You are here:   Home  /  الإذاعة  /  080 – التدوين الموسيقي 1

080 – التدوين الموسيقي 1

enar

A Ahmad Farid, Elouon El Kawaser I

مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية بالتعاون مع مؤسسة الشارقة للفنون تقدم: “نظامنا الموسيقي”

أعزاءنا المستمعين أهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج “نظامنا الموسيقي”، حلقتنا اليوم حول موضوع التدوين الموسيقي كتاريخ وأنواع، ومحدثنا اليوم حول هذه القضايا هو الأستاذ والمؤرخ والفنان والملحن مصطفى سعيد.

“كل هذا”؟

نعم وأكثر من ذلك، من المعروف أن هناك طبعا عندما نتكلم عن التدوين الموسيقي بشكل مختصر النوتة الموسيقية، هناك نوتة موسيقية عالمية اليوم، وهي خمس خطوط وخمس مسافات أساسية عليها النغمات أو الإشارات التي تعبر عن الموسيقى المطلوب تدوينها. قبل أن نتكلم عن هذا النوع المعاصر هل كان هناك أنواعا أخرى من التدوين الموسيقي خصوصا في الأزمنة القديمة في التاريخ؟

كان هناك أنواعا كثيرة، كان هناك أنواع بالإشارة وأنواع بالأبجدية، وفي نهاية الأمر حتى المدرج الخماسي الحالي هو نوع من التدوين بالإشارة ولكن متطور جدا. 

بالنسبة إلى التدوين، ما هي أقدم إشارة لوجود التدوين الموسيقي في التاريخ؟

أنا أعتقد أن الدولة اليونانية التي بعد الاسكندر المقدوني هي أول حضارة لديها نوتة موسيقية، يمكن أن نستطلع منها نظام مقامي، لن نستطيع كثيرا أن نحدد الزمن أو قسمة الكلام على الزمن بالضبط، لكن نستطيع أن نحدد الأبعاد النغمية.

هل كان لها شكل معين؟

هي أقرب ما تكون للتدوين الموجود الآن في التقليد الكنسي الأرثودكسي، المعروف اصطلاحا بالبيزنطي، هي قريبة جدا منه ولكن التدوين البيزنطي متطور جدا عن الذي كان موجودا هناك، لكن المبدأ نفسه تكون الكلمة مكتوبة، وفوق الكلمة إشارات صعود وهبوط، لكن للأسف ليس لدينا المدود والإقصار الموجود حاليا في التدوين البيزنطي، بحيث أنه يوضح لك مدة المد على النوتة ومدة الوقوف على الدرجة، وكيف تقوم بحلية صاعدة أو هابطة إلخ، حتى تدوين الكلام في التدوين البيزنطي متطور جدا. أما قبل ذلك فكان لدينا الكلمة واللحن، اللحن الأول أو الثاني مثلا وإشارات صعود أو هبوط بالنغمة فقط، للأسف لا يوجد أي دلالة إيقاعية لطول النغمة أو لطول الزمن، أي الزمن العام هو 4/3 أو 4/2، هذا ليس موجودا إلا لاحقا، أعتقد عند شارلمان في الإنشاد الغريغوري (Gregorian Chant) في القرن السابع، ولاحقا المدونات الأبجدية عن صفي الدين الأرموي.

إذن العرب كان لديهم تدوين؟

العرب كان لديهم تدوين أبجدي، يعقوب الدمشقي مثلا أيام الدولة الأموية يقال أنه دون بنفس الطريقة الإشارية الموجودة في اليونان بعض الألحان البيزنطية، وهناك أشخاص يرجعون مخطوطاتهم الموجودة لديهم من القرنين السابع عشر والسادس عشر في اليونان ويقولون أن هذه تلاحين دونها يعقوب الدمشقي، الذي كان وزير مالية أيام عبد الملك بن مروان ثم اعتكف في دير “مار سابا” في القدس، وهو الذي ألف نظام “الأكتوايخس” المعمول به تقريبا إلى يومنا هذا في التدوين الكنسي الإنطاكي الأرثودكسي. بعد ذلك الكندي في كتابه، الكندي لم يكن موسيقيا ولكنه كتب تمارين لعازفي العود، لكنها أيضا تفتقر إلى أي نوع من الأبعاد الدقيقة، وتفتقر للإيقاع، لا يوجد أي زمن محدد لهذه النوتة. طبعا أنا لا أعرف ولكن نوع من التدوين من وجهة نظري الشخصية الذي ورد في كتاب “الأغاني” ومدونات مثل إبن الكاتب، وحتى إبن الطحان هناك بعض الإشارات، فمثلا كتاب الأغاني يقول لك:  سبابة في مجرى الوسطى ويقول لك عن الضرب بالضبط وقسمة اللحن إلخ، فأكيد تستطيع أن تعرف الإيقاع 4/3 بطيء أو 4/4 سريع، وأيضا ستعرف أن سبابة في مجرى الوسطى هو بدون الدخول في التفاصيل “البياتي”، المقابل عندنا “للبياتي”، أو أن الوسطى في مجراها هو المقابل عندنا “السيكاه عراق” مثلا، أو أن الوسطى في مجرى الخنصر هي “السيكاه” في حلب إلخ، هناك إشارات تعرفك على المقامات والإيقاعات، من كتاب “الأغاني” لأبي الفرج الأصفهاني إلى الكاتب، لكن التدوين الحقيقي الذي يُقرأ ويُغنى هو عند صفي الدين الأرموي.

بالنسبة إلى كتباب “الأغاني” مثلا هل أشار إلى المقامات والإيقاعات، وتفسيرها كان من خلال كتب أخرى في نفس الفترة ،أم كان هناك تفسير في الكتاب عن ما يقصد مثلا بكلمة سبابة في مجرى الوسطى إلخ؟  

نعم هناك رسائل بين إبراهيم بن المهدي وإسحاق الموصلي ضمنها في كتابه، يمكن بسهولة أن نستنتج النظام الإيقاعي وأيضا النظام النغمي، ثم لدينا الحسن بن الكاتب يشرح قصة الوسطى، وأنه كان هناك وسطى الفرس ثم أصبح هناك وسطى العرب، ووسطى ثالثة اسمها وسطى زلزل، أي أنه كان هناك ثلاث أنواع من دستان الوسطى، طبعا نحن إذا قلنا أنه يقول أن نصف بعد مثلا في وسطى الفرس وأن وسطى العرب ابعد، فنستطيع أن نستنتج أن وسطى العرب هي أكثر من نصف الطنين، ما بين ثلثي إلى ثلاثة أرباع الطنين، فنستطيع أن نستنتج بأنه يقصد بسبابة في مجرى الوسطى إذا أخذنا في الاعتبار أنها وسطى العرب، وهذا كان افتراضهم، إذن هذا مقام “البياتي”.

نعم وبالنسبة إلى تدوين الإيقاعات لأنه حسب ما أعرف

“الثقيل الأول” و”الثقيل الثاني” و”الخفيف الأول” و”الخفيف الثاني” و”الرمل” فقد شرحهم عروضيا، فيقول لك مثلا: “فاعلاتن فاعلاتن” هو إيقاع ثلاثي، وهو المقابل في العروض لبحر الرمل الكامل، ثم كتب عن الرجز ان هناك “اس” فيعطينا “الثقيل الأول”، وسيظهر لنا في النهاية انه 4/4، ثم كتب أنه في الرجز السريع سيعطينا “خفيف” الذي سيظهر لنا أنه إيقاع مثل 8/6 السريع، بحسابات العروض التي كتبها، لكن طبعا “الدموم” “والتكوك” بالضبط أعتقد أنها صعبة، ولكن على الأقل يمكنك أن تستنتج الوحدات أي التقطيع سواء 4/6 أو 8/6 أو 4/2 أو 4/3  بسهولة فائقة من كتاب “الأغاني”، ولكن “الدموم” “والتكوك” بدقة، نعود ونقول أن هذا أيضا موحود عند الأرموي. 

نعم لذلك عند زكريا يوسف، المحقق العراقي حقق كتاب الكافي في الموسيقىلإبن زيلة، فكان يحاول أن يفسر الإيقاع بعشرة أشكال ربما، لأنه كما تعرف لا يوجد “دم” “وتك” في النص الأصلي، فيفسر كل إيقاع عبر استنتاج، فيفترض أن هناك “دم” في البداية أو في المنتصف أو في الأخر، “والتكوك” يوزعها بشكل أو بآخر، ويضع  كل تلك النماذج كتفسير للإيقاع العباسي القديم.

هذا صحيح، لاحظ أن جميع الكتب التي بقيت لنا سواء للكندي أو للفارابي أو لإبن سينا أوالمنجم، كتاب المنجم لا يمكن أن يكون في الموسيقى فهذا دجل باختصار، الكثير من الكتب ليست لموسيقيين، فقد كانوا شخصيات موسوعية، كالكندي مثلا، أما الفارابي فقد كتب عن النظام كتابة كاملة، وشرح عن الوسطيات والسبابات والبنصر والخنصر حتى بالنسب الفيثاغورية، لكن إلى أي مدى كان هذا يعكس النظام المراسي؟ الله أعلم فنحن في القرن الحادي والعشرين يا سيدي وأنت ترى كتب التنظير وعلاقتها بالواقع، لا تعليق، فبالتالي هذا في القرن العشرين ويوجد أسطوانات وتسجيلات إلخ، فما بالك في القرون السابقة فقد كان الشخص فيلسوفا ويكتب في الموسيقى، حقيقة لا يوجد كتب مراسية سوى الرسائل التي ذكرها أبو الفرج الأصفهاني في كتابه، والله أعلم كم تم تحريفها من قبل النساخ، كتاب إبن الكاتب وبعض ما ذكره عن إسحاق الموصلي، وكتاب إبن الطحان، إبن الطحان فعلا يبدو متمرسا في الموسيقى، ولكن من يعلم ماذا فعل به النساخ، ماذا حذفوا أو أضافوا، فالمخطوطة التي بحوزتنا من القرن التاسع عشر، وليس لدينا مخطوطة بخط يده.

سؤال أخير عن الفترة العباسية القديمة، هل لها علاقة بالنوتة أو التدوين الموسيقي عند اليونانيين؟ هل هي امتداد أم هي محاولات مختلفة ذات مسار وتفسير مختلفين؟

في النظرية مثلا في كتاب “الموسيقي الكبير”، يترجم أرستوكسان ويترجم بويس ويترجم فيثاغورثس كما فعل في جميع مناحي الفلسفة، ثم يعود وينقضهم ويتكلم عن المتعارف عليه عندنا، ثم يعطي نسبا جديدة للمسافات التي يقصدها، لكن لا يكتب أي شيء له علاقة بالتدوين، لا أعرف ما إذا كانت المدونات لم تصله أو هو لم يفهمها ببساطة، “الأخطاسية” مثلا في كتاب “الأغاني لأبو الفرج الأصفهاني، “الأخطاسية” يمكن أن تستنج أنه عندما جمع اليزيد الموسيقيين، جمع الفرس والعرب والعاملين “بالأخطاسية”، فيمكننا أن نفهم من “الأخطاسية” هذه يقصد بها “الإكتوايخس” (Octoechos) مثلا، وقد يكون لا والله أعلم، ولكن يبدو أنه سمع “الإكتوايخس” بهذه الطريقة فكتب “الأخطاسية”.

كثير من الباحثين توقفوا كثيرا عند صفي الدين الأرموي والكتب التي ألفها، خصوصا أنها تحتوي على النظام المقامي والتدوين الموسيقي وتمارين ومصطلحات، فما مدى دقة التدوين عند صفي الدين الأرموي ومدى سهولته بحيث أن نستطيع أن نفهم ما تم تدونه في هذه الكتب؟

من حسن الحظ أنه لدينا نسخ كثيرة من كتاب الأدور والرسالة الشرفية لصفي الدين الأرموي، وهو نفسه كرر الكثير مما كان قد كتبه قبل ذلك في “الأدوار”، وهناك طبعا معلومات جديدة، وبقراءة كتب ما بعد صفي الدين الأرموي مثل قطب الدين الشيرازي وعبد القادر المراغي وديمتري كنتامير إلخ، سنجد تفسيرات أكثر تفسر لنا كيف كان هذا الرجل يكتب، تحقيق مثلا الدكتور نداء أبو مراد لمخطوطات صفي الدين الأرموي كشف عن جزء كبير، فمجرد أن نقسم الألحان على العروض سيستوي اللحن تماما على ما كتبه، النظام الموسيقي الذي كتبه في المُجَنَّب وأسماء المقامات التي لها علاقة حتى بالمقامات التي نستخدمها الآن، مع قراءة متأنية للكتب اللاحقة له، تستطيع أن تفهم النظام المقامي عنده بكل سهولة، لا يوجد فيها أي تعقيد، القصة نفسها مع الإيقاع، في الإيقاع ستجد “الدموم” “والتكوك” دون أي لغط، والطرائق العزفية أيضا، فقد قسم السلم الموسيقي إلى 18 نغمة، و18 نمة هي( أ ب ج د ه وز ح ط يا يب يج يو يز يح يط) إلخ، ثم يعود ويكمل (يكا يكب يكج) على الديوان الثاني، سهل جدا الاستنباط، لديك 18 بعد وقد كتب المسافة ما بينهم، وسهل جدا أن تستنبط من خلال ما كتبه عن الانجذاب صعودا وهبوطا، حتى الكومات (comas) التي ذكرها تدلك على النغمة التي يجب أن تعزفها، والنسب مكتوبة حسب نقرات العود على الوتر، مثلا إذا كتب لك أ6 هذا يعني أن تعزف الألف ست مرات، “والإسات” (جمع اس) كتبها على أساس سكوت في الزمن فقط، فمن السهل جدا أن تستنبط، لا يوجد أي لغط في قراءة مدونات صفي الدين الأرموي أبدا، وبالتالي أيضا لا يوجد أي لغط في قراءة قطب الدين الشرازي والمراغي أو ديميتري كنتامير. 

إذن النوتة استمرت بعد وفاة الأرموي؟

نعم استمرت، وآخر شخص طور في نظام الأرموي هو ديميتري كنتامير في آخر القرن السابع عشر  أو القرن الثامن عشر، فقد مات سنة 1701 تقريبا، وهو آخر من كتب بالنظام الأبجدي، لكن قبله في بلاد فارس وتركيا كُتب كثيرا بالنظام الأبجدي الذي ابتكره صفي الدين الأرموي. 

لاحظت عند بعض الباحثين خصوصا اللذين عملوا على تفسير كتب الأرموي وتدويناته لنقل في مرحلة السبعينيات والثمانينيات، لاحظت أن كل واحد منهم فسر الأيقاعات والمقامات بناء على التأثير المحلي لديه، فالباحث العراقي نجد أن “اللامي موجود لديه، ونجد الإيقاعات العراقية التي استنبطها من الأرموي، ونجد أن الباحث المصري يحدثنا عن الإيقاعات والمقامات المعروفة في مصر والتي استخرجها من كتاب الأرموي وغيرهم، هل فعلا هو دقيق بحيث أنه يحسم هذا الموضوع، أم هل فيها أيضا مساحة من الخيال؟

حسنا في قراءة متأنية للكتب ما بعد الأرموي، لن يكون هناك لغط في استنتاج المقام أو الإيقاع، أي المقام والوحدات الإيقاعية، كنت في مؤتمر في ألمانيا، وقابلت أناس أتراك كانوا يبحثون في ألحان ديميتري كنتامير وبالتالي كانوا يبحثون في ألحان الأرموي، فغنيت لهم “على صبكم” للأرموي، وهم غنوها بنفس الطريقة، الفرق الذي كان بيننا هو في الحليات/الزخرفات التي نضيفها، الحليات هي إضافتنا أيضا فالرجل لم يكتبها، نحن كموسيقيين في الشرق لا نستطيع أن نغني اللحن بدون زخرفة، لأن اللحن غير المزخرف لم يعد عربيا، يعني إذا قلنا: “على صبكم يا حاكمين ترفقوا”، لا ينفع من المستحيل أنه كان يغنى بهذه الطريقة، فهم كانوا يغنون بطريقة زخرفة وأنا كنت أغي بطرقة زخرفة أخرى، ولكن المحصلة هي نفسها، وأنا لم أرهم من قل ولا هم أيضا،، فبالتالي كل ما نستطيع قوله أنه بقراءة متأنية للكتب اللاحقة للأرموي، قطب الدين الشرازي والمراغي إلى ديميتري كنتامير، لن يكون عند أحد لغط على صعيد مدونات الأرموي أو مدونات ما بعد الأرموي.

بالنسبة إلى نص “على صبكم”، هل يمكننا أن نسمع هذا اللحن منك؟…

أكيد وسنسمع أيضا الطريقة التي قبله، فقد كتب “طريقة في النوروز”، ثم يتبعها لحن “على صبكم يا حاكمين ترفقوا”.

ما المقصود “بطريقة في النوروز”؟  

يبدو أنه كان يقصد دولاب أو مقدمة، أو حتى في بعض الطريقة التي لحنها في “المستقيم” أي “الراست”، كتب هنا أن العود يمكن أن يعزف جملة فدونها، ويبدو أيضا أن الطريقة هذه قد تنفع أن تكون شيء بمعنى “التحميلة” المعاصرة.

أو قطعة موسيقية.

قطعة موسيقية ولكن صغيرة جدا، فبالتالي عندما كتب أن الجملة هذه يعزفها العود، يبدو أنه قصد أن يكتب انفرادي أو “سولو” (solo) بالمصطلح الحديث، ويقول أن الآلات تتناوب، يبدو أنه يقصد أي مقطوعة موسيقية بمعنى طريقة، هذا وارد، ويبدو أنه هناك طرائق متعدة، ربما طريقة بمعنى مقدمة وطريقة بمعنى “تحميلة” مثلا إلخ، ثم يظهر البشرف (peshrev) أو البشرو لاحقا عند قطب الدين الشرازي، ولكن لا نجد مدونات، نجد القليل عند عبد القادر المراغي، وكثير جدا عند ديمتري كنتامير.

يوسف الدوخي وهو باحث كويتي فسر أو لحن “على صبكم” بلحن صوت عربي، إيقاع ذو ست أو ثلاث نبضات.

“الدارج” يمكن أن يترجم على أنه إيقاع عربي، ولكن التأويل سيكون في الأداء، لكن اللحن الأصلي المكتوب لا يوجد فيه الكثير من اللغط، كيف ستؤديه، بطيء أم ستؤديه سريع، تريد أن تؤدي جزءا وترتجل قليلا أنت حر في هذا، ولكن اللحن والقسمة على الإيقاع ليست مختفية أبدا.                       

على صبكم يا حاكمين ترفقوا       ومن وصلكم دوما عليه تصدقوا

ولا تتلفوه بالصدود فإنه             يحاذر أن يشكو إليكم ويشفق

هذا أكيد تقطيع صحيح كما كتبه هو بالضبط، كيف ستؤديه أنت، ستؤديه سريع أم ستؤديه بطيء، ستقف في المنتصف وترتجل، ستؤديه كالصوت أو الدور، هذه تفسيرات  شخصية.

إذن نستمع إلى نموذج منك من هذا اللحن، أيضا نطلب منك أن نسمع نفس النموذج بحليات أخرى وبأداء آخر، لنقل بتوسع أكثر، بحيث أن نعطي نموذجين أو تفسيرين متاحين لنفس اللحن المدون. 

على عيني يا أستاذ أحمد.

لتكن فرصة للمقارنة، حتى لي أنا… طبعا في زمن ما بعد صفي الدين الأرموي، استمر الموسيقيون بالتدوين، وكما ذكرت استخدموا النظام الذي ابتكره، فهل طوروا هذا النظام؟ وهل تم تدوين أعمال أكثر للموسيقى التي كانت موجودة في ذلك الوقت؟

صفي الدين عبد المؤمن الأرموي البغدادي عاش في القرن الثالث عشر، مات سنة 1294، وهو آخر خازن لمكتبة دار الحكمة في بغداد أيام الخليفة المستنصر، ثم خدم في بلاط الدولة الشرفية التي كانت بعد احتلال بغداد وموت هولاكو، وكان من ضمن تلاميذه، أو من ضمن اللذين أكملوا مشواره قطب الدين الشرازي، قطب الدين الشرازي كان في إيران، ويبدو أنه قد دون أشياء بالفارسية وأشياء أخرى بالعربية، ولديه لحن أطول بكثير من الألحان التي دونها صفي الدين الأرموي، مثل لحن “يا مليكا به يطيب زماني”، “يا مليكا به يطيب زماني” قطب الدين الشرازي نسب لحنه لصفي الدين الأرموي، وقد كتب فيه الترنم، وكتب أيضا لوازم عزفية في منتصف اللحن، فهو متطور بالنسبة إلى الألحان التي دونها صفي الدين الأرموي، مع أنه نسبه لصفي الدين الأرموي، فيبدو أن صفي الدين لم تكن لديه القدرة أو لم يكن قد طور الطريقة لدرجة ترقى إلى تدوين مثل هذا اللحن الكبير، لأن طريقة السكوت وطريقة تقطيع العروض على الشعر عند قطب الدين الشيرازي أدق بكثير مما هي عليه عند صفي الدين الأرموي، يعني تسمح بزخارف أكثر وتسمح بتدوين تفاصيل أكثر، ليس أدق بمعنى أن الثاني فيه تأويل، فالاثنين ليس فيهما تأويل، لكن تدوين التفاصيل والحليات عند قطب الدين الشرازي ربما تجعلنا نعرف كيف كانوا يزخرفون على النغم، لأنه حتى دون الترنم هو: “ترا تراترا ديرتا” إلخ، وهي مثل “يا ليل يا عين” أو “أمان” إلى آخر هذه الترنمات، هو دونها، ودون تفاصيل كثيرة جدا في الألحان، ومن بعده أكيد لدينا عبد القادر المراغي. 

بالنسبة إلى الشرازي، هل التدوينات الموجودة كلها تعبر عن أغاني، أم هناك قطع موسيقية أو أشكال غنائية مختلفة؟

الشرازي دون “القول” الموجود عند صفي الدين الأرموي، وما يسمه هو “صوت”، والبسيط الموجود في “الصوت”، فقد دون “البسيط” ولم يدون “النشيد”، هو يقول أن “الصوت” يحتوي على “بسيط” “ونشيد”، فقد دون “البسيط” ولم يدون “النشيد”، بينما قطب الدين الشرازي دون “أقوال” وكتب عن قطع آلية. 

ما المقصود “بالأقوال”؟

القول” هو قالب يشبه الموشح، ولكن ليس كثيرا، هو أكثر تطورا في الصياغة اللحنية من الموشح، يحتوي على لحن أول ولحن ثاني، ثم يتكرر ويعاود الدخول بالترنم في لحن ثالث، ثم الخاتمة وتكون باللحن الثاني، لكن الفواصل العزفية في المنتصف أدق مما وصلنا من الموشحات.

هل تعتقد أن الموسيقى والغناء المدون عند الشرازي، لأنه عند الأرموي كان قليل جدا، لنقل عند الشرازي ومن بعده، هل له علاقة أو هناك بشيء استمر في الموسيقى العربية أوالتركية أو الفارسية؟

سفينة الملك ونفيسة الفلك

سفينة الملك ونفيسة الفلك

حسنا بالنسبة إلى الفارسية والتركية نعم، هناك أشياء من أيام ديمتري كنتامير وأيام المراغي، إما استمرت أو أعيد إحيائها، لأن قراءتها سهلة وليست صعبة، أما عندنا فهناك موسيقيين مثل اللاذقي والصيداوي والصفدي، وقد كانوا في القرنين الخامس والسادس عشر، أما هؤلاء فكانوا يدونون بطريقة مختلفة تماما، كانوا يكتبون اسم النغمة، وعدد الألحان أقصر بكثير، وجميعها آلية ولا تحتوي على غناء أصلا، ثم يأتي محمد شهاب الدين في “سفينة الملك ونفيسة الفلك” يكتب عن موشح “العيون الكواسر سبوني“، وقد سماه عقدة الصيداوي، ونجد طريقته مسجلة عند أحمد فريد في مطلع القرن العشرين مع “غراموفون”، بنفس السير النغمي الذي كتبه في “سفينة الملك ونفيسة الفلك”، أنا شبه متأكد أن أحمد فريد لم يقرا “سفينة الملك ونفيسة الفلك” أبدا، ولكنه أخذه مشافهة.

متوارث…  قبل أن ننتقل بشكل موسع إلى القرن التاسع عشر والعشرين والتدوين في هذا الزمان.

بالنسبة إلى ما تلى صفي الدين الأرموي، الأشخاص اللذين كتبوا على طريقته الأبجدية مثل الشرازي والمراغي في القرنين الرابع عشر والخامس عشر، هناك بعض المخطوطات مكتوب أنها للشرازي، ولكنها ليست للشرازي، والنساخ كتبوا وحرفوا، فنحن فعلا ليس لدينا تقييماً كاملاً عن كم عند الشرازي من مدونات، والمراغي أيضا، فالأتراك اللذين كانوا معنا في ألمانيا مثلا قالوا لي بأنهم إلى الآن يكتشفون كتابات بخط يد كنتامير في متاحف فرنسا وإنجلترا، نحن فعلا ليس لدينا رقم دقيق للأعمال التي كتبها الجماعة النظاميين، أي جماعة صفي الدين الأرموي وتلاميذه، وحتى الجماعة التي كانت تكتب بالحروف، من الصيداوي والصفدي واللاذقي وصاحب شجرة ذات الأكمام وصولا إلى (ميخاييل) مشّاقة، جماعة القرنين الخامس والسادس عشر باستثناء مشّاقة، وهم “شجرة ذات الأكمام” واللاذقي والصفدي والصيداوي إلى آخر هذه الأسماء، مخطوطات ملتبسة جدا، ولكنهم يكتبون بنظام “راست، دوكاه، سيكاه” إلخ، ويكتبون يمد على كذا ويقصر على كذا، فتستطيع أن تستنتج شبه أزمنة لهذه الألحان التي يصفونها للمقامات، أيضا لا نعرف بالضبط لأننا نكتشف شيئا جديدا كل فترة.

إذن هل من الممكن أن نستمع إلى نموذج من المدونات أو الأغاني  التي تم تدوينها في كتاب الشرازي؟

أكيد يا أهلا وسهلا، نسمع لحن “يا مليكا به يطيب زماني“، الذي نسب تلحينه قطب الدين الشرازي بنفسه لصفي الدين الأرموي. قول “يا مليكا به يطيب زماني” منسوب لحنه لصفي الدين الأرموي، شد “محير حسيني”، كما ورد عند قطب الدين الشرازي، أظنه يقصد “بشد” مقام، يبدو أنهم كانوا يسمون المقام أو النغم “شد” في وقتها، فإذن قول “يا مليكا به يطيب زماني”، “شد” “محير الحسيني”.

“نظامنا الموسيقي”، برنامج من إعداد: مصطفى سعيد.

 

 

  2014  /  الإذاعة  /  Last Updated أكتوبر 2, 2014 by Amar  /  Tags:
WP-Backgrounds Lite by InoPlugs Web Design and Juwelier Schönmann 1010 Wien