You are here:   Home  /  الإذاعة  /  220 – زكريّا أحمد – 11

220 – زكريّا أحمد – 11

مؤسّسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربيّة تقدّم: 

من التاريخ 

أهلاً بكم في برنامج من التاريخ، زكريّا أحمد. 

و: عندما تحب أن تلخص زكريّا أحمد، ما تقول؟ 

م: دخل ما يُعرف إصطلاحاً بالسوق الموسيقيّ بالخطأ، هو رجل مُعلّم في أمر الإنبساط بالنَغَم، 

لا يريد من النّغم غير الإنبساط وتفريغ شُحنة الشجن والأسى.. 

و: أعجبني هذا التوصيف لأنّي أشعر بأن زكريّا أحمد يلعب!! 

م: هو حقاً دخل ما يُعرف إصطلاحاً بسوق الموسيقى بالخطأ، رجلٌ زاهد، لا يطلب شهرةً أو مال، 

لم يكسب ما يجعله ثريّاً ولم يكن فقيراً، كما قلت لك في عِز شهرته وغناءه وتمثيله،

 ملحن مشهور ياخذ المئات والألوف على ألحانه لا يفوّت جلسة الشيخ علي محمود في الحسين!! ليس سمع!! وإنما يكون في البطانه معه!! 

و: نستطيع القول أن زكريّا أحمد لم يكن يُغازل بفنّه إلا مزاجه.. 

م: صح! 

و: وخياله وإنبساطه، ما تكون في الأساس مصادر تغذيّة ذائقته الفنيّة؟ 

م: سمعه في الصِغَر! هو ابن مدرسة الإنشاد فأغلب أساتذته في النغم مشايخ! من الشيخ علي محمود ومن قبله الشيخ ندى

ومحمد أبو النور  وإسماعيل سُكّر  والقراءة. 

(نموذج مسجَّل) 

وكان كثير السَّمَع، كان يسمع القدامى وهم يغنون وسَمع حتّى الموسيقى الموْضة، كانت الأوبرا وقتها،

سمع الموسيقى الخفيفة وهي الدراما المسرحيّة والقصص القادمة من أوروبا، 

في البداية إنغَرَم بها كباقي الناس ومن ثم إستفاد من الخبرة ولم يطبع النغم الذي صنعه في بداية حياته. 

رأى أنّه غير مناسب لذائقته. 

و: هو استخدم هذه الموسيقى.. 

م: نعم، استخدم، هناك ثلاث أو أربع سنوات في حياته كان يُجرّب ثم رَجِع عن ذلك لأنه بغير جدوى! 

و: أتعتقد أن تجربته شبيهةً بما فعل عبد الوهاب وغيره أم كانت مختلفة؟ 

م: أقرَب منه إلى سيد درويش لأنه كان يغنّي مع البيانو الفلوت والكمانجة بنفس الطريقة وبنفس الأداء المشايخي! 

و: لم يتخلّى عن الأداء أو الطريقة ولكن استخدم آلات مختلفة. 

م: نعم! فأقرب لسيّد درويش منه لغيره، كانوا في مساحة قريبة من بعضهم. 

و: لكن أكانت هذه التجربة في هذه الفترة تُوصَف، كنت قد قلت لي ألا أستخدم مصطلح النشاز، تُوصَف بالعشوائيّة بعض الشيء؟

م: المبالغة! هو سار الطريق لآخره، غربي وهكذا!! فلم يستطع بالغناء مواكبة من يعزفون معه بأبعاد مُعدّلة! فترك ذلك. 

و: لأنه يُحب الإستمرار في الغناء. 

م: نعم! لا يريد! 

(نموذج مسجَّل) 

لذلك دائماً أقول، يا جماعة لا تحكموا على سيّد درويش لأنه لم يعش، والله أعلم ما سيكون خياره إذا عاش أكثر! 

لأنه كما كان يسجل مع أوركسترا، كان أيضاً يُسجّل أدواراً غاية في التطور الذي لم يعتمد إطلاقاً على الإستيراد.

و: كان تطوراً من داخل النغم نفسه.. 

م: صح!

و: النغم الأصلي نفسه. 

م: فهذا العقل المزدوج هو بالضبط ما كان عليه المجتمع، كيف نتطور!!

المغلوب مولَعٌ بتقليد الغَالِب، صحيح! 

حرب هُزمنا فيها، هناك فجوة حضاريّة كبيرة جداً، الناس أستُعمروا، انهارت الدولة الجامعة لهذه الأمة، هناك تشرزم!! 

نعم هناك حسٌ قوميّ يخرج ولكن يخرج من خلف الإستعمار، 

الزعيم الوطني يُعلّق صورة رمز الإستعمار المندوب السامي في مكتبه، هناك تخبطٌ شديد!! 

فلا يمكن الحكم على سيد درويش بالذات! لأنه لم يعش ولا نعرف كيف كان سيكمل!! 

القصبجي مثلاً، في البداية صنع أدواراً ولكن صنع فيها أربيجاتّو!! وأشياء واضح بها أنّه معجب ومُفتَتَن، يريد أن ينفصل! 

و: كانت ملامح لحظة تاريخيّة كما قلت بالفعل!! 

م: إنما الحالة الإزدواجيّة عند سيد درويش وزكريّا أحمد لم تُلاحظ كثيراً عند الآخرين. 

زكريّا أحمد إختار رفضه للتطوير بالإستيراد، يريد أن يطور من الداخل! 

سيد درويش مات!! فلا نعرف! 

و: صحيح! ملحوظة مهمة. 

زكريّا أحمد مُنشِد ومُنتمي جداً للصوفيّة لكنّه أشهَر من أبدع تيار الخلاعة، بدأ بأغانٍ وُصِفت بالخليعة.

وخرجت ضده حملات كثيرة هذه الفترة وصَمته بالإفساد. 

م: ليس وحده!! جيل كامل! منهم سيّد درويش نفسه!! 

وزكريّا أحمد وعبد الوهاب وأم كلثوم ومنيرة المهديّة ومحمد القَصبجي، كل هذا الجيل، 

وعبد اللطيف البنّا طبعاً ونعيمة المصريّة!! 

و: إذاً هي سِمة المرحلة وهم كانوا بداخلها..

م: نعم! نعم! 

و: ليسوا أبرياء منها! 

م: لا! لا! كلهم كانوا يُغنون!! عبد اللطيف البنّا مثلاً لديه موشّحات غناها رغم أنّه كان أشهر من يُغنّي طقاطيق الستّات!! 

هو رجل طبقته نسائيّة جداً ويُغني كالسيّدات، ليس كالشيخ إبراهيم الفرّان!! طبقته حادة جداً ولكن عندما تسمعه لا تشك بأن رجلاً يُغنّي، 

لكن عبد اللطيف البنّا ممكن أن تشكّ في لحظة!!! 

زكريّا أحمد لديّه التواشيح التى لحّنها، تواشيح، حَضَرات، ومناسبات دينيّة، إلى وقتنا هذا وبذات الوقت فرحنا. 

(نموذج مسجَّل) 

أصلاً الحكم على هذه المرحلة من منظور وقتنا هذا!! 

نحن لا نعلم كيف كانوا يفكرون في زمنهم ثم أنظر للأوبِرات الغربيّة أيضاً، كلها إسفاف!! 

ومع ذلك تُعتَبَر موسيقى كلاسيكيّة عالميّة، ومن يسمعها إنسان راقٍ، إلى آخره، تستمع لكلامها تجده إسفافاً!!  

و: صحيح، أود أن أفهم نفسيّة الشخص المنتمي على أي حال لعالم النَّغَم، يؤدي بالنغم الإنشاد والتواشيح ويؤدي الخلاعة أيضاً!! 

م: يا أخي، أقول لك مثال سائر إلى الآن في مصر، ساعة لقلبك وساعة لربّك. 

و: تمام! إذن هذا الرجل كان منتمياً تماماً إلى عالم النّغَم ولديه إستعداد للإنبساط الداخلي بكل المساحات. 

م: صح! 

و: سواء كانت ذات بُعد صوفي وديني أو ذات بُعد منتمي إلى الإنبساط والفرفشة لحَدّ الخروج عن عُرف المجتمع مثلاً 

وإن لم يكن هذا عُرف المجتمع. 

م: هل كان عُرف المجتمع أيامنا نحن! 

و: في كل الأحوال، المجتمع مُتعدد الطبقات ولا يجوز الحكم عليه بهذا الشكل. 

م: صح! 

و: دعنا نَنتقل للمرحلة التاليّة في حياة زكريّا أحمد، ما هي النقلة الأساسيّة التى حدثت فيما بعد بنَغَم زكريا أحمد؟ 

م: تعاون زكريّا مع بيرم كان ذا فائدة للإثنان، بيرم يَكتُب الشِعر بالموسيقى وزكريّا شديد الإهتمام بالكلمة بمعني.. 

و: دعنا نقف عند كتابة الشعر بالموسيقى، فرّدها أكثر، إذا لا تقصد التفاعيل والموزون فأنت تقصد شيئاً آخراً. 

م: تشعر أن شِعر بيرم التونسي به حِدا، لحَّنَ نَفسَه!! 

حتى صنائعه التى لم تُلحن كالتي كتبها بالفصحى، المجلس البلدي مثلاً. 

و: تعني يكتب كأنّه يُغنّي. 

م: حتى عندما كتب القصيدة الساخرة على أهل النّغَم، يا أهل المَغنَى. 

على فكرة، هذه القصيدة موجودة بصوت الشيخ زكريّا، بصوته فقط، ليست مُغنّاه، يُلقيها!

تشعر أن في القصيدة شيءٌ من المَغنى، عندما يكون حافظاً للألحان ويَرُصّ كلامه! لا أقصد يرُص بمعنى سيء، 

أقصد يبنيْه على أساس اللحن الموجود والذي لم يُغنّى في الكلام! 

وأنت تقرأه، إذا قرأت القصيدة، عندما يذكر الوَبوْر، يا وَبور قل لي، تقفز إلى رأسك فوراً لحن يا وبور قلّ لي، إلى آخره. 

(نموذج مسجَّل) 

الشيخ زكريّا! لاتفهم كيف يأتي بالكلام الذي يُلحنه! 

من أين أتى بقصيدة أنطوان فرنجيّة بنت كرَمٍ يتّموها أهلها، 

الموشح الجميل الذي لحّنه الشيخ زكريّا، من أين إقتنَص هذا الكلام!! 

و: ماذا تقول؟ 

م: بنت كرَمٍ يتّموها أهلها وأهانوها وديست بالقَدَم، ثم عادوا حكّموها بينهم 

 ويلهم من شرِّ مظلوم حَكَم! 

من أين آتي بهم!! 

و: إختيار أيضاً!! 

م: كلام مُفتَرَض في عصر أهل التنظير في الأدب يُقال عصر الإنحطاط وغير كذا وكذا وكلام فارغ!! 

لا! كُتِب شعر جميل في القرن الحادي والثاني عشر الهجري، القرن السابع والثامن عشر الميلادي. 

يُسمّونه عصر الإنحطاط!! لا يصحّ هذا الكلام!! ثمة هذا وذاك. 

و: نعم! بالطبع! 

م: وكلام الشَبراوي الجميل!! ومثلاً موشّح الجُبَعي، ما شممت الورد إلا زادني شوقاً إليه، صنعنا له حلقة بروضة البلابل في سَمَع. 

هذا الكلام! من أين أتي به!! 

ليس كهذه الأيام، تكتب على جوجل ويظهر لك! 

و: معنى هذا أنه كان قارئاً و عندهم مصدراً يستطيعون القراءة منه.. 

م: كانوا يقرأون مع بعضهم،

بيرم مفهوم! 

و: أتكلم عن الذائقة، ذائقة الإختيار، الوصول إلى الكلام يكون من الكُتب، 

إذاً هو شخص يقرأ أو هو شخص مهتم، لكن ذائقة الإختيار هي اللافتَة. 

م: صح! رأيي أن تعاون الشيخ زكريّا وبيرم التونسي أثَّر إيجاباً على الأثنين، 

على الشيخ زكريّا حتّى في الأعمال التي ليست لبيرم التونسي، وبيرم التونسي الموسيقى أكلت دماغه في نَظمه تماماً!! 

و: سمات هذه المرحلة في نَغَم زكريّا أحمد، أيمكن وصفها أو شرحها حتّى إذا رشّحت لأحدهم نموذجاً لهذه المرحلة من تاريخ زكريّا أحمد، 

وأنتبه وأنت تسمع كيف تكون الموسيقى، أنستطيع أن نقول شيئا كهذا؟ 

م: توشيح يارب إن قدّرته لمقبّلٍ غيري فللمسواك أو للأكؤسِ. 

و: الله، جميل جداً. 

م: اللحن لحن توشيح، على نفس الضرب الشهير في التوشيح، يغنّيها إبراهيم الفرّان والشيخ زكريّا موجود بالبطانة. 

و: تمام. 

م: هذا التوشيح ليس به أي خروج عن الإيقاع رغم أن الشيخ زكريّا يحب دائماً أن يلعب بالضروب، يتحوّل من ضربٍ إلى ضرب. 

لكنّه لم يفعل هنا. 

 لحنه، دخلته توشيح، ثم فجأةً تَجده يذهب ناحية المغرب العربي، على المالوف بعض الشيء، ثم تَجده يذهب ناحية الصعيد على السيرة، 

والتفاريد، المقاطعات التي يُقاطعها الشيخ إبراهيم الفرّان سواء في هذا أو في ما شممت الورد كما قلنا سابقاً، 

المقاطعات التي يُقاطعها تُريك أنّه يُحب العمل الجماعي، فكرة أن اللحن لا يُنفّذ في المرة الواحدة بنفس الطريقة، 

لذلك التوشيخ الذي يُغني مع تخت وآلة إيقاع وهكذا مع إبراهيم الفران، يُغني بغير تخت ولا إيقاع مع طه الفشني، 

كثير جداً من التواشيح التي مازالت تُغنّي إلى وقتنا هذا للشيخ زكريّا، لم يأبه لأن تنسب له، وهذا الكلام يؤكده لنا سيّد مِكّاوي، 

(نموذج مسجَّل) 

وفي جلسة خاصة أيضاً كان يقول “أنا كنت موجوداً أثناء تلحين بعض التواشيح من الشيخ زكريّا أحمد، أعرف أنّها للشيخ زكريّا أحمد 

ولكنها لم تُنسَب لأحد” 

و: منسوبة للتراث وكفى! 

م: لم يكن يَهتَم!! 

أزهذ من هذا! بعض الناس يقولون، كيف هذا والقضيّة التي كانت بينه وبين أم كلثوم، 

أعتقد القضيّة التي كانت بينه وبين أم كلثوم بسبب إحساسه بالإهانة الشخصيّة، 

و: نعم، لأنها بعد سنين طويلة من الرضا والزُهد في دَخل مالي كبير، فجأة ثار فيبدو أن الموضوع فعلاً له علاقة بأمرٍ شخصي. 

م: شَعَرَ بالإهانة الشخصيّة فلم يرضها على نفسه. 

(نموذج مسجَّل) 

من التاريخ، 

فكرة وإعداد/ مصطفى سعيد.

يحاوره/ وليد علاء الدين.

  2022  /  الإذاعة  /  Last Updated يناير 9, 2022 by Amar  /  Tags:
WP-Backgrounds Lite by InoPlugs Web Design and Juwelier Schönmann 1010 Wien