You are here:   Home  /  الإذاعة  /  032 – دور البلبل جاني

032 – دور البلبل جاني

enar

 

دور البلبل جاني، مقام راست سوزناك، تلحين إبراهيم أفندي القبّاني، مجهول الناظم

مذهب:

البلبل جاني وقال لي اسمح بوصلك يا خلّي

         فقلتله إبعد عنّي البلبل ع الحبيب زعلان

         ياما انت ظالم والقلب مشغول بالمحبّة          ولّا انت عالم             ليه كدا زعلان

        أنا من غرام محبوبي طول الليل سهران

       من غرامك عاشق جمالك     البلبل على الحبيب فرحان

دور:

ليه يا حمام بتنوّح ليه فكّرتني بالحبايب

يا هل ترى نرجع الأوطان ولّا نعيش العمر غرايب

ياما انت ظالم

 

نحلّل في هذه الحلقة ونقارن بين تسجيلين لهذا الدور أحدهما للشيخ يوسف المنيلاوي والذي اشتهر بغناء هذا الدور وقد سجّل على أربعة أوجه قياس 30 سم لشركة الجراموفون عام 1909 إصدار رقم 012427 012428 012429 012430، مصفوفة رقم 1714c 1715c 1716 c 1717c وهو مأخوذ من مجموعة الأعمال الكاملة للشيخ يوسف المنيلاوي والتي أصدرتها مؤسّسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربيّة في أكتوبر تشرين أوّل عام 2011.

عبد الحيّ أفندي حلمي

أمّا التسجيل الثاني فهو لعبد الحيّ أفندي حلمي على ثلاثة أوجه قياس 25 سم لشركة زونوفون التابعة لشركة الجراموفون كذلك وهو يسبق التسجيل السابق بثلاثة أعوام ويحمل مصنّف رقم X-102548 X-102549 X-102550، مصفوفة رقم 7812 b 7812 1/2b 7812 1/3 b

والآن ننتقل إلى التحليل 

دور البلبل جاني هو من أكثر الأدوار التي انتشرت في آخر القرن التاسع عشر وبداية العشرين، فقد تم غناء هذا الدور وتسجيله عدة مرات ويقال إنه عندما كان الشيخ يوسف المنيلاوي يغني هذا الدور كان يتقاضى 20 جنيه زيادة عن أجره. دور البلبل جاني كان أيضًا من أهم محطات سخرية السينما في منتصف الخمسينات في الموسيقى العربية الكلاسيكية أو كما أحب أن أسميها الموسيقى العربية الفصحى، فكانوا يستحضرون جملة “البلبل زعلان ليه” ويسخرون ويقولون أن الموسيقى العربية الفصحى كلها حزن ولا يوجد فيها سوى النواح والبكاء هذه وجهة نظر على أي حال ولن نخوض في مسألة التهكمات التي حصلت في منتصف الخمسينات لها حديث آخر هذا إذا كان لها حديث أصلا. دور البلبل جاني اشتهر على عدة أطر فقد اشتهر بين السميعة كدور مهم جدا لُحِن في أواخر القرن التاسع عشر اشتهر في الأوساط الشعبية وسُجل بفرقة المزامير يبدو أنه كان أصل تحميلة الراست المشهورة، كامل الخلعي قال عنه: إنه بحث في أوزان الموسيقى والشعر فلم يجد له وزنا، بعض المحدثين قالوا إنه لحن ونُظِمت على أساسه الكلمات وإن إبراهيم القباني ملحن هذا الدور هو من ألف الكلام وآخرون ذكروا أسماء مؤلفين آخرين، أما البعض الآخر فقال أن هذا الدور لُحِن لغرض سياسي وهو ما بعد دخول القوات البريطانية مصر سنة 1882 ونفي أحمد عرابي ومحمود سامي البارودي وما حدث لعبدالله النديم كل هذه الحكايات على أي حال وبصرف النظر عن كل ذلك نحن في حلقة اليوم لدينا تسجيلين لهذا الدور الأول بصوت عبد الحي حلمي الذي سجله لشركة زنوفون سنة 1906 على الأرجح والثاني بصوت الشيخ يوسف المنيلاوي الذي سجله ثلاث مرات، المرة الأولى سنة 1905 مع شركة سماع الملوك ثم سنة 1907 لغراموفون وسنة 1909 لغراموفون أيضًا، ولكن التسجيل الذي سنحلله هو تسجيل سنة 1909 لأنه وبكل صراحة الأنضج ضمن هذه التسجيلات جميعًا. في 1905 سجله مع محمد العقاد على القانون وربما أحمد الليثي أو منصور عوض على العود وعلي عبده صالح على الناي، وفي سنة 1907 سجله مع التخت الذي يعزف معه مع غراموفون محمد العقاد وعلي عبده صالح  واراهيم سهلون وسنة 1909 أيضا محمد العقاد وعلى عبده صالح ولكن سامي الشوا على الكمنجة بدلا من ابراهيم سهلون. الدور في مقام راست فرع سوزناك لحن ابراهيم القباني لنستمع إلى المذهب من عبد الحي حلمي ويوسف المنيلاوي. سمعنا عبد الحي حلمي يغني على كمنجة ابراهيم سهلون وقانون محمد ابراهيم فقط لا غير الشيخ يوسف المنيلاوي يغني مع العازفين الثلاثة اللذين تم ذكر أسمائهم وإيقاع ملحوظ من محمد أبو كامل الرقاق ملحوظ أكثر من غيره من الأعمال، وربما  في سنة 1909 تسجيلات الشيخ يوسف المنيلاوي كان الإيقاع فيها واضحًا أكثر من غير سنين، واضح جدا التقدم التقني الذي حصل ما بين 1906 و1909 أعتقد أنه واضح جدا للسادة المستمعين. واضح من المذهب أن عبد الحي حلمي يغني دور البلبل جاني كأي أي دور عادي لا يوجد أي شئ إستثنائي يخصه، بينما الشيخ يوسف المنيلاوي واضح أنه يتعامل مع الدور بشكل آخر واضح المران مع الفرقة فمثلا عندما أعاد “البلبل جاني” كانت هناك لازمة وعندما أراد الإنتقال “فقلتله إبعد عني” تغيرت اللازمة، من الواضح أنهم قد تمرنوا كثيرا مع بعض وغنوه مئات المرات، فالبطانة مع الشيخ يوسف حفظوا متى يدخل وينهي الغناء فالميران واضح جدا، ومن الواضح أيضا أنهم يعرفون مدة كل جملة سيتضح ذلك أكثر عندما نستمع إلى التسجيل. إنتهينا من المذهب فلننتقل إلى التفريد دعونا نستمع إلى النص المتغير بعد النص الثابت وكيف يتعامل كل واحد معه سنلاحظ أيضًا أن عبد الحي يتعامل معه بمطق الدور العادي وسنلاحظ أن الشيخ يوسف يتعامل بشكل إستثنائي فهو يحاكي صوت الطير ويحاكي صوت الحمام على الشجر وهو يغرد “بتنوح ليه؟” دعونا نستمع إلى “بتنوح ليه؟” عند عبد الحي وعند الشيخ يوسف ونعود إلى الحديث عن هذا الجزء. سمعنا عبد الحي يتعامل مع المسألة كالدور لا يختلف عن باقي الأدوار ولكن هناك لمحة حزو وهي موجودة في آداءه لكثير من الأدوار لمحة حزن تجعلنا نسترجع  قصة إحساس الضعف وإحساس اليأس وربما يعيد لنا المعنى الذي قاله أحد المحدثين أن هذا الدور له بُعد سياسي ما بعد هزيمة 1882. الشيخ يوسف  يشعرنا بأنه مفعم بالأمل وهو يغني سعيد ومبتهج يحاكي صوت الطير على الشجر وهو يغني وهو يغرد، بالنسبة له الحياة ستكون جميلة وإنها شدة وتزول كل الأمل السعيد الظريف الذي نشعر به دائما في غناء الشيخ يوسف. وهنا دعونا نتوقف عند مسألة التطريب والتعبير والمصطلحات التي لا أفهم بكل صراحة ماذا تعني مع أننا درسنا في المعاهد “هارموني” “وبوليفوني” و”كاونتربونيت” وكل الأنماط الغربية و”الموسيقولوجيا” وكل ما تدرسه الأكاديميات ولكن أنا لم تقنعني أي أكاديمية ولم يقنعني أي منهج أنه هناك فرق بين التطريب والتعبير فالتعبير تطريب والتطريب تعبير فبما أننا قلنا “الله” و”يا سلام” فهذا تعبير فهو يعبر عن حالة، لا أفهم بصراحة قصة منطق التعبيرية والتطريبية أنا لا أستطيع أن أفهم. هنا مثلا الشيخ يوسف عندما يحاكي صوت الطير هل هذا هو تعبير أو تطريب؟ عندما عبد الحي يعبر عن حالة حزينة ما هل هذا تعبير أم تطريب؟ أنا صراحة إلى الآن لا أستطيع الإجابة على هذا السؤال. نعود مرة أخرى إلى التحليل الموسيقي بعد التفريد يجب الوصول إلى مرحلة يوجد بها حوار بين المنشد والبطانة، للوصول إلى هذه المرحلة هناك طرحين طرح من الشيخ يوسف المنيلاوي الذي ينتقل أكثر من مرة حتى يصل إلى الحوار الأصلي وهو في جملة “زعلان ليه” بين المنشد والبطانة، أما طرح عبد الحي حلمي فهو أقصر جدا فينتقل مباشرة إلى البياتي من الدرجة الخامسة دون أي مراحل، الشيخ يوسف المنيلاوي بعد الإنتهاء من التفريد تنقله فرقة العزف إلى البياتي من الدرجة الثانية من الراست إلى الدوكاه. الفرقة واضح جدا أن محمد العقاد هو الذي يقودها لكن دعونا نستمع إلى ترجمة الجملة نفسها التي سمعناها تقريبا إلى ترجمة سامي الشوا الذي كان وقتها عازفا ناشئا وكيف كان يحاول أن يغني ويحاكي الشيخ يوسف بكمنجته نستمع إلى الترجمة ثم النقلة على البياتي من الدرجة الثانية. بعد هذه النقلة يستمر الشيخ يوسف على البياتي قليلا ثم ينقلها إلى السيكاه الدرجة الثالثة فقد قلنا راست دوكاه سيكاه ينقلهم هو إلى السيكاه بنفسه وليس الفرقة هذا غريب لماذا اختار الفرقة أن تنقله إلى الدوكاه ثم انتقل هو إلى السيكاه لا أعرف لا يوجد تفسير لهذا أبدا. لاحظنا كيف انتقل الشيخ يوسف إلى الدرجة الثاية ثم إلى الثالثة والان سينتقل إلى الخامسة حجاز ثم بياتي من الخامسة، عبد الحي ينتقل مباشرة من الراست إلى البياتي على الخامسة حتى أنه يغني صبا من الدرجة الخامسة قليلا في “زعلان ليه” أيضا يستمر الحزن بشكل مباشر جدا. الشيخ يوسف يأخذ حجاز ثم ينتقل إلى البياتي يختار طريق فيه نواح أكيد ولكن فيه أمل أيضًا وفيه نظرة أبوية (إنت زعلان ليه؟ بكرة الأمور حتروق وتحلى) وليس نظرة الحزن واليأس الموجودة عند عبد الحي حلمي. فلنستمع إلى حوار البطانة بين الطرفين مع الشيخ يوسف ومع عبد الحي، فبطانة الشيخ يوسف أكبر يوجد بها عنصر قرار فجأة، أما عبد الحي فهو واحد ويبدو أنه صلاح عبد الحي وواضح تأثر صالح عبد الحي الذي سيكون بعبد الحي حلمي نستمع إلى جزء الحوار في “زعلان ليه” مع البطانة من عبد الحلي حلمي ثم الشيخ يوسف ثم تأتي الخاتمة سنستمع لها من كل واحد منهما عند الاستماع إلى الدور بشكل كامل لأنها تقريبا متحدة عند الإثنين عند الشيخ يوسف وعند عبد الحي. نستمع أولا إذن إلى دور البلبل جاني بصوت عبد الحي أفندي حلمي الذي سجله على ثلاثة أوجه قياس 25سم يعني أصغر قياس موجود أنذاك لشركة زنوفون حوالي سنة 1906 نلاحظ الشجن واليأس عند عبد الحي حلمي وهو يقول: “يا هل ترى نرجع الأوطان ولى نعيش العمر غرايب” :نعم سنعيش العمر أغراب ولن نعود، الدور يبدأ بتقسيم من ابراهيم سهلون ثم ليالي فالته(غير موقعة) ثم دولاب ثم الدور ثم يعود تقسيم وليالي فالتة غير موقعة نلاحظ أنه يغني نفس طبقة يوسف المنيلاوي لكن الزمن أبطئ قليلا من الشيخ يوسف المنيلاوي تأكيدا لفكرة اليأس الموجودة عند عبد الحي نلاحظ استغلال عبد الحي للتكنولوجيا، تكنولوجيا التسجيل في الوجه الثالث يستغل قلبة الأسطوانة لينتقل إلى الدرجة الخامسة الصبا والبياتي اللتين يأخذهما من خامسة الراست نستمع إلى عبد الحي أفندي حلمي.الله الله يا سي عبد الحي يا سلام يا سلام نتقدم ثلاث سنين إلى الأمام سنة 1909 أول ما نلاحظ هو فرق التكنولوجيا في التسجيل فالموضوع تطور، سنلاحظ أن الشيخ يوسف  قد تمرن مع الفرقة على هذا الدور وغناه مئات المرات وأن الفرقة عزفته مئات المرات وقد قاموا بتسجيله عدة مرات، وصار واضحا متى سيتوقفون ومتى سيكملون لا توجد أي أخطاء أو لبس في التسجيلات ولا مهندس صوت يطلب منهم التوقف لا توجد أي واقعة من هذه الواقعات، الموضوع واضح بالنسبة لهم والطريق مسلوك أكثر من مرة، الشيخ يوسف يريد أن يؤكد أنه يغني هذا الدور بشكل إستثنائي ومختلف عن كيف نؤدي البقية هذا الدور، ومن الواضح أيضًا أن الفرقة تساعده على ذلك،

الشيخ يوسف المنيلاوي

الشيخ يوسف سجله على أربعة أوجه 30سم فرق في الزمن بين الشيخ يوسف وبين عبد الحي حلمي، بالنسبة للإيقاع الشيخ يوسف يغنيه أسرع من عبد الحي حلمي، يبدأ بدولاب ثم ليالي على البمب مع تقاسيم محمد أفندي العقاد والليالي على البمب موقعة يبدو أنه يحضر للسعادة والأمل لهذا الدور يعلو كثيرا في الطبقة يبدو أيضًا  تثبيتا لمسألة السعادة والبهجة عند الإنتهاء من ليالي البمب مباشرة يبدأ بالدور الوجه الرابع يختمه تماما مع الدور نستمع إلى الشيخ يوسف المنيلاوي  الله الله يا شيخ يوسف يا سلام يا سلام. أنا صراحة عبد الحي يشعرني بالشجن والطرب العظيم ولكن في هذا الدور مع أنه دائما الشيخ يوسف يقول في كل أعماله(إذا عايزين تغنوا الدور ده فالدور بيتغنى كدة إذا عايزين تغوا قصيدة فالقصيدة بتتغنى كده) إنه “إذا أردتم غناء هذا الدور فيؤدى بهذه الطريقة وإذا أردتم غناء القصيدة فتؤدى هكذا” نجد سلطة الأب عند الشيخ يوسف فهو ليس شخصا لا يهمه شئ في الدنيا يريد الغناء فقط كعبد الحي حلمي، نجد عند الشيخ يوسف دائما سلطة أبوية لكن هذه السلطة في هذا الدور فادته كثيرا لأنها أعطته حنان أعطته أمل وسعادة في غناء نص موسيقي كان يمكن تناوله بيأس وشجن كما فعل عبد الحي، فأنا صراحة ومع أني لا أحب أن أقول ما أفضله في السمع أميل إلى نسخة الشيخ يوسف عن نسخة عبد الحي حلمي في هذا الدور. 

وإلى هنا نأتي إلى ختام حلقة اليوم  من برنامج “سمع” على أمل اللقاء بكم في حلقة جديدة مع نص موسيقي آخر نتناوله بالتحليل إلى اللقاء.

قدمت لكم مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية  “سمع”.

  2013  /  الإذاعة  /  Last Updated نوفمبر 15, 2013 by  /  Tags:
WP-Backgrounds Lite by InoPlugs Web Design and Juwelier Schönmann 1010 Wien