You are here:   Home  /  الإذاعة  /  046 – قصيدة عجبت لسعي الدهر

046 – قصيدة عجبت لسعي الدهر

enar

 

 Saleh Abed El Hay, Ajebto Le Saai El Daher I 011-YMN-1-B, Manyalawi, Aghibtou li sahyed dahr

 

قصيدة عجبت لسعي الدهر

مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية بالتعاون مع مؤسسة الشارقة للفنون تقدم “سمع”.

“سمع” برنامج يتناول ما لدينا من إرث موسقي بالمقارنة والتحليل، فكرة:  مصطفى سعيد.

قصيدة عجبت لسعي الدهر، شعر مجنون ليلى أو أبي صخر الهذلي، في البحر الطويل.

عجبت لسعي الدهر بيني وبينها      فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر

فيا حبها زدني جوا كل ليلة            ويا سلوة الأحباب مواعيدك الحشر

ويا هجر ليلى قد بلغت بي المدى      وزدت على ما ليس يبلغه الهجر 

هجرتك حتى قيل لا يعرف الهوى      وزرتك حتى قيل ليس له صبر 

أما والذي أبكى وأضحك                 والذي أمات وأحيى والذي أمره الأمر 

وإني لتعروني لذكراك هزة               كما انتفض العصفور بلله القطر

 

عبد الحي أفندي حلمي

عبد الحي أفندي حلمي

نستمع ونتجول بالتحليل معًا في هذه الحلقة مع ثلاث تسجيلات لهذه القصيدة، كلها في مقام “البياتي”. أولها بصوت الشيخ يوسف المنيلاوي، والتي سجلت على وجه واحد قياس 30 سم لشركة “غراموفون” عام 1907، إصدار رقم 012707 مصفوفة رقم c1155. والثاني بصوت عبد الحي أفندي حلمي والمسجل قبل التسجيل السابق ببضعة أشهر لشركة “أوديون”، على وجه واحد كذلك لكن قياس 27 سم، وتحمل مصنف رقم 45323 ومصفوفة رقم Ex1315. أما التسجيل الثالث والأخير فهو لابن أخت صاحب التسجيل السابق، وهو صالح أفندي عبد الحي، وهذه المرة على وجهين قياس 27 سم لشركة “بوليفون”، بعد ما لا يقل عن 15 سنة من سابقه ، ويحمل مصنف رقم V424878a V42479m ومصفوفة رقم 3254Ar 3255Ar.

والآن ننتقل إلى التحليل:

 

“عجبت لسعي الدهر” هي من القصائد المكتوب عنها في كتاب “قسطندي رزق” أن عبده الحامولي كان يغنيها، وأنا بصراحة أصدق هذه الرواية جدا لأكثر من سبب، أولا: هي من البحر الطويل، نفس بحر القصيدة المشهورة عن عبده الحامولي “أراك عصي الدمع”. ثانيا” طريقة بنائها اللحني الذي تعمتد عليها كل التسجيلات التي معنا تشبه إلى حد كبير طريقة بناء “أراك عصي الدمع”، ليس فقط هذا ولكن كأن هذه القصيدة هي إرهاصة القصيدة الأخرى. ثالثا: البحر الطويل “فعول مفاعيل فعول مفاعيل” هو يمكن أن يكن “فعول مفاعيل فعول مفاعل” في  معظم الأحوال بالزِحاف هو البحر الذي تتلاءم معه لازمة العواذل (لازمة دور العواذل)، لازمة دور العواذل هي في الأصل صيغت لتلائم البحر الطويل، فهي لن تتلاءم إلا مع البحر الطويل والباقي تلفيق، فلذلك كل القصائد الأولى التي بنيت على لازمة هذا الدور في الأصل، هي في البحر الطويل. وإذا عدنا إلى الطرق الصوفية وحلقات الذكر، سنجد أنهم يستعملون لازمة دور العواذل فقط للبحر الطويل، ولكل بحر لازمة خاصة به، لكن الأفندية لم يستوعبوا فكرة لحن لكل بحر، وأن على هذا اللحن يقطع الإيقاع الشعري (وزن الكلمة) على الإيقاع الدوري أي إيقاع الوحدة في حالتنا، معظم القصائد في حلقات الذكر تنشد على الوحدة السائرة وهو4\4 أو 4\2 في بعض التنظيرات، هذا ليس مهما، المهم أنها ثنائية بشكل أو بآخر، والقليل جدا ينشد على 3 أو على 7.

نعود إلى “عجبت لسعي الدهر”، إذا سمعنا المقدمات الثلاث للأشخاص الثلاثة: الشيخ يوسف وعبد الحي وابن أخته صالح سنلاحظ التالي: الشيخ يوسف شيخ، فالتعبير عنده نسبيا يحتاج إلى كلام، فالنغم وحده لا يكفيه فعندما يقول: “عجبت لسعي لدهر”، يقول “أي” كأنه قسم (أي والله) عجب لسعي الدهر ويصمت، كأنه يعجب لسعي الدهر بشكل عام ثم يكمل القصيدة، هو يفهم تماما ويعبر عن نفسه في البداية بأنه يعجب لسعي الدهر بشكل عام، ثم يكمل القصيدة بشكل عادي كما يريدها الهُذَليّ أو مجنون ليلى الله أعلم من كتبها، ولكن القصد إنه يقول عجبت لسعي الدهر ويصمت، حتى أنه لا يكمل صدر البيت مع أنه البيت الأول للقصيدة ويجب عليه قوله بشكل كامل ليثب لازمة العواذل، ولكنه هنا استثناءً يقول “عجبت لسعي الدهر” ويصمت. عبد الحي حلمي يسلطن البيت على لازمة العواذل بشكل عادي جدا. صالح عبد الحي أيضا يريد أن يُعبِّر قليلا عن عجبه لسعي الدهر، لكنه لا يوقف معنى الشاعر، هو يقول “عجبت لسعي الدهر بيني وبينها” ثم يعيد ويقولها بشكل  نغمي يشعرك بعلامة التعجب فعلا، هو يقول عجبت ويصمت ثانية لا لشئ ولكن ليثبت هذه النغمة التعجبية، وإن كان لا يريد أن يكسر معنى البيت، لنستمع إلى المقدمات الثلاث ل”عجبت لسعي الدهر بيني وبينها”. أول بيت من القصيدة بالتسلسل الزمني لكل تسجيل، عبد الحي حلمي والشيخ يوسف المنيلاوي يحاولان اختصار الموضوع في وجه واحد، وعبد الحي مدته أقصر من الشيخ يوسف، صالح عبد الحي مرتاح قليلا لأنه سجل على وجهين، فغنى لازمة دور العواذل قبل القصيدة،ـ عبد الحي حلمي نَوٌع تنويع صغير جدا في “وبينها”، أما الشيخ يوسف فغناها أول مرة بالطريقة التي اعتدنا عليها دائما وهي قفلة العواذل العادية، المرة الثانية كانت قفلة مفتوحة، يعني “فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر” ثم “سكن الدهر”، دعونا أيضا نقول ملاحظة مهمة وهي أن الشيخ يوسف يغنيها أسرع من الكل لماذا؟ لأنه معتاد على حلقات الذكر. حلقات الذكر يكون إنشاد القصيدة فيها سريع، الآخرين يتعاملان مع القصيدة بنوع من السلطنة كأنها دور، كأنها دور ولكن الفرق أن الكلام فصيح ولا يوجد لحن ثابت تماما، لكن يوسف المنيلاوي معتاد على حلقات الذكر فيتعامل مع القصيدة على أنها قصيدة ولكن مع تخت، فالفرق في السرعة قليلا وفي تناول الكلمات، سنحلاظ أن الشيح يوسف كلماته أدق، مع إنه يقول مثلا “بِيني وبِينها” على حمزة قليلا، أما هما “فبَيْني وبينها” بشكل عادي، وسنلاحظ العكس فهو سيقول “لَيْلى” وهما سيقولان “ليله”، يعني أن كل واحد فهمه مختلف قليلا عن الآخر في اللغة. صالح عبد الحي عندما يقول” “فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر” يبطئ وينزل بالتدرج، وكأن الدهر كان سريعا في البداية ثم أبطئ ، يعبر بالنغم وليس باللغة،. الشيخ يوسف يقفل “سكن الدهر” في البيت التالي وهو “يا حبها”وسنسمعه في التسجيل الكامل، ثم القلبة تكون “فيا هجر ليلى، “فيا هجر ليلى” الشيخ يوسف المنيلاوي يذهب إلى “حجاز” الرابعة أي “حجاز النوى” بشكل شرعي ليس “شوري” وإنما يقف تماما على “حجاز النوى” ويقول “يا هجر ليلى”، يعود ثانية إلى الفصيح. عبد الحي لا يفعل شيئًا يكمل بشكل عادي في البياتي، كأنه يعلق نفس لازمة العواذل على بقية الأدوار، لا ينتقل تقريبا، ينوع تنويع بسيط فقط على أربع أو خمس نغمات كعادة عبد الحي حلمي يقطع المقام تقطيع، يقطع الخمس نغمات الأولى في المقام تقطيع، سنستمع إليه أيضا في التسجيل الكامل.أما صالح فيذهب إلى ثابتة المقام، درجة “العجم عشيران”  “قد بلغت بي المدى” وفي عجز البيت يعود بجملة “صبا” تقطع القلب، ويقفل بها الوجه الأول بقفلة حزينة جدا، ثم يغير في الوجه الثاني، نحن سنستمع إلى الوجه الثاني عندما نستمع إلى تسجيل صالح عبد الحي بالكامل، ولكن دعونا نستمع إلى جملة “الصبا” الجميلة غير المتوقعة من صالح عبد الحي في بيت “يا هجر ليلى”، ونسمع قبلها الشيخ يوسف وكيف يتناول كل واحد البيت من منظوره . الشيخ يوسف يتناوله بشكل فرح قليلا على الرغم من الهجر، لكن صالح عبد الحي يتناوله بشكل حزين قليلا على الأقل في قفلة الوجه الأول، قبل أن يعود ثانية إلى الشئ الفرح في الوجه الثاني.

“يا سلا يا سلام”، ثم هناك القليل من الاختلاف في ترتيب الأبيات “وإني لتعروني لذكراك هزة كما انتفض العصفور بلَّله القطر”، أعتقد أن المدرسة الحامولية قررت أن تدع هذا البيت للآخر، التي يمثلها هنا عبد الحي حلمي وابن أخته صالح عبد الحي، يوسف المنيلاوي يبدو أنه كما كتب في كتاب “الأغاني” قام بغنائها، فإذن “وإني لتعروني لذكراك هزة” قبل “أما والذي أبكى وأضحك”، هذا ليس مهم سنلاحظ ذلك ونحن نستمع إلى التسجيلات الكاملة، ولكن قمة السلطنة في هذا البيت عند الجميع، عند التسجيلات الثلاثة التي معنا. عبد الحي حلمي يبدأ بنغمة تصاعدية فيذهب من “البياتي” إلى “السيكاه”، سنلاحظ هنا أنه يغنيه “سيكاه” وبعجلة شديدة، لكن هذه العجلة لا تمنع أنه وصل إلى قمة السلطنة على الأقل في هذا الوجه الصغير، لنستمع إليه.

أما عند الشيخ يوسف فيكمل على “الحجاز” من الرابعة كما كان هو، ويسلطن على “الشوري”، يعود كأنه “شوري”، لكن دعونا في إعادة “أما والذي” عندما يغنيها، نلاحظ الحركة خارج الإيقاع “أما والذي أب—كى وأض—حك والذي”، هذه الحركة واضح أنها متعمدة كما لو أنه كان يعلم أنه سيطلب منه أن يعيد لنستمع إليها، هل سمعتم عودته على “الجهاركاه” كأنه يغني “نكريز” قبل أن يقفل في البيت التالي على “الشوري” أو على “البياتي” ،ولكنه يسلطن على “الشوري”.

أما صالح أفندي فيسلطن “الجهاركاه” من “العجم عشيران”، يرجع السلم  في “أبكى وأضحك والذي بأمره الأمر” بشكل عظيم يوحي لك بالبكاء والضحك وأنه فوض أمره لله في هذا الموضوع، لنستمع إلى صالح هنا ماذا يقول. في القفلة الشيخ يوسف لا يفعل شئ غير أنه يقفل على لازمة العواذل بشكل عادي كأنه في حلقة ذكر، لا يوجد أي شئ مفاجئ، اما تأجيل بيت “وإني لتعروني لذكراك هزة كما انتفض العصفور بلله القطر” عند المدرسة الحامولية، التي يمثلها هنا عبد الحي حلمي وصالح عبد الحي، هنا يؤجلان “كما انتفض العصفور” لأجل “وإني لتعروني لذكراك هزة”، لاحظوا كيف يغنيها عبد الحي.

“يا سلام يا سلام” لاحظتم “تعروني هزة” وكأنه تعبير بالموسيقى فعلا، تعبير بالنغم. وعند صالح عبد الحي لاحظوا  كيف سيقفل، لنستمع إلى “كما انتفض العصفور بلله القطر” وكيف يقطعها على العواذل، تأكيدا لفكرة أن العواذل في الأصل لازمة صيغت من أجل البحر الطويل.

“يا سلام يا سلام” شئ جميل جدا، حسناً نبدأ الاستماع للتسجيلات الكاملة، نبدأ بتسجيل عبد الحي حلمي الذي سجله لشركة “أوديون” على وجه واحد حوالي سنة 1906، ويعزف معه إبراهيم سهلون على الكمان ومحمد إبراهيم على القانون، سنلاحظ جميع الملاحظات التي قلناها قبل ذلك، فلازمة العواذل تعزف بالآلات فقط دون الغناء ثم يبقى فراغ في آخر الأسطوانة نسمتع فيه لتقسيمة صغيرة من إبراهيم سهلون، ملاحظة صغيرة فقط وهي أنه بعد “الحسيني” يعزف مظهر “جهاز” من الدرجة الخامسة، وهذه متكررة جدا عند إبراهيم سهلون فكرة أن يكون على “البياتي” ثم يعزف “حجاز” من الدرجة الخامسة وليس الرابعة، يعني إنه لا يعزف “شوري” إنما “بياشاهناز” جميل جدا، نستمع إليه في الآخر ونركز عليه.

“الله الله يا سي عبد الحي” “يا سلام يا سلام”، أما الآن التسجيل الذي يلى هذا التسجيل ببضعة أشهر فقط، يوسف المنيلاوي يحاول الخروج من عبده الحامولي لكنه لا ينجح، لأنه أولاً يستعمل نفس المقام، ومن المؤكد أنه سمع عبده الحامولي كثيرا، فيحاول أن يضيف بصمته الخاصة، ولكن المؤثر الحامولي واضح جدا عليه ليس فقط مؤثر المشايخ، الشيخ يوسف معه على الكمان إراهيم سهلون وعلى القانون محمد العقاد وعلى الناي علي عبده صالح وعلى الرق محمد أبو كمال الرقاق، ونقول أن هذه أول قصيدة تصلنا ليوسف المنيلاوي مع “غراموفون”، هناك قصيدتان مسجلتان مع “سمع الملوك”، ولكن هذا أول تسجيل لقصيدة “لغراموفون” سنة 1907، والقصيدة مسجلة على وجه واحد وليس على وجهين كأغلب قصائد الشيخ يوسف، الشئ الذي يجب أن نكرره أن الشيخ يوسف يغني القصيدة أسرع من غيره، يغني القصيدة وكأنه في حلقة ذكر، وسنلاحظ بروز الإيقاع أكثر من حاله في الأدوار أيضا تذكيرا لقصة حلقة الذكر.

“الله الله الله يا شيخ يوسف” “يا سلام يا سلام”. صالح عبد الحي و”بوليفون” حوالي سنة 1923، صالح عبد الحي معه سامي الشوا على الكمنجة وعبد الحميد القضابي على القانون، صالح عبد الحي يتعامل مع المسألة كأنها دور، لازمة العواذل تعزف آليا ثم يغني هو “آه يا أنا ويش للعواذل عندنا قوم مضيع العذال وواصلني أنا”، ثم يدخل في القصيدة، نلاحظ قلبة “الجهاركاه” من “العجم عشيران” “والصبا”، ثم السلم العظيم الذي سمعناه، نلاحظ تواصل هذا السلم مع ما سبقه وما لحقه.

“يا سلام يا سلام  يا سي صالح” بهذا التسجيل العظيم نكون قد وصلنا إلى نهاية حلقة اليوم من برنامج “سمع”، نشكركم جزيلا على حسن إصغائكم، وإلى أن نلتقي في حلقة جديدة من برنامج “سمع” نترككم في الأمان.

قدمت لكم مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية “سمع”           
                     

 

  2014  /  الإذاعة  /  Last Updated فبراير 13, 2014 by  /  Tags:
WP-Backgrounds Lite by InoPlugs Web Design and Juwelier Schönmann 1010 Wien