You are here:   Home  /  الإذاعة  /  082 – عوالم يغنين الأدوار 1

082 – عوالم يغنين الأدوار 1

enar

031-UKI-A Umm Kulthum, El Full Wel Yasmin Wel Ward I005-AKS-1-A Asmaa Kumsareya, Ala Rohi Wana El Gani I

 

 

مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية بالتعاون مع مؤسسة الشارقة للفنون تقدم: “دروب النغم”

“كان القانون أحب آلات الطرب إلى نفسه، لا لمهارة العقاد وحدها، لكن لسرّ مستلهم من طبيعة أوتاره، ومع أنه كان يعلم أنه لن يستمع إلى العقاد أو سي عبده، إلا أن قلبه العاشق دار بعشقه ما قصر دونه الفن، وما أن فرغت الجوقة من عزف البشرف، حتى انطلقت العالمة تنشد “والذي أسكر من عرف اللمى”، فلحقت بها الجوقة بحماس، وكان أكثر ما يطرب فيها صوتان متجاوبان، أحدهما غليظ عريض للعازف الضرير، والآخر رقيق يندى بالطفولة لزنوبة العوادة، فجاش صدر سيد بالانفعال، فابتدر الكأس الذي بين يديه فأفرغه في جوفه، واندفع يشارك في إنشاد التوشيح، وقد وشت نبرات صوته عند مطلع الغناء بشرق في حلقه لاندفاعه إلى الإنشاد قبل أن يتم بلع ريقه، وما لبث أن تشجع بقية الرفاق وحذوا حذوه، وسرعان ما انقلب البهو جوقة تنشد عن صوت واحد، ولما ختم التوشيح تهيأت روح سيد بحكم العادة للاستماع إلى التقاسيم والليالي، ولكن العالمة ذيلت الختام بضحكة من ضحكاتها الرنانة معلنة سرورها وعجبها، ومضت تهنئ أفراد الجوقة المستجدين مداعبة وتسألهم عن الدور الذي يودون سماعه، فانزعج السيد في باطنه، ومرت به لحظة كدر امتحن فيها ولعه بالغناء امتحانا قاسيا لم يفطن إليه كثيرون ممن حوله، ولكنه أدرك في اللحظة التالية أن زبيدة ليست كفئا لتقاسيم الليالي شأن جميع العوالم، بما فيهن بمبة كشر نفسها، فتمنى لو تختار المرأة طقطوقة خفيفة مما تغنى للسيدات في الأفراح، مفضلا هذا على محاولة غناء دور من أدوار الفحول، ستعجز حتما عن إجادة ترجيعه، وصمم على أن يتفادى من المتاعب التي تخافها أذنه بأن يقترح أغنية خفيفة تناسب حنجرة الست، فقال: “ما رأيكم في “عصفور يمٌا عصفوري”، وحدجها بنظرة ذات معنى كأنما ليثير في نفسها إيحاء هذه الطقطوقة التي توجت بها حوار تعارفهما في حجرة الاستقبال منذ أيام قلائل، ولكن جاء صوت من أقصى البهو يصيح ساخرا “الأولى أن تطلبها من أمك”، وسرعان ما ضاع الاقتراح فيما تفجر  من قهقهات أفسدت على سيد خطته، وقبل أن يكرر محاولته طلب نفر “يا مسلمين يا أهل الله”، وطلب آخرون ” سلامتك يا قلبي”، ولكن زبيدة التي تحاشت أن ترضي فئة على حساب أخرى، أعلنت أنها ستغنيهم “على روحي أنا الجاني”، فاستقبلت بترحاب حار، ولم يجد السيد بدا من توطين النفس على الانبساط  مستعينا بالشراب وبأحلام ليلته الواعدة، فتألق ثغره بابتسامة وضيئة أدرك بها رجب النشاوى بلا كدر، بل وجد عطفا على رغبة المرأة في محاكاة الفحول إرضاءًا لمستمعيها الراسخين في السماع، وإن لم يخلو حالها من غرور تألفه الغواني.”

من رواية “بين القصرين”، ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة نبدأ سادتي المستمعين حلقة اليوم من برنامج “دروب النغم”، والصوت المألوف لنا صوت “عمنا وعم عيالنا” الأستاذ الدكتور فرديريك لغرانج، هو من اختار البداية لحلقة اليوم عن نساء يغنين الأدوار أو عوالم يغنين الأدوار.

رأيت أن هذا المقتطف من رواية “بين القصرين” لنجيب محفوظ مليء بالمعلومات المفيدة، وعلى فكرة هي تبرهن مدى علم نجيب محفوظ ببداية القرن العشرين وحصيلة نهاية القرن التاسع عشر، على سبيل المثال يبدو أنه إن كان السيد أحمد عبد الجواد يمثل بأمانة فئة السميعة في بداية القرن، إنهم كانوا يفصلون بشكل صارم بين الحصيلة التي كانت تغنى من قبل الرجال والتي كانت تغنى من قبل النساء، وأن أي تخطي لهؤلاء وأي محاولة من طرف النساء في مجال غناء من يسميهم بالفحول، وطبعا نلتمس ما في كلمة فحول من إيحاءات الذكورة، أي تخطي منهن يكون  بمثابة الغزو غير الشرعي لمجال لسْن متمكنات منه، لدرجة أنه يشك في قدرتهنّ على أداء هذه الأدوار الدسمة الكبيرة، هذه الدرر لإنتاج المدرسة الموسيقية الخديوية، ويرى أن النساء لسن قادرات على هذه الموسيقى، هناك معلومات أخرى على سبيل المثال، هناك ذكر للعازف الضرير، العازف الضرير لماذا؟ لأن جوقة أو تخت النساء لا بد من أن يتكون من نساء، لكن ما لو تغيبت إحدى العازفات لسبب أو آخر، ماذا لو غاب القانون أو العود أو آلة أخرى، فكان لا بد من أن يستعيضوا عن التي تغيبت بعازف آخر، وإن كان من الذكور فبالتالي لا بد من أن يكون ضريرا لكي لا يرهن ربما وهن يتهيأن للغناء، أو في حياتهن العادية،

بما أن معظم حفلات العوالم كانت في “الحرملك”، فلا يجب أن يرى الحريم.

بالضبط  لا يجب أن تكون مع الحريم في “الحرملك”، عندما تدعى العوالم إلى الحفلات في “الحرملك”، ولا شك أنه ربما سيكون من ضمن العوالم سيدة لا ترضى أن يراها رجل في مثل هذه المناسبات.

نعم، أنا أذكر مما يزيد عن عشر سنوات حضرت إحدى مجالس صالونات نجيب محفوظ، التي كان يعقدها دوريا في إحدى الفنادق في وسط البلد، أذكر أنه قال لي شخصيا أنه قد تعلم القانون في صغره، وأنه كان يعزف على قانون دون عرب، قال لي: “كنت أعزف القانون، ولكن ليس قانون هذه الأيام”، فقلت له دون عرب مثل القضابي والعقاد ومصطفى بك رضا، فقال لي:”هذا من علمني، من أين عرفت هؤلاء الأشخاص؟”

يا سلام.

هذا كان الحوار الذي دار بيني وبينه بالضبط، قال لي:”أيوة القانون من غير الحجات دي إللي بحطوها عالشمال”.

مضحك.

أذكر هذا الحوار بشكل جيد. ويبدو أنه من هنا أتت رغبته في وضع علاقته مع القانون في السيد أحمد عبد الجواد.

أكيد وذكر العقاد الكبير، واستساغة السيد أحمد عبد الجواد لهذا القانون لا شك أنه يعكس استساغة نجيب محفوظ نفسه لهذه الآلة. هناك أيضا في هذا المقتطف ذكر لبمبة كشر، هذه السيدة الغامضة التي ذكرت، وحتى أنه لدرجة أن هناك فيلم من أفلام الستينات لحَسَن ألإمام كرس لبمبة كشر، ولكن قد تكون بمبة كشر مجرد أسطورة، أنا أرى أنها غالبا كانت شخصية تاريخية، هي فعلا  كانت عالمة من عوالم أواخر القرن التاسع عشر، ولكن يبدو أنها لم تُسجل، أو هناك فرضية أخرى سنعود إليه لاحقا، وهي أن تكون بمبة العوادة هي نفسها بمبة كشر، والله أعلم هذا لغز تاريخي لن نستطيع البت فيه.

على كلن إذا كانت بمبة العوادة، إذن فيلم حسن الإمام مبني في عصر غير عصر بمبة كشر أو بمبة العوادة.

أكيد.

أنا صراحة معترض على شيء، وهو ما يمكن أن نبدأ به الاستماع اليوم، وهي عدم إجادة أي من العوالم لتقاسيم الليالي والموال، بصراحة أنا معترض على هذا.

أنا لدي تحفظات غير أن السيد أحمد عبد جواد هو الذي يتكلم وليس بالضرورة نجيب محفوظ، أو لا ندري بأي قدر  يمثل السيد أحمد عبد الجواد ما يدور في خلد نديب محفوظ نفسه، ولكن إن كان سي السيد يمثل السميعة في بداية القرن العشرين، فلا شك أنه بالنسبة لهؤلاء السميعة السيدات لم يكن باستطاعتهن غناء الليالي أو إجادة التقاسيم أو غناء الدور، على هذا الأساس يقترح على العالمة أن تغني” عصفوري يمٌا عصفوري”، ونعرف أن “عصفوري يمٌا عصفوري” هي  هذه الطقطوقة التي لحنها داوود حسني، على فكرة هي مسجلة، ولكن المضحك في الحكاية أنها مسجلة بصوت رجل وليس امرأة.

أيضا هناك ملاحظة إيجابية، لا أعرف إذا كان نجيب محفوظ يقصدها أم لا.

هي حكاية المقامات، “والذي أسكر” مقامه بياتي. 

“عصفوري يمٌا عصفوري” مقامها بياتي أيضا، الدورين اللذين طلبا منها سيكاه، والدور الذي غنته “على روحي أنا الجاني” جهاركاه، فيبدو أنه لا أعرف أن كان هناك رسالة يريد أن يوصلها أم لا. 

ربما المدعوين غير أحمد عبد الجواد لا يعرفون المقامات، وهو الوحيد الذي يعرف أن هذه الوصلة هي بمثابة الوصلة المستحيلة، فلا يمكن غناء دور “على روحي أنا الجاني” مباشرة بعد موشح “والذي أسكر”، هذا شيء متناقض. 

ويبدو أنه يقول بأن السيد أحمد هو رمز للسميعة العتاق القدامى، وأن هؤلاء العمد التي أتت عقب الحرب العالمية الأولى إلى القاهرة، وهم حديثي النعمة.

تماما، انطلاقا من هذا المقتطف، هل كان السيد أحمد عبد الجواد جائرا؟ هل كان ظالما للعوالم، عندما يدعي أن الأصوات النسائية غير مؤهلة لأداء الدور، أليست هناك تسجيلات تؤكد العكس أنه من النساء من استطعن أن تؤدين الدور بطريقة مقنعة، بطريقة يضاهين فيها أداء الرجال؟

بل ومنهن من أدى الأدوار بوجهة نظرهن الشخصية أيضا، يعني ليس مجرد إقناع أو التزام بالمسار إلخ، إنما على العكس.

لسن فقط مؤديات أو مقلدات، إنما يرتجلن جملا من عندهن، ومن ضمن هؤلاء السيدات هؤلاء العوالم، على فكرة اسمهن عوالم بمعنى عوالم القرن التاسع عشر، وليس بمعنى عوالم في القرن العشرين.

وهذا كنا قد شرحناه في حلقات سابقة عن العوالم.

تماما وأظن أن واحدة مثل أسمة الكمثرية تثبت حرفيتها في أداء الأدوار، أيضا هناك نقطة مهمة جدا وهي قوة الصوت والمساحة الصوتية، نسمع مثلا “على روحي أنا الجاني”، طالما أن كنا في سيرة “على روحي أنا الجاني”، فلنستمع إلى “على روحي أنا الجاني” بصوت أسمة الكمثرية…

دور “على روحي أنا الجاني” بصوت الست أسمة، هي تغنيه من درجة قريبة من درجة الصول (Sol) البيانو الحالية، وهي عالية جدا أعلى من عبد الحي حلمي وأعلى من كل الناس، وتصل به إلى درجات لا تصل لها إلا مثلا أسمهان في “يا طيور” استعراضا في المقاطع الأبرالية التي تقوم بها.

يعني بصوت الرأس.

بصوت الرأس نعم، ولكن هي تصل إلى نفس هذه الدرجات بصوت الصدر بشكل عادي، بالطريقة العربية وليس بالطريقة الإفرنجية في الوصول إلى الدرجات العالية، فيبدو أن هذا هو التفسير لما تسميه أنت أنه شيء غير مستساغ.

هذه هي النقطة الثانية التي أردت أن أتكلم عنها، وهي عندما نستمع إلى هذه التسجيلات، تسجيلات كل الأصوات النسائية في بداية القرن العشرين، غالبا ما نشعر أن هناك عنصر لن أقول مُنفِر لأنها كلمة ثقيلة، ولكن هناك عنصرا غريبا في خامة أصواتهن، ربما غير مستحبة على خلاف الأصوات الرجالية، فأي شخص مباشرة سيعشق صوت عبد الحي حلمي وصوت المنيلاوي وصوت وصالح عبد الحي وصوت أبو العلا محمد، يعني هذه الأصوات ليست غريبة، طبعا تقنية الغناء تختلف جذريا عن تقنية الغناء في بداية القرن الحادي والعشرين، ولكن خامة الصوت هي خامة مستحبة غير غريبة للأذن.

أنا سأختلف معك قليلا في هذه المسألة اختلافا مشروعا، وهي أن الناس  المعتادة على الموضة  أو الناس المعتادين مثلا على طريقة عبد الحليم حافظ فيما بعد لن يستوعبوا عبد الحي حلمي أو المنيلاوي، أعتقد أنه ما حصل أن السيدات قلبن طريقة غنائهن قبل الرجال. 

أم كلثوم

أم كلثوم

الخط الفاصل هو أم كلثوم، صوت أم كلثوم في أدوارها هو نفس الأصوات النسائية المستحبة في بداية القرن العشرين، وصوت أم كلثوم في أدوارها يختلف تماما عن واحدة مثل أسمة الكمثرية، فهل يعود ذلك إلى مجرد نقطة تقنية الغناء التي تغيرت تقريبا ربما في العشرينات من القرن العشرين، أو يعود ذلك إلى تقنيات التسجيل؟ يعني هل يشوه التسجيل البدائي في بداية القرن الأصوات النسائية أكثر مما يشوه الأصوات الرجالية؟

هناك شيء من ذلك في حكم أن هناك طبقات عالية، وهم كانوا يأخذون الأدوار أو الأغاني بشكل عام من طبقة أعلى، في العشرينات يبدو لهذا السبب أو ربما من ضمن الأسباب وهي مسألة أن الترددات عالية جدا على البوق، فبالتالي تحصل عملية إشباع، قد يكون هذا سبب من الأسباب أنهم قرروا لاحقا في العشرينات أن يأخذوا الأغاني من طبقة أقل بطنين تقريبا، أي بثالثة كبيرة عن ما كانوا يقومون به في مطلع القرن العشرين، وهذا مثلا في تسجيلات أم كلثوم مع “أوديون” سنة 1923، كان لا يزال هناك بقايا للصوت القديم للسيدات، بعد ذلك بأربع سنوات انتهى كل شيء.

هذه الإزعاج/ الضوضاء في الصوت لم يعد مستحبا بعد الثلاثينات تقريبا. نحن معتادين على أن يكون هناك شيء من الخنافة في الأصوات الرجالية، إنما خنافة في الأصوات النسائية لا، وأيضا هذه ميزة الأصوات القديمة هناك خنافة بسيطة في هذه الأصوات، هذا شيء يميز تقنية الغناء القديمة جدا عن ما نسمعه في الثلاثينات.

هذا صحيح لدينا نموذج ما من اللذين يأخذون الأغاني من طبقة عالية، ولدينا نماذج باقية مع نادرة أمين مثلا، لدينا نماذج باقية مع الست أنوسة في مؤتمر  1932، كان مستمرين في أخذ الأغني من طبقات عالية، على عكس مثلا أم كلثوم أو فتحية أحمد أو منيرة.

إلى هنا أصدقاءنا المستمعين نكون قد وصلنا إلى نهاية حلقة اليوم من برنامج “دروب النغم”، على أمل اللقاء بكم في حلقة جديدة، نتقدم بخالص الشكر والامتنان للأستاذ الدكتور فريديريك لغرانج.

“دروب النغم”

 

 

  2014  /  الإذاعة  /  Last Updated أكتوبر 23, 2014 by Amar  /  Tags:
WP-Backgrounds Lite by InoPlugs Web Design and Juwelier Schönmann 1010 Wien