You are here:   Home  /  الإذاعة  /  088 – عبد الحي حلمي 3

088 – عبد الحي حلمي 3

enar

 

عبد الحي حلمي

عبد الحي حلمي

مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية بالتعاون مع مؤسسة الشارقة للفنون تقدم: “من التاريخ”

أهلا وسهلا بكم أصدقاءنا المستمعين في حلقة جديدة من برنامج “من التاريخ”، نواصل ويواصل معنا الحديث الأستاذ الدكتور فريديريك  لغرانج عن عبد الحي أفندي حلمي، وكنا في الحلقة السابقة قد عالجنا مسألة الدور، وكيف أن عبد الحي حلمي ليس له علاقة بإرادة الملحن، سواء في المذهب، فهو يغير لو أراد، وفي التفريد لا يلتزم  بالنقلات التي يريدها الملحن في الدور، ولا  النقلات من وحدة إلى وحدة، وأحيانا أصلا يتجاهل بعض الوحايد، ويبقى في منطقة ما ويقوم بما يريد، فليس له أي علاقة بالمسار النغمي، أو المسار الدرامي الذي يريده الملحن في الدور، وفي نفس الوقت قبل ذلك لاحظنا في الحلقة الأولى في الموشحات التي تتميز بضروبها الإيقاعية المتنوعة، يضرب بهذه الضروب عرض الحائط، لا علاقة له بأي شيء أبدا إن هو أراد، هو يستطيع يلتزام بها أنّ شاء، وأن يحصرها أنّ شاء. وعلى فكرة نفس القصة في الدور، فهو يفعل ذلك بمزاجه تماما، ماذا يا ترى عن القوالب الحرة، الحرة من حيث الإيقاع، التي لا تحتوي على دورة إيقاعية، ولكن معتمدة فقط على إيقاع الكلمة، كالتقسيم ليلي والموال والقصيدة المرسلة، وأيضا تكون مرتجلة من حيث النغم، يعني لا يوجد مسار نغمي أو تلحين أو مقام، هو يختار كل شيء، يختار  المقام ويختار المسار الذي يريد أن يتبعه، هذا الكلام يتمثل كما قلنا في القصيدة المرسلة والتقسيم ليالي والموال بالتالي، حسنا ما رأيك يا سيدي في معالجته للقوالب التي هي أكثر القوالب حرية وتصرف وارتجال؟

قد يكون الموال أكثر ما يلائم حلمي كي يعبرعن انفعالاته، أو كذلك الليالي التي يرتجلها بحيوية مدهشة على إيقاع البمب في ختام الأدوار والقصائد، كما لو أنه يؤدي تقسيما على ديوان كامل أعلى من درجة استقرار المقام في صرخة طويلة مؤثرة، هذا ما سبق أن سمعناه في آخر وجه الاسطوانات، أما الموال فلنختر موال الحجاز، موال “صبح الصباح”.

لنتحدث عن الجانب التراجيدي قليلا، صوت عبد الحي حلمي تراجيدي وفيه مأساة، نحن أكيد لا نعرف ما هي المأساة، وأيضا لنتكلم عن التناقض أيضا بين صوته وهو يغني، فهو يميل دائما إلى الطبقة الأعلى في صوته، بينما عندما يتكلم نجد صوته قرار.

بخصوص النبرة المأساوية في صوت عبد الحي حلمي، هذه التراجيديا التي تميز أداءه. أنا أرى وهو رأي شخصي أن أداءه للقصائد على الوحدة يعاني إلى حد ما من هذا الطابع العصبي، بحيث أنه أقل عناية بإنشاء مسار مقامي محبك، مما نجده عند المنيلاوي أو بعد هذا الجيل عند أبو العلا محمد، فهو يترك نفسه لينحصر بإرادته في مقام واحد، ولكن مزاجه يكاد يسجنه في جمل معقدة ملتوية، ولكن قد تكون متكررة شيئا ما، وأغلب القصائد الموقعة التي سجلها مغناة على مقام البياتي، خلاف الشيخ يوسف المنيلاوي الذي سجل قصائد من كل المقامات، وحتى ابتكر كما سبق أن استمعنا إليه غناء القصائد على الوحدة من مقام العشاق، عبد الحي حلمي له نزوة أداءه لقصيدة “أراك عصي الدمع” على مقام السيكاه، التسجيل “الزونوفون” الجميل، فنراه في هذا التسجيل يحاول عبثا أن يرتجل جملة  ميلودية لحنية جديدة، ولكنه يضطر أن يعود سريعا إثر ذاك إلى مسار البياتي المطروق الذي اعتاده، نستمع إلى هذا التسجيل وتعطيني رأيك فيه.

هو فعلا يفعل ذلك في “أراك عصي الدمع”، بل هو يتجاوز ذلك حتى إلى الأدوار، في دور “يا مانت وحشني” مثلا وغيره من الأدوار، ولكن دور “يا مانت وحشني” هو المثل الواضح جدا، الدور محبك جدا، محمد عثمان لحنه بشكل محبك جدا، وكل المطربين سجلوه بهذه الحبكة، عبد الحي حلمي بدأ الدور حجازكار وختمه بياتي، يبدو أنه يضرب عرض الحائط ليس فقط في القصائد أو في المسار شبه الثابت، حتى في المسارات ذات الحبكة القوية إلخ، أيضا يضرب بها عرض الحائط، لا يهمه إذا كانت قصيدة ينبغي أن يكون فيها جزءً كبيراً من الارتجال مثل “أراك عصي الدمع”، أو دور بدائي مثل “الورد في وجنات بهي الجمال”، أو حتى دور من الأدوار المتقدمة والمتطورة والمحبكة جدا مثل “يا مانت وحشني”، لا يهمه أبدأ.

فعلا لذلك أقترح أن نستمع  أيضا إلى الاسطوانة، أو الوجه الأخير من دور “يا مانت وحشني”. خلاصة القول عبد الحي حلمي أكثر تلقائية من المنيلاوي، وربما يعرف أكثر من المنيلاوي  كيف يثير في نفوس المستمعين الانفعالات، إلا أنه أقل منه تمكنا من عملية البناء من عملية الحبك الهندسي المعجب للمقطوعات نصف الملحنة التي تعامل معها.

السؤال هل يريد ذلك؟ 

غالبا لا يريد، أنت على حق.

تماما الرجل لا يريد أبدا، فالرجل همه أن يغني جملة تسلطن وتطرب، وهو نفسه يفرح بها قبل الجميع، لا يهمه غير ذلك.

وغير ذلك، ماذا يفعل عبد الحي حلمي بصوته؟ يتيه دلالا بصوته.

دائما، وعلى ذكر يتيه دلالا والشيخ المنيلاوي، الشيخ المنيلاوي  رصيده المسجل من التراث الصوفي قليل جدا، بينما عبد الحي حلمي إذا تكلمنا عن الأعمال المشتركة بينه وبين الشيخ يوسف المنيلاوي، في “يا ليل إن الحبيب وافى”  الشيخ يوسف المنيلاوي يغني جزءا منها لا يحتوي على إيحاءات دينية مباشرة، ويؤديها مرتجلة على الوحدة، بينما عبد الحي حلمي يغني بنفس لحن  أهل الطرق الصوفية الذي يؤدى إلى اليوم، ويؤديه بطريقة ذِكر، ويكمل ويقول “يا محمد عليك صلاة الله وسلامه” إلخ، يعني يغني الجزء الديني المباشر الذي لا يؤديه المنيلاوي في قصيدته.

يا لها من مفارقة. 

نعم، والشيء الثاني أنه سجل “ته دلالا فأنت أهل لذاك”، وسجل “غصن بان جبينه بدر”، وهي أغنية المدح النبوي الشهيرة جدا في الطرق الصوفية، أليس هذا غريبا؟ عبد الحي حلمي الذي كانوا يقولون عنه مدمن وكثير من الأشياء الأخرى يسجل هذه القصائد، والشيخ يوسف التقي الورع لم يسجل، لا أعرف هل تستسيغ ذلك؟ أنا أرى أن هناك سر غامض فعلا.

وبهذه المفارقة نختم هذه الحلقة مع “ته دلالا”، لكي يتيه عبد الحي حلمي بصوته في سموات الغناء العربي.

يا سلام يا سلام يا سلام على “ته دلالا فأنت أهل لذاك”، وعلى فكرة هذا العمل وأعمال أخرى كثيرة كانت ضمن مجموعة عبد الحي حلمي التي أصدرتها مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية في مأوية وفاة عبد الحي حلمي، “خلي بالكه بقى إن هو قعد يسجل في الاسطوانة لغاية ما وصل للملصق، يعني مش معقول الاسطوانة فعلا قافلة على اصبعه بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فعلا ما فيش أي مسافة بين نهاية آخر سطر والملصق، الإبرة فعلا نازعة جزء من الملصق، لأن الإبرة يا حرام ما بتوقفش في آخر الاسطوانة، بتطلع رأسا على الملصق”، عموما سادتي المستمعين إلى هنا نكون قد وصلنا إلى نهاية حديثنا عن عبد الحي حلمي، الشكر الجزل للأستاذ الدكتور فريديرك لغرانج، الذي أمتعنا بتحليلاته الممتازة لعبد الحي حلمي، إلى أن نلتقي في حلقة جديدة من برنامج “من التاريخ” نتحدث فيها عن شخصية أو جدث تاريخي جديد، نترككم في الأمان.

“من التاريخ: فكرة وإعداد: مصطفى سعيد.

 

  2014  /  الإذاعة  /  Last Updated نوفمبر 26, 2014 by Amar  /  Tags:
WP-Backgrounds Lite by InoPlugs Web Design and Juwelier Schönmann 1010 Wien