كان عبد الحي حلمي رجلاً متأنّقا وفتى مدلّلاً لدى الطّبقات المصريّة الرّاقية في منعطف القرن. عُرفَ حلمي بمزاجيّته، فلم يكن يتردّد في مغادرة الحفلة التي دُعي إلى إحيائها إن لم يأنس بين الحاضرين وجهاً صبوحاً، ذكراً كان أم أنثى، مُؤْثِراً الغناء لبعض الغرباء متى صادف فيهم الوسامة المنشودة. كان يُكثِر من المُسكِرات وشتّى المخدِّرات لبلوغ حالة السّلطنة الضّروريّة لانطلاق عنان عبقريّته المبدعة. هكذا قضى نحبه بعد أن أنهكه إسرافه وسبّب له الإصابة بالذبحة الصّدريّة، وتوفّي في الإسكندريّة مخموراً إثر وليمة على سلحفاة البحر.
طالت مزاجيّة عبد الحي حلمي حياته وفنّه على حدٍ سواء. هكذا كان يختزل المقدّمة ويستخفّ بمسار اللّحن مغفلاً أقساماً بأكملها ليركّز اهتمامه على بيت أو شطر وحيد وأحياناً لفظة واحدة. كما كان يتوقّف عند تلوين مقاميّ معيّن لا يبرحه، فيُضْفي عليه مسحة مأسويّة من التّفجّع والهَوَس، مستعرضاً ألواناً من المؤثّرات العبقريّة المشحونة بالعواطف متنقّلا بين الجمل اللّحنيّة الطّويلة والجمل المتقطّعة الرّاقصة، مُقاطعا العازفين لإضافة حِليَة فُجائيّة جديدة إلى اللّحن الرّئيسيّ. وقد كان عبد الحي حلمي، وهو الفنّان العصاميّ الّذي تَلَقَّن أصول الغناء المُتقَن بمفرده، يصرّ على تجاهل القواعد وعدم الالتزام بالوزن واللّحن، ما جعله عرضة لِلاذِع الانتقاد من جانب المتزمّتين المبهورين بالأنماط الغربيّة الّتي تقوم على الإفراط في تعظيم دور الملحّن. وكان أكثر ما ينطلق عناؤه في الموّال حيث الارتجال المُرسَل هو القاعدة الوحيدة، لذا، لا نجد له نظيراً في هذا الفنّ.
عَرف عبد الحي حلمي نجاحاً كبيرا، إذ بلغت مبيعات أسطواناته أرقاماً قياسيّة. وقد تعاقد في البداية مع شركة “زونوفون” سنة 1906 وأصدر معها أفضل تسجيلاته رغم رداءتها تقنيّا. ثمّ تعاون مع سائر شركات الأسطوانات في مصر حتّى وفاته. وغالباً ما كان يسجّل العمل ذاته عدّة مرّات في السّنة لـ”غراموفون” و”أوديون” و”بيضافون”. وكان حلمي شديد التّبذير، فكان يتلقّى من الشّركات مبالغ هامّة من المال فيبدّدها ويضطرّه ذلك إلى منحها المزيد من التّسجيلات لسداد ديونه. هكذا عمد ذات مرّة إلى الاحتيال في دسّ إشارة إدانة لشركة غراموفون ضمن القصيدة التي كان بصدد تسجيلها دون أن يفطن إلى ذلك أحد !