مع الشيخ وحاول استمالة احدى الممثلات فذهب مدير الفرقة وأخبر الشيخ فذهب هذا الأخير فوراً الى غرفة عزيز عيد ورماه بسكين في وجهه اخطأته وأسرع العمال لإخراجه خارج المسرح (27).

هوامش

عبد الرحمن رشدي. ذكريات في التمثيل. كل شيء والعالم 297/ 1931م.

الخلعي، ص 177 و180 وقسطندي رزق ج 3 ص 130.

جريدة بيروت عدد 176 تاريخ 4 كانون الأول/ يناير 1887م.

بيروت عدد 176 و17 سنة 1887م.

لسان الحال عدد 6030 تاريخ 15/5/1909

اللسان عدد 6032 – 19/5/1909.

اللسان عدد 6035 ت 22/5/1909.

رشيد عطية. اللسان عدد 6039 ت 27/5/1909

اللسان 6039.

اللسان 6042 ت 30/5

اللسان 6044 ت 2/6

اللسان 6048 ت 6/6

لسان الحال 6044 حزيران 1909.

لسان الحال 6049 ت 8/6

جريدة الإتحاد العثماني 223 ت 15/6/1909.

لسان الحال عدد 6066 و6071 تموز 1909.

لسان الحال 6438 و6440 و644 أيلول 1910م والإتحاد العثماني 608/1909.

جريدة المقتبس 400 حزيران 1910.

أحمد الجندي – رواد النغم العربي ص 58.

كمال النجمي. تراث الغناء العربي. دار الشروق ص 84.

محمود الحفني. الشيخ سلامة حجازي رائد المسرح العربي ص 42.

الحفني 159/160-/162.

قسطندي. المويسيقى العربية ج 3 ص 130.

مجلة الجديد عدد 40 كانون أول 1931.

الحفني 172.

مجلة كل شيء والدنيا عدد 424.

مجلة الجامعة 622/ 1937 ص 59.

  2017  /  وثائق, وثائق المنتجات  /  Last Updated مارس 17, 2018 by Amar  /  Tags:
WP-Backgrounds Lite by InoPlugs Web Design and Juwelier Schönmann 1010 Wien