مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية بالتعاون مع مؤسسة الشارقة للفنون تقدم: “دروب النغم”.
أهلا وسهلا بكم سادتي المستمعين في حلقة جديدة من برنامج “دروب النغم”، نواصل فيها الحديث ويواصله معنا الأب العزيز بديع الحاج عن الموسيقى الشعبية في لبنان.
أستاذ مصطفى، كنا في المرة السابقة قد ختمنا مع “هيهات يابو الزلف” أو “أبو الزلف”، اليوم ننتقل إلى نوع آخر من الغناء الشعبي التراثي اللبناني الذي يرافق أجمل مناسبة وهي العرس، لنتحدث عن الإيطار الذي كان يحصل فيه الزواج ولما كان هناك هذا الكم من الغناء. ولما كان هناك أنواع تختص بالعرس، وخاصة اللبناني، أولا العرس لم يكن يتم في يوم واحد أو ساعة وساعتين، فمثلا في وقتنا الحاضر هناك سهرة العرس ونهار العرس، هناك ليلة ونهار كامل إلى الليل الذي يليه، ولكن قديما أقل وقت للعرس كان أسبوع، وإذا عدنا أكثر بالتاريخ كان يأخذ أكثر من أسبوع كان يأخذ عشرة أيام أو أسبوعين.
حسب مكانة الشخص.
تماما حسب مكانة الشخص الاجتماعية والمادية وحسب البلدات، فقد كانت البلدات تتبارى، مثلا عائلة العروس قامت بكذا واستضافت عائلة العريس، عائلة العريس تريد أن تقوم بنفس الشيء بالمقابل وتستضيف عائلة العروس. كان يحصل نوع من التحدي ولكن التحدي الإيجابي، العريس والعروس لم يكونا كأيامنا هذه يأتي الحلاق ويصفف شعريهما ويلبسهما ثيابهما فيصبحا جاهزين للعرس، قديما كل حركة كانت تواكبها أغنية، مثلا تزيين العريس، حلاقة العريس وتنشيد العريس، وكان هناك حنة العروس وتلبيس العروس وتنشيد العروس، التنشيد بمعنى غناء الأناشيد لها لأجل المديح، وصفها بالصفات الحسنة ووصف الشاب أيضا بالصفات الحسنة. لدي نماذج صوتية لم أكن أعرف للأسف إنها تنشيد، مثلا النساء يقلن “الزلغوطة، أما الرجال فينشدون بنوع من الحوربة، أيام الحروب كانوا يُنشدون للقبيلة المنتصرة أو الجيش المنتصر، العريس هنا يعتبر منتصر فهو يتزوج، كانوا يقولون…. هذه الحوربة هي نوع من التنشيد، وقد سجلتها في القرى اللبنانية، تشعر بوجود نوع من الفخر والعزة، والعريس يشعر بفرح أكثر ومعنويات أكثر ويستقبل عروسه بشكل أفضل، حالته النفسية تتغير، الدور الاجتماعي مهم لاحتضان الشخص المعني. القرية كلها تحضن العريس وتوصله إلى عروسه بأحسن صورة، والشيء نفسه عند العروس عندما تمدحها بأخلاقها وجمالها وانتمائها إلى عائلة كريمة تصل بعزة نفس وأبهى حلة إلى عريسها، هذا التأثير النفسي مهم كثيرا عند العريس والعروس… وهناك جلوة العروس، نُسأل عن معنى جلوة هل تعني إنها تغسل بالماء؟ لا جلوة العروس هي عندما يلبسون العروس ثيابها ويزينون وجهها، في بعض القرى تحمل شمعة وتمشي في الساحة التي يقام فيها العرس ليراها الناس، الجلوة هي الجلاء الصفاء والجمال والتجلي، كيف تتجلى العروس بأحسن صورة. سجلت في البقاع للبدو أو العرب الرُحَّلْ، ما زالوا إلى اليوم يستعملون تعبير “عرض العروس” يعرضونها على المنصة ويتفرج عليها الناس، هذه هي جلوة العروس وكانت تواكبها الأغاني والزغاريد، نسمع نماذج فهو غناء نسائي أحب أن نسمعه بأصواتهن… التنشيد الموجود للعريس يغنى في منطقة القاع وفي بعلبك وعند الرُحَّلْ وشبه الرُحَّلْ، ومحمد الصلح غنى أيضا تنشيد… نصل إلى المراحل الأخرى، المرحلة الأخرى هي ذهاب العريس إلى العروس، أهل العريس يذهبون إلى أهل العروس لأخذها إلى مكان العرس، هنا تختلف الأمور بين الطوائف والأديان، مثلا المسيحيين يجتمعون في ساحة القرية ويذهبون إلى الكنيسة للإحتفال، الآن تغيرت التقاليد أصبح كل واحد ينتظر الآخر في مقام العرس، أما المسلمين يذهبون إلى الشيخ لعقد القران، لكن الشيء الذي يشترك فيه الجميع هو الاستعداد الشعبي للعرس، المراسم الدينية تختلف من دين لآخر أو طائفة لأخرى، ولكن ما يشترك فيه الجميع وقد لاحظته في كل البلدات تقريبا هو مراتب العرس التي تقوم على مثلا “جينا وجينا وجينا جبنا العروس وجينا”، هنا يحضرون العروس إلى مكان العرس، جميعهم يشتركون بها… وهناك أيضا الحداء…. هذا نوع من الحداء تغنيه النساء عندما تخرج العروس من بيتها، تظهر على الناس وتمشي بطريقة موقعة حتى تصل إلى المنطقة التي تلتقي فيها مع عريسها…. إذا أخذنا المسيحيين مثلا عند وصولهم إلى الكنيسة يغنون أغنية للكاهن تقول…. أيضا هذا نوع من الحداء أو الحوربة التي تغنى، وفي الرميش وعين إبل ومارون الراس في الجنوب حيث سجلت يسمونها “محوربة”، محوربة تعني حوربة، المحوربة عندهم تعني الحداء في مناطق أخرى، نفس النمط يسمونه في بعلبك حداء يسمونه محوربة، لماذا تسمونه محوربة؟ نغنيه هكذا لأنه حماسي وشعبي، الحوربة ترجع إلى الحرب والتحدي، عندما ينتهي العرس يغنون له…. نجد هذه المراحل وكأننا نشاهد فيلم فيديو كيف وصلت العروس وكيف وصل العريس وكيف يغنون لهما، تكلمت في البداية عن زينة العروس والتنشيد وحنة العروس. أيضا العريس لم يكن يحلق وحده ليتهيء للعرس،
كانوا يضعونه على المنصة، ولا يزال هذا الطقس حي فقد رأيته، في سهرة العرس يضعون العريس على المنصة أمام الكل ويأتي حلاق معتمد لهذه المناسبات ويحلق له أمام الناس، هنا تبدأ النساء بالغناء له مع التصفيق، وهنا أحب أن أشدد على الإيقاع الذي سنسمعه في النماذج، التصفيق هو الإيقاع المعتمد، أثناء مشيهم على الطريق لن تمشي معهم الطبلة، الطبلة ليست من تراثنا الشعبي إذا أردنا العودة إلى الأصول. كان الأيقاع الدبكة والمجوز يعزف بطريقة موقعة، وإذا كانت على الربابة فالربابة هي التي تعطي الإيقاع والمغني والتصفيق، هذه الآلات الإيقاعية التي كانت لدينا قبل الطبلة التي أصبحت تأخذ كل حيز في حياتنا الموسيقية، خاصة في الشرق أو عندنا في لبنان، كان التصفيق هو الذي يواكب وفي بعض الأحيان في التصفيق أيضا يصبح هناك تداخل تبدأ واحدة وتنتهي أخرى لإعطاء نوع من التجميل للعزف الإيقاعي حتى لو كان باليدين، مثلا يقولون… عند تزيين العريس هناك “إحلق ناعم يا حلاق”…. هذه النماذج ليست مسجلة في منطقة واحدة لأبين الفرق، فالبعض يقول إن هذه القرية تغني أغاني العرس بهذه الطريقة، وفي قرية أخرى يغنون شيء آخر، من هنا اعتمدنا عدة مناطق في لبنان لنوضح الاختلافات والأشياء المشتركة بين البلدات والمناطق اللبنانية، والتي تبرهن أن العرس اللبناني من الناحية الشعبية اللادينية أو الطائفية كلها متشابهة لأنها تنتمي إلى بيئة واحدة تقريبا، ما يميزها هو طريقة اللباس أو بطئ وسرعة الإيقاع، ولكن الألحان والكلمات تتشابه ما بين المناطق اللبنانية… هناك نماذج عن الحنة “منين جبت الحنة يا عريس الحنة من عنا لا الحنة من باريس”، لنوضح أن الإنسان انفتح على الغرب وأصبح يعرف أن لديهم طريقة في التزيين، نحن دائما ننبهر بالغرب ونقول إن كل ما لديهم أفضل فنشتري من الخارج. وما زلنا نفرح إلى اليوم عندما نسمع أن هذه الثياب من إيطاليا وليست من لبنان، لماذا؟ لأن إيطالية فيها حضارة غربية أجمل بالنسبة لهم. هناك أيضا “إبعتوا لولاد عمو يجوله”، نوع من الدعوة، أريد أن أقول شيء الدعوة إلى العرس لم تكن تتم بواسطة الكرت، ولم يكن هناك تحديد لعدد الأشخاص الذين سيحضرون. كان يمر المنادي، المنادي هو شخص مكلف من قبل أهل العريس ويكون من أقربائه، فيطلبون منه أن يجوب القرية ويدعو جميع أهلها إلى العرس، حدث هذا الشيء أمامي في الرميش، كنت أسجل لأحد الأشخاص في بيته فوصل شخص عند النافذة وقال: إن شاالله الفرح عندكن كلكن معزومي نهار الأحد على عرس فلان الفلاني في البركة الفوقانية”، الرميش مقسومة إلى بركتين الفوقا والتحتا، واحدة من الاثنتين تقام فيها الحفلات، فهي كالمطعم، فقلت له: أنت تدعو الجميع! فقال: نعم كل القرية مدعوة، لا أحد يستثنى أبدا أبدا، نرى الكبار والصغار عدد لا يحصى من الأشخاص يشاركون في العرس، ليس كأيامنا هذه تجد الأصحاب فقط. لا تجد أحداً يرقص لأن أغلب المدعوين كبار في السن، من هنا بدأنا نفقد هذه الممارسات الشعبية لأننا أيضا نحدد العدد بسبب الوضع المادي والاجتماعي، أو الاتفاق بين العائلتين، ولكن إذا أردنا أن نتحدث موسيقيا وتراثيا وعادات وتقاليد خسرنا كثيرا بسبب التقليص في الدعوات إلى العرس…. هناك نوع من الغناء يتميز به الفلسطينيون أكثر ولكننا أخذناه منهم نسميه “السحجة”، هناك نموذج للسحجة نسمعه من أحد الرميشيين (بلدة الرميش)، في السحجة يقفون صفين مقابل بعضهما مثل الدبكة، ولكن يضعون أكتافهم على بعض ويغنون بنوع من التحدي، السحجة موجودة في مناطق الأردن وفلسطين، انتقلت إلينا ولكن ليس إلى كل لبنان. كانت السحجة تمارس كثيرا في الأعراس، كانوا يستقبلون بها العريس وهي مثل الزغاريد عند النساء، كانوا يقولون رَدَّة ويجيبهم الناس، ستأخذون فكرة عن كيف كانت تقال، من الأنماط الجميلة التي بدأت تفتقد للأسف في بلاد الشام، وخاصة في الأردن وفلسطين، تفتقد بسبب غياب الظرف الاجتماعي، عند فقدان الظرف الاجتماعي كيف يمكنك أن تغني هذا النمظ، فلم يعد موجود…. وأيضا من الأنماط الموجودة في لبنان في منطقة الجنوب أكثر من غيرها مع الأخذ بعين الاعتبار التأثير الجغرافي، مثلا “ظريف الطول” الذي غناه وديع الصافي وغيره من المغنين، “ظريف الطول” لا نجدها في كل لبنان، وجدتها في الجنوب وباعترافهم من التأثير الفلسطيني، كانت أشرطة التسجيل تأتي من فلسطين ويضعونها في الأعراس، كما إن لا بد أن نقول إنه في جنوب لبنان كان الفلسطنيون هم من يحيون الأعراس في مرحلة من المراحل عندما كان لبنان مفتوح.
من الجليل.
كان لديهم الغناء بالفطرة، كان يتم استدعائهم، كما يحصل الآن مع الفرقة الفلانية. كانوا يأتون من فلسطين لإحياء العرس، أثروا كثيرا على طريقة غنائهم، وحتى اللهجة التي يغنى فيها التراث اللبناني في الحدود الجنوبية للبنان قريبة جدا من اللهجة الفلسطينية، “ظريف الطول” موجودة في الأردن وفلسطين بشكل واسع جدا، وهي من النماذج المعروفة جدا مثل الدلعونة عندنا، وقد أخذناها منهم وقد سجلتها في البقاع عند البدو شبه الرُحَّلْ ويغنونها على المجوز بشكل إيقاعي يواكب الدبكة بشكل واسع جدا مثل الدلعونة إن لم يكن أكثر، البدو يستعملونها مثل الدلعونة وأكثر، هناك بعض الأشخاص الذين سجلت لهم كان أهلهم موجودين في البيت، فسألني ابنه إذا بإمكانه أخذ نسخة، فقلت له: والدك موجود معك يمكنك أن تسجل له، فقال: لا أعرف أن أبي يغني هكذا، والأب يقول لي: أعطني بعض الوقت لأتذكر فلم أغني هذه الأغاني منذ ثلاثين سنة، لماذا؟ لم يعد أحد يطلبها منا، أصبح هناك (dj) في العرس، سي دي أو كومبيوتر يغني في العرس أغاني من النمط المعاصر، ولم يعد أحد يطلب أغنية مناسبة للظرف أو لمرحلة من الظرف الذي يحصل معنا.
إلى هنا أصدقائنا المستمعين نصل إلى ختام حلقة اليوم من برنامج “دروب النغم”، كان معنا فيها الأب العزيز بديع الحاج، تحدثنا فيها عن الموسيقى الشعبية في الأعراس في لبنان، وتطرقنا فيها إلى مناطق أخرى من بلاد الشام، إلى أن نلتقي في حلقة جديدة نتحدث فيها عن موضوع آخر من برنامج “دروب النغم”، نترككم في الأمان.
“دروب النغم”.
الحلقات الأخيرة
- 221 – زكريّا أحمد – 12 (1/9/2022)
- 220 – زكريّا أحمد – 11 (1/9/2022)
- 219 – زكريّا أحمد – 10 (11/25/2021)
- 218 – زكريّا أحمد – 9 (10/26/2021)
- 217 – زكريّا أحمد – 8 (9/24/2021)
- 216 – زكريّا أحمد – 7 (9/4/2021)
- 215 – زكريّا أحمد – 6 (8/28/2021)
- 214 – زكريّا أحمد – 5 (8/6/2021)
- 213 – زكريّا أحمد – 4 (6/26/2021)
- 212 – زكريّا أحمد – 3 (5/27/2021)
- 211 – زكريّا أحمد – 2 (5/1/2021)
- 210 – زكريّا أحمد – 1 (4/28/2021)
- 209 – والله لا أستطيع صدك 2 (4/6/2017)
- 208 – والله لا أستطيع صدك 1 (3/30/2017)
- 207 – بشرف قره بطك 7 (3/23/2017)