مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية بالتعاون مع مؤسسة الشارقة للفنون تقدم: “نظامنا الموسيقي”
في زمن ديمتري كنتامير الذي يعتبر بعد عدة قرون من استنباط طريقة التدوين عند الأرموي، هل طور هذه الطريقة بشكل ملفت، بحيث أنها تلم كل التفاصيل الموسيقية؟ وهل استطاع أن يدون عددا كبيرا، أو استطاع أن يحافظ على الموروث الموسيقي الذي كان الموجودا في زمنه؟
ديمتري كنتامير طور الكتابة لدرجة أنه مثلا بدأ يقول أصول دور كبير، ويكتب 28، يقصد أن هذا الدور الكبير هو 28، ونفس القصة في الإيقاعات الأكبر، فقد دون الأعمال الآلية مع الأصول ومع النغم، ولا يوجد فيها الكثير من اللغط، أكيد هناك لغط في مسألة السرعة، لكن معظم الأعمال مكتوب فيها نبض إلخ، لكن في بعض الأعمال القليلة كتب مثلا “أصول سماعي”، فتحتار ما إذا كانت 6 أم 10، وتقرأ بالطريقتين، لدينا فرق تركية عازفة لأعمال كتبها كنتامير 6، وآخرون عشرة.
يعني “ثقيل” أو “يورك”.
نعم ولكن في النهاية اللحن واحد، فاللحن قسمته تتماشى مع الاثنين معا، ليس سيئا بالتسجيلين، لكنه طبعا طور جدا لدرجة أنه بدأت تظهر عنده النوتة الصغيرة (petite note)، فقد طور الكتابة جدا وبدأ يدون على مساحات صوتية أعلى من الموجودة عند الشرازي.
الواضح من اسم ديمترى كنتامير أنه غير تركي، ولا عربي طبعا أو فارسي.
يبدو أنه كان من أمراء رومانية اللدين كانوا يذهبون إلى البلاط العثماني كرهائن لضمان ولاء الملوك، فكانوا يقولون أن علي أفقي بيه وديمتري كنتامير كانوا من الأسرى، الأتراك يسمونه أسير، ولكن ليس بمعنى أسير الحرب، هو رهينة يأخذه السلطان طفلا ويربيه عنده، حتى إذا كبر ضمن ولاءه بعد موت أبيه، وفي نفس الوقت هو رهينة حتى لا ينقلب الأب على السلطان العثماني، سواء علي أفقي أو ديمتري كنتامير هما الاثنين واحد من بلغاريا وآخر من رومانيا، لكن الاثنين من نفس الفئة، علي أفقي مات في خمسينيات القرن السابع عشر، ربما 1853، وديمتري كنتامير على الأرجح أنه مات سنة 1702.
هذا اسمه مسلم، علي أفقي.
أكيد لم يكن اسمه علي أفقين، سمي علي أفقي فيما بعد، كان سفيرا عثمانيا، علي أفقي لم يكن موسيقيا، كان يمارس الموسيقى، لكنه كان سفيرا، وكان يتقن عدد ا كبيرا من اللغات، كان مترجما للبلاط، فبالتالي أخذ لقب “البهاوية”، مع أن كنتامير لم يأخذه، وهو أي علي أفقي بيه أول شخص أدخل التدوين المعاصر آنذاك على التدوين الموسيقي في الشرق عامة، أول شخص كتب بالمدرج الخماسي وصاغ مفردات جديدة لعلامات التحويل الخاصة بالموسيقى في البلاط العثماني آنذاك هو علي أفقي بيه، لم يعمل على طرق صفي الدين الأرموي أبدا، اشتغل على المدرج الخماسي، يبدو أنه كان على علم بهذه الطريقة قبل أن يكون أسيرا أو قبل أن يكون رهينة لدى السلطان العثماني، كان على علم فبالتالي قرر أن يستعين بهذه الطريقة لتدوين الأعمال الموسيقية، ويبدو أنه كان يدونها لنفسه وليس لأحد، لأن هناك ملاحظات غريبة مكتوبة على أغانيه، كان يدون من الناس، وكان يكتب أنه هنا يريد ديوان صعودا وهنا يريد ديوان هبوطا لنفسه، لأنه يبدو أنه يريد أن يؤديها بهذه الطريقة، فكان يذكر نفسه، تجد في الهوامش أشياء غريبة مكتوبة من قبيل حبه لأدائها بهذه الطريقة، فهذا ليس كتابا، علي أفقي بيه لم يؤلف كتابا، إنما مسودات ورق مجمعة أو جمعت من قبل أحدهم، موزعة في متاحف أوروبا، لأغاني وأعمل آلية كان يحب أن يعزفها أو ربما كان يعزفها للسلطان لا أحد يعرف، لكنها ليست مجموعة في كتاب، ولا يوجد أي ظهير نظري لهذه المدونات، لكنها مدونات مدونة بنوتة إفرنجية صحيحة مع وجود الأصول النغم أي المقام أكيد.
على الرغم من أن علي أفقي أقدم من كنتامير.
على الرغم من أنه أقدم من كنتامير، لكنه استخدم النوتة الإفرنجية، وديمتري كنتامير يبدو أنه أتى بعمر أصغر واضطلع على المخطوطات الموسيقية الأقدم، فيبدو أنه طور طريقة الأبجدية الموجودة في القرنين الثالث والرابع عشر.
بالنسبة للإنتاج الموسيقي الذي تم تدوينه، هل كان كله تركي لأفقي وكنتامير؟
لا لم يكن كله تركيا، أولا علي أفقي لديه نصوص فارسية وعربية.
ممتاز.
كانتمير نظامه كله آلي، إلا قليل جدا غناء، علي أفقي هو من دون غناء، لذلك علي أفقي أخذ النظام الموسيقي الأوروبي ودون من اليمين إلى الشمال، كل مدونات علي أفقي تجد فيها المفتاح مكتوب على اليمين، والزمن مكتوب على اليمين والنوتة مكتوبة من اليمين إلى الشمال وفوقها كلام الأغاني، فعلي أفقي هو من ابتدع نظام التدوين من اليمين إلى الشمال، أعتقد لأنه كان يكتب الكلام بالعربية، فكان يحب أن يقرأه من اليمين إلى الشمال مع النوتة، فهو كتب نوتة إفرنجية لكن من اليمين إلى الشمال.
– ما العمل الذي سنسمعه منك والذي ستختاره من هذين الكتابين، أي علي أفقي وكنتامير، طبعا كنتامير أغلبه موسيقى آلية وعلي أفقي ربما غناء، فماذا تختار لنا؟
– يمكننا أن نسمع صلاة العيد التي دونها علي أفقي، يمكننا سماعها بصوت شخص تركي، على أساس أنها قُرأت على أيامه، وربما شفويا لا زالت متداولة إلى وقتنا هذا، فيمكننا أن نسمع هذه الصلاة، “اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه” إلخ، يمكننا سماعها. والآن نستمع إلى “الدارج الحجاز”، المنسوب إلى مدني مصطفى عطري، عندما قرأنا التراجم السليمانية عرفنا أن مدني مصطفى عطري كان في أواخر القرن السادس عشر، وقد خدم في بلاط السلطان سليمان القانوني وما بعده، وأنه أتى من المدينة المنورة إلى الباب العالي، ومنسوب له “النعت الشريف”، ومنسوب له أيضا بعض نصوص الأغاني العربية الموجودة في كتاب علي أفقي بيه، وفي كتاب علي أفقي وديمتري كنتامير موجود هذا “السماعي الدارج الحجاز”، الذي له أكثر من خانة، ولكن نحن لدينا خانتان فقط مسجلتان مع سامي الشوا، هو وزكي القانونجي وبيترو العواد وعلي الدرويش “لبيضافون” سنة 1924، من المؤكد أنهم لم يقرؤوا كتاب علي أفقي بيه، لكنه تداول بالمشافهة حتى وصل إليهم، لكنه موجود بنفس اللحن مع زيادة خانات أخرى عند ديمتري كنتامير.
– في زمن ما بعد كنتامير، نعود طبعا ونتكلم عن الموسيقى العربية، كيف كان التدوين الموسيقي قبل القرن التاسع عشر؟
– آنا أعتقد أن التدوين الموسيقي الموجود عند جماعة القرنين الخامس والسادس عشر لم يكن القصد منه التدوين بقدر ما كان للتعليم، وأن التدوين لم يكن هو الصيغة الأساسية لنقل الإرث الموسيقي عبر الأجيال، وإنما كان التداول الشفهي.
– نعم.
– وهذا يبدو إلى حد وقت قريب جدا، لأن النماذج الموجدة عند الشخص الذي كلف بكتابة القسم الموسيقي في كتاب “وصف مصر” لحملة نابوليون، فيلوتو هو مؤلف موسيقي ومنظر ومدرس، عاش في آخر القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أتى إلى مصر مع الحملة ودون الكثير من الألحان، يبدو أنه رآي، لأنه يقول عن طريق أصدقاءنا اليونانيين استطعنا الاضطلاع على مدونات لديمتري كنتامير، ويبدو أنه اضطلع على علي أفقي، أنا لست متأكدا، لكن على الأقل كنتامير نفسه كتب أنه اضطلع عليه، كتب أنه عندما ذهب عند الموسيقيين، وهم رأوا أنه يكتب من وراءهم، ثم يعود ويغني ما كتبوه، معظم الناس كانوا يهربون لاعتقادهم أنه سحر، وأن هذه الكتابات طلاسم، هو قال ذلك والعهدة على الراوي أنا لا دخل لي، فبالتالي يبدو أن النوتة لم تكن متداولة ومعروفة، لا بالطريقة الأبجدية ولا بالطريقة الإشارية للمدرج الخماسي، هو كتب نماذج لأغاني كان المصريون يغنونها في الشارع، حتى أنه كتب نموذج لأغنية “ساري عسكر داير يسكر” إلخ، كتب نموذج لهذه الأغنية، لا أعرف لماذا كتبها، لكنها أكيد تهاجم الحملة، وتهاجم نابوليون بونابارت جدا، لا أستطيع أن أفهم لماذا كتبها.
– هي أغنية معاصرة في ذلك الوقت.
– أغنية معاصرة في ذاك الوقت، وكتب أيضا ألحان يقال أنها قديمة وموشحات، لدينا مثلا لحن مثل “يا لابسين الشيشكلي”، دونه ولدينا تسجيل له في مطلع القرن العشرين بأصوات كثيرة ، لكن أبرزها صوت بدرية سعادة في بيروت مع “بيضافون”، تغنيه بكلمات أخرى “يلا بينا يا حبي نسكر”، نفس لحن “يا لابسين الشيشكلي”، وهو على فكرة من السهل جدا قراءته، فيلوتو كتب المقام حسب ما قال له الموسيقيون آنذاك، وكتب الضرب الإيقاعي، ثم كتب علامات تحويل للدرجة الغريبه على أذنه، إذا صرفنا النظر عن الكثير من هذه العلامات، فنحن بالمعطيات التي أعطانا إياها كالإيقاع والنغم، من المؤكد أننا سنستنبط 100% من النوتة وليس أي نسبة، سهل جدا قراءته فهو ليس صعبا، الرجل قدم نموذجا للتدوين البسيط ونموذج للزخارف التي كانوا يقومون بها، نفس اللحن مكتوب مرتين، كتب الصيغة البسيطة للحن ثم صيغة أخرى مع الزخارف.
– طبعا أنت تكلمت عن علماء الحملة الفرنسية والتدوين بالأسلوب الغربي المعاصر آنذاك، وهو شبيه بالموجود اليوم.
– هو نفسه إلا أنه أضاف بعض العلامات إلى الدرجات التي يقول إنها غريبة على أذنه.
– وضع حرف x على النغمات التي يقول أنها غير اعتيادية.
– لكن نحن لسنا بحاجة لأننا إذا عرفنا مسار المقام يسهل جدا استنباطه.
– في المقابل هل حاول العرب أن يستخلصوا تدوين للنظام الموسيقي في نفس الوقت أو بعده بفترة؟
– “سفينة القبيسي” وهي قبيل الحملة الفرنسية تقريبا 1786، ثم “سفينة محمد شهاب” التي كتبت تقريبا 1836 تعاملا مع المسائل بنفس الطريقة، طريقة التنظير الموسيقي وكتابة المقامات، والإيقاعات مكتوبة “بالدموم” “والتكوك”،والموشحات مكتوبة بالمقام والضرب، فيقول لك: “موشح حير الأفكار” ضربه “مربع” من “الكردان”، ووضعه في وصلة “الراست”، فبالتالي هذا أقصى تدوين عند هؤلاء الناس. ميخائيل مشاقة كتب ألحان 95 مقام، لكن ألحان بسيطة نفس طريقة التدوين الموجودة في “الشجرة ذات الأكمام” وعند اللاذقي والصفدي والصيداوي.
– مسألة استخدام النوتة، مثلا “راست دوكاه سيكاه”، بحيث أنه يفسر فيها اللحن نفسه، “راست دوكاه راست”، هل ان هذا موجود أيضا أم لم يستخدموا هذه الطريقة؟
– منذ “الشجرة ذات الأكمام” إلى ميخائيل مشاقة ليس موجودا، في السفن ليس موجودا أيضا.
– متى بدأ تدوين الموسيقى المعاصرة، أعني القرن التاسع عشر؟
– الموسيقى العربية المعاصرة بدأت كتابة النوتة فيها عندما فتح محمد علي مدرسة للعسكرية، لدينا بعض الشواهد لأشخاص كانوا يكتبون النوتة على الطريقة الإفرنجية في القرن التاسع عشر ، لكن كانوا يكتبونها لغرض عسكري بحت، معظمها كانت “مرشات”، ومعظمها كانت تدوينات لألحان مثل “توبي يا حلوة” أو “العفو يا سيد الملاح”، وعلى فكرة لديها صدى في تسجيلات مطلع القرن العشرين مع فرقة البيادة المصرية أو موسيقى مدرسة البوليس، لكن بصراحة هي تدوينات تشوه أكثر ما توصل اللحن، لأنها أكيد كانت لأشخاص تعلموا في فرنسا، ولا يعرفون أي شيء في التدوين الماجور (Majeur) والماينور (Mineur )، وكانت طبعا قسمة الألحان صعبة، يمكننا أن نسمع “كادني الهوا” مثلا كيف عزفته موسيقى النحاس، الآن نسمع المذهب الذي يُغنى رسميا كيف يبدو. ء رأيت؟ كأنه لحن آخر، ليس اللحن ذاته.
– نعم، بالنسبة إلى التدوين الموسيقي عند محمد ذاكر، هل كان له علاقة بالعسكرية؟
– نعم هو تخرج من المدرسة العسكرية، لكنه كان على اضطلاع بأصول الموسيقى العربية والتركية آنذاك، فقد درس النوتة الإفرنجية، ويبدو أيضا أنه اضطلع على كتب “السازيندا” التي كانت تحتوي على بعض المدونات التركية، مثل محمد هاشم إلخ، وأحال في كتابه أكثر من مرة إلى هذه الكتب إذا أردت أن تعرف النوتة، كتب طريقة تعليم النوتة، لكن لم يدون شيئ أبدا.
– نعم.
– فبالتالي هو دون تسلسل المقامات، لكن ليس هناك أي بشرف مدون بيده، فأنا بصراحة لست متأكدا من قدراته على القراءة والكتابة، لأنه ليس لدينا أي شيء مدون بخط يده، يبين لنا ما إذا كان يعرف ام لا التدوين بشكل جيد. من يعرف حقا هو كامل الخلعي، كامل الخلعي دون بعض الموشحات بخط يده، ويبدو أن كتاباته فيها حد بعيد جدا من الدقة، ليست كالكتابات فرقة “النحاس” العسكرية أبدأ، فقد دون بالتفصيل، وعلامات التحويل لديه صحيحة، “الإسات” وقسمة اللحن على النغم والإيقاع صحيحة، فبالتالي يبدو أنه كان متمكنا جدا من أدوات الكتابة،بالطريقة الإفرنجية، فقد اعتمدوا هذه الطريقة يبدو من القرن التاسع عشر، حتى أن هناك رواية تقول أن عبده الحامولي عندما ذهب إلى السلطان العثماني وعده أن يدون له أدواره بالنوتة الإفرنجية حتى يسهل على الموسيقيين الأتراك غناءها للسلطان وقت ما شاء.
– نعم، أيضا في نفس الوقت كان هناك الأخوان توفيق واسكندر وتوفيق شاملي أو شامي، كانوا يعملون في اسطنبول، هم من سوريا من دمشق، قدموا الكثير من كتب “السازندا” التي ألفوها، على الأغلب كانت قطع موسيقية مدونة بشكل دقيق، وأيضا قدموا شرقي أغاني عثمانية وبعض الأدوار، يعني ربما في الكتاب يوجد دور واحد.
– صحيح.
– كان من قبل أناس عرب في ذلك الوقت، ولكن في اسطنبول نفسها، هنا نأتي إلى سؤال، النوتة التي تم استخدمها عند الأتراك والعرب آنذاك، التي كانت تعتبر أن الخط الأول يعادل نغمة السي أو البي (Si,B)، في حين أن النوتة العالمية تعتبر أن الخط الأول يعادل نغمة المي أو الـ إي (Mi, E)، هذا الاختلاف في تفسير كل خط في النوتة العالمية يعني أن هناك أكثر من نوتة، حتى وإن كان الشكل واحدا، هل لديك اضطلاع على هذا الموضوع؟
– كل ما أستطيع قوله في هذا الصدد أن علي أفقي بيه “اليكاه” عنده هي ري (Re)، لماذا؟ هل لأن أول خط هو مي (Mi)، فبالتالي وضع “اليكاه” تحت الخط الأول، أم ما هو القصد؟ أنا لا أعرف، حتى هذه الفرضية أنا لست متأكدا من صحتها أكيد، لماذا وضعوها ري (Re)؟ التفسير الأقرب هو لأن الخط الأول مي (Mi)، فبالتالي “اليكاه” تكون ري (Re)، فتعزف أنت من “المنصور” أو تعزفها من “الشاه” أو من “الكيز” أو من “اليلدز” أو من “السيبيردا” أو من “البولاهنك” كما تريد أنت، ليس مهما.
– نعم.
– الدليل على أنهم لم يكن لديهم طبقة/مقر افتراضي/ ظاهري (virtual) هو أنه مثلا في كتاب “سفينة الملك” مكتوب: “الشيء بالشيء يذكر الطبقات”، وقد ذكر أربع طبقات “السفارجا” “والكوجاك”، يبدو أنه يقصد “السيبيردا” “والكيز”، ولكنه فهمهم كذلك، لكن الطباق هي عدة طبقات: “الداود” “والشاه” “والمنصور” “والكيز” “واليلدز” “والسيبيردا” “والبولاهنك”، يبدو أن هذه هي الطباق التي كانت تستعمل، وهي طول عقل الناي، الأطوال المختلفة للناي، هذه كانت الطبقات، بصرف النظر على أي طبقة تعزف، “اليكاه” هي الري (Re)، كيف تترجمها لاحقا أنت حر.
– المصطلحات تقصد بها أن الأغنية أو القطعة التي تعزفها تكون على أكثر من درجة، بالاعتماد على مصطلح الطبقة الموسيقية المعينة أو النغمة الموسيقية.
– صحيح،
– والدارج ربما “البولاهنك”.
– حاليا في تركيا الدارج الأكثر شيوعا هو “البولاهنك”، ولكن هل كان هذا من قبل؟ لا الاسطوانات لا تقول ذلك أبدا.
– طبعا هذا التدوين العرب يسمونه اليوم تدوين تركي.
– كلا مسألة تركي وغير تركي ليست دقيقة، فمؤتمر الموسيقى العربية دون كذلك، وسامي الشوا في كتابه الأول دون كذلك، ثم عاد وأنزلها إلى أربعة،، يعني أنا أعتقد أنها مسألة خيارات لا أكثر.
– حتى في كتاب جميل بشير “العود وطريقة تدوينه” سنة 1960، هو ليس قديما جدا، وقد دون بهذه الطريقة.
– نعم ولكن “اليكاه” على عوده كانت فعلا ري (Re)، هذا يعني أنه كان يعزف من “المنصور”، إذا “اليكاه” هي ري (Re)، تكون الراست صول (Sol)، إذن هذه طبقة “المنصور” حسب الاصطلاح التركي.
– قديما كان يذكرون النوتة الغربية والنوتة الشرقية، النوتة الشرقية التي كانت تعتبر أن أول خط سي (Si) بالنسبة لنا اليوم، والنوتة الغربية الموجودة اليوم وأول خط فيها مي (Mi)، هذا للتوضيح لأنني عندما كنت صغيرا كنت أسمع أن شخصا يقول أنه يقرأ نوتة شرقية وغربية، كنت أظن أنه يبالغ.
– مفتاح دو (Do) ومفتاح صول (Sol).
– لكن كلامه كان صحيح، فهمت لاحقا أن الكلام الذي قاله صحيح ودقيق، لكنه جهل مني أنا فاعتبرت أنه كان يبالغ، طبعا اليوم هناك إجماع على استخدام النوتة الموسيقية في المعاهد الموسيقية العربية، وبين أوساط الموسيقيين المثقفين أو الأكاديميين، هذه النوتة الآتية من ثقافة مختلفة جدا وهي الثقافة الغربية، وبالأساس وضعت لها، نحن نستخدمها اليوم مع بعض التحوير، مثلا حول أرباع الطنين واستخدام شكل مميز لتوضيح تلك الأرباع، ربع “الدييز” وربع “البيمول” ، هل هذا كافي لتفسير الموسيقى العربية ولتدوينها، أم هل النوتة فيها قصور؟
– حتى الطريقة التركية التي تحوي علامات تحويل أكثر من عندنا هي قاصرة، لأنهم حتى عندما كانوا يدونون في القرن التاسع عشر وأول القرن العشرين، الموسيقيين الممارسين كسامي الشوا مثلا، كان دائما يكتب ملحوظة بأنه يا جماعة هذا لا يعني أنه دقيق، إنما لا بد من أن تستمع وتتلقى هذا على يد أستاذ، فقد كان تدوين توثيقي أولي للعمل، حتى العلامات الكثيرة للجذب صعودا وهبوطا في المقام تختلف، طريقة أداءها تختلف، النوتة أثبتت هذا الكلام، ثم الدوزان المعدل للبيانو المعاصر، وهو 100 سنت يساوي 2/1 طنين، فبالتالي 50 سنت يساوي 4/1 طنين، أنا أتعب جدا عندما أسمعه، تتعبني هذه الأبعاد الثابتة للمقام الواحد، صعودا وهبوطا بنفس الطريقة يتعبني، وبالتالي أعتقد أن التدوين مهما كان دقيقا، ومهما ابتكروا علامات تحويل، لن ينفع أبدا، فالموسيقى عندنا ليست هرما رأسيا هرمونيا، فبالتالي دور السمع فيها كبير جدا، وعملية الأداء جزء من عملية التأليف، ليس المنفذ الأدق هو الأجود في النهاية، إنما المؤول الأفضل هو الأجود، فبالتالي المعول ليس على طريقة قراءتك الورقة وتنفيذها، إنما المعول على كيفية أداء للنص الموسيقي، كيفية تأويلك للنص الموسيقي هو ما يحدد مدى جودتك كموسيقي، فعملية التأليف وعملية الأداء عمليتين غير منفصلتين، المؤدي هو جزء من عملية التأليف، ليس كالغرب وهي أنك كل ما نفذت رغبة المؤلف بطريقة أدق، وأنا هنا أتحدث عن الغرب في أول القرن التاسع عشر، ليست الموسيقى الغربية في المطلق، أنا أتكلم عن الموسيقى الغربية من حقبة “الرومانسية” وما بعدها، كلما نفذت إرادة المؤلف بشكل أفضل ، كلما ما كنت أدق تنفيذا، لكن حتى في عصر “الباروك” (The Baroque Period) “الباسو كوتينوو” (Basso Continuo) كان مرتجلا، وعند موزارت هناك تأويل في النصوص، فبالتالي حتى شرقا وغربا التدوين لم يثبت فعلا جدارته في أن يحول الفن المسموع إلى فن مقروء.
– نختتم بسؤال خطر على بالي حول أسماء النغمات، ” السيكاه والنوى والحسيني” إلخ، هل هذه المسميات قديمة جدا، أو كانت شيء وأصبحت شيء آخر، أم تم تطويرها أو لا أعرف ماذا لديك حول هذه القضية؟
– في القرن الرابع عشر نجد المصطلحات: “يكاه دوكاه سيكا جهاركاه بنجكا شيشكا هفتكا”، قرارا جوابا، ثم يقولون أنه استب اسم “اليكاه” “بالراست” دلالة على استقامتها، وهي أن سلم هذا الدوزان السلطاني مستقيم، “وراست” كلمة فارسية تعني مستقيم، وأنه استبدل لفظ “بنجكا” “بالنوى”، فيبدو أنها تحولات صارت عبر القرون، ثم يبدو أن “اليكاه” أصبحت أول نغمة، “والدوكاه” أصبحت على بعد خمسة منها، هذا ما يقوله الخلعي، فيبدو أنها تحولات على مدار السنين، لكن يبقى أنه إذا عرف الشخص أنها كانت “يكاه دوكا سيكاه جهاركاه بنجكاه شيشكا هفتكا”، وهي الدرجة الأولى الدرجة الثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة أصبحت ديوان، يكون هذا الدوزان السلطان، سيفهم هذا الدوزان من أين أتى وكيف يبدو، ليست شيئا صعبا.
– افتراضا أن أغلب المصطلحات فارسية، هل يعني أن موسيقانا أصلها فارسي، فما تفسرك لموضوع أن أغلب المصطلحات فارسية؟
– إبن سينا كتب عن “الراست مستقيم، فهل كان مستقيم ثم أصبح “راست”، لأن البلاط الجاذب أصبح في تركيا، وكان معظم الموسيقيين فرس أيام سليمان القانوني، ومن قبله وبعده بقليل استقدم الموسيقيين اللذين كانوا عند الصفوي، فأخذت أسماء فارسية، أم كان قبل ذلك؟ هو تقليد موسيقي عام مشترك.
– يذكر تشين تشين كاريكورير (Chin Chin Karikorer) الباحث التركي وعازف العود المشهور أن التسميات المعاصرة للمقامات التي تم تأليفها مؤخرا في القرن العشرين، كان المؤلف يتعمد أن يضع لها مسمى فارسي وإن كانت عثمانيية، لإعطاء نظرة أعمق وأقدم للمقام، ليكون منسجما مع النظام الموسيقي المعروف.
– ربما مثل الإيطالي مع الأوبرا أو “البلكانتو” (Belle Canto)، هم كانوا يعتبرون أن الفارسية هي لغة الموسيقى أو لغة البلاط، لا أحد يعرف.
– أو لأنه كما ذكرت أن الفرس اهتموا بالموسيقى النظرية وتدوينها.
– يعني مثلا تحديدا مثل قصة عناوين الكتب، لماذا كانت بالعربية، لماذا كان عنوان كتاب كنتامير وحتى محمد هاشم ومعظم الكتب التركية التي كتبت في القرون السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر معظمها معنونة بالعربية، العنوان بالعربية ولا يوجد أي كلمة عربية في الكتاب، يا عالم كيف كانوا يقسمون التقسيمة اللغوية، نحتاج إلى عالم إناسة ليشرح لنا هذه المسائل، أنا بصراحة ليس لدي تفسيرا محددا لها. أنا أرجح أن نختم الحلقة بسماع عمل معزوف بشكل تأويلي، ونفس العمل معزوف بشكل قراءة للنص الموسيقي دون أي نوع من التأويل ما قوللك؟
– حسنا، إذن سنستمع إلى نموذجين لنفس العمل بشكلين مختلفين.
– في ختام هذه الحلقة نشكركم على الاستماع، وسلامي أنا محدثكم أحمد الصالحي، وضيفي الذي هو ضيف الضيف الأستاذ مصطفى سعيد.
“يا صباح الفل”
أهلا.
“نظامنا الموسيقي”، برنامج من إعداد: مصطفى سعيد.
الحلقات الأخيرة
- 221 – زكريّا أحمد – 12 (1/9/2022)
- 220 – زكريّا أحمد – 11 (1/9/2022)
- 219 – زكريّا أحمد – 10 (11/25/2021)
- 218 – زكريّا أحمد – 9 (10/26/2021)
- 217 – زكريّا أحمد – 8 (9/24/2021)
- 216 – زكريّا أحمد – 7 (9/4/2021)
- 215 – زكريّا أحمد – 6 (8/28/2021)
- 214 – زكريّا أحمد – 5 (8/6/2021)
- 213 – زكريّا أحمد – 4 (6/26/2021)
- 212 – زكريّا أحمد – 3 (5/27/2021)
- 211 – زكريّا أحمد – 2 (5/1/2021)
- 210 – زكريّا أحمد – 1 (4/28/2021)
- 209 – والله لا أستطيع صدك 2 (4/6/2017)
- 208 – والله لا أستطيع صدك 1 (3/30/2017)
- 207 – بشرف قره بطك 7 (3/23/2017)