كانت منيرة المهديّة شخصية أسطوريّة في مصر. وبالرّغم من شهرتها فإنّنا لا نعلم إلاّ القليل عن حياة “سلطانة الطرب”. ولدت زكيّة منصور غانم أو زكيّة حسن في أغلب الظنّ بالزقازيق، وقد غنّت على مسارح ملاهي الأزبكيّة منذ السنوات الأولى من القرن العشرين. وسجّلت أسطواناتها الأولى سنة 1906 باسم “السّتّ منيرة”، وكانت بين النّساء القلائل اللوات أصدرن أسطوانات قبل الحرب العالميّة الأولى. كانت منيرة متمكّنة من رصيد الغناء المتقن، فكانت إذا دعيت إلى إحياء حفل خاصّ غنّت الأدوار والقصائد للرّجال محتفظة بالطقاطيق للنساء أو لجمهور المسارح. والتحقت منيرة المهدية بفرقة سلامة حجازي، وبعد مرض الأخير مثلت وغنّت الدّور الذي كُتِب في الأصل له في رواية صلاح الدّين الأيّوبي، فباتت بذلك أوّل امرأة مصريّة مسلمة تمثّل على خشبة المسرح متنكّرة في زيّ رجل. وبلغت ذروة النّجاح عندما قدّمت في كانون الثاني/يناير 1927 مسرحيّة “كيلوبترا ومارك أنطوان” مع محمّد عبد الوهاب.
شكّلت مطربتنا فرقتها الخاصّة وأدارتها لمدّة تزيد على عشر سنوات، وأدّت أدوارا جديدة كُتِبت خصّيصا لها، منها ما كان في إطار الاقتباس مثل “توسكا” و”كارمن” و”مدام بتّرفلاي”. وكثيراً ما كانت فرقتها تؤدّي أغاني وطنيّة، فكانت الرّقابة البريطانيّة تسارع في كلّ مرّة إلى حظرها، فشاع شعار “هوى الحريّة في مسرح منيرة المهديّة”. مُنِحَت منيرة المرأة المتحرّرة المرموقة سنة 1926 نيشاناً من وزارة الأشغال العامّة تقديراً لما قدّمته من خدمات لإحياء الغناء العربيّ. وكانت سيرة منيرة سيرة نموذجيّة، فما هي إلاّ أبرز مثال للعديد من فنانات الملاهي والمسارح في العشرينيات. وقد حذا حذوها بنات أخت العالمة بمبه كشّر فتحيّة ورتيبة ومفيدة أحمد ومثلن في أعمال أوبراليّة محلّيّة. ثم سارت على هذه الطريق كلّ من عزيزة حلمي وفاطمة سرّي ؛ إلا أنّ النسيان غمرهنّ كما غمر منيرة في أواخر الثلاثينات.