ولد فارس الشدياق في قرية عشقوت في لبنان سنة 1805، ثم دخل مدرسة (عين ورقة) التي تعلم فيها بطرس البستاني، ورشيد الدحداح، فكان ثالث ثلاثة من رواد النهضة الأدبية في القرن التاسع عشر تلقوا العلم في هذه المدرسة المارونية التي كانت تعلم العربية والسريانية وعلوم البلاغة والمنطق واللاهوت.
اشتغل فارس الشدياق بنسخ الكتب لنفسه أو لغيره، وصارت له بهذا شهرة واسعة. ذهب سنة 1825 إلى مصر بدعوة من المرسلين الأمريكان ليعلمهم العربية. أتاحت الإقامة بمصر لفارس الشدياق أن يتلقى اللغة العربية على بعض علمائها وخاصة الشاعر الأديب الشيخ محمد شهاب الدين صاحب “سفينة الملك ونفيسة الفلك” الذي كان مقرباً إلى بيت محمد علي، وقد أعانه هذا على أن يعين محرراً في جريدة (الوقائع المصرية)، التي كان يصحح لغتها ويشارك في تحرير القسم العربي فيها.
في سنة 1834 دعاه الأمريكان إلى مالطة للتعليم في مدارسهم هناك، وتصحيح ما يصدر من مطبعتهم من كتب عربية. وهناك اعتنق المذهب الإنجيلي الذي شقيقه من قبل في لبنان وقد ظل في مالطة حتى سنة 1848. ومن أهم ما ألفه فيها من الكتب كتابه (الواسطة في معرفة مالطة)، وهو أول ما كتبه في الرحلات.
في سنة 1848 دعته جمعية (ترجمة الأسفار المقدسة) إلى إنجلترا ليسهم في ترجمة هذه الأسفار فلبى الدعوة وبدأ العمل. تعلم الإنجليزية والفرنسية وقرأ أعلامهما. وقد أعانه ذلك على أن يؤلف كتابه الثاني في أدب الرحلات، وهو (كشف المخبا، عن فنون أوروبا)، كما ألف كتابه الرائع (الساق على الساق، فيما هو الفارياق).
دعاه أحمد باي تونس لزيارته والإقامة معه في تونس ولبى الشدياق دعوة باي تونس سنة 1857 الذي بعث إليه بسفينة خاصة تقله إليه.
وفي تونس، اعتنق الشدياق الإسلام وتسمى باسم أحمد فارس الشدياق، وتكنى بأبي العباس.
غادر تونس ملبياً دعوة السلطان عبد المجيد، وهناك ألحق بديوان الترجمة وتولى تصحيح بعض المطبوعات. وفي سنة 1860 أنشأ صحيفة “الجوائب” وكانت صحيفة سياسية أسبوعية تصدر من الأستانة وتطبع في المطبعة السلطانية، وفي 1870 أنشأ لها الشدياق مطبعة خاصة بها تسمى مطبعة الجوائب. وقد نالت صحيفة الجوائب شهرة في العالم الإسلامي لم تنلها صحيفة سواها منذ إنشاء الصحافة العربية. وافته منيته يوم 20 أيلول سنة 1887، وكان قد أوصى أن يدفن في وطنه.
كان فارس الشدياق من أركان النهضة الأدبية العلمية في القرن التاسع عشر، وقد ترك عدداً من المؤلفات العلمية والأدبية واللغوية والرحلات.
والمقال الذي ننشره مأخوذ من كتاب “كنز الغرائب من منتخبات الجوائب” وهو جمع لمقالات نشرها الكاتب في صحيفته “الجوائب”. هذا المقال عن الموسيقى بين الشرق والغرب طريف للغاية إذ يظهر جليا أن الكاتب لا يلم بعلم الموسيقى بل أنه يعتمد فيما يكتب على تجربته واطلاعه العام كمفكر متنور من القرن التاسع عشر.