You are here:   Home  /  الإذاعة  /  003 – الموشّح

003 – الموشّح

enar

 

هو أوّل فقرةٍ غنائيّةً في الوصلة، يَسبقه العمل الآليّ الذي يستهل الوصلة سواءً كان بشرفَ أو سماعي ويتلوه التقسيم والليالي ثمّ الموّال فالدور.

قال عنه كامل الخلعيّ إنّه من صناعة أهل حلب ورغم أنّه الأقدم إلا أنّه ليس أوّل الوصلة. أمّا شهاب الدين في سفينة الملك ونفيسة الفلك فقد أورد أنّ أحد أهل الشام واسمه شاكر الدمشقي جاء بهذه التواشيح (على ما قاله هو) إلى مصر وصانها أهل مصر واحتضنوها ضمن ما تحويه فنونهم وأضافوا عليها ممّا حسّنها وجمّلها، وأضاف أنّ هذه الموشّحات هي من بقايا النغم العربيّ القديم في المشرق ونصوص أهل الأندلس.

 

كامل الخلعيّ

وإن صحّ ما قاله شهاب الدين في مضمونه غير أنّ مقاله هذا أوقع الكثيرين من الموسيقيّين والمنظرّين بل وعلماء الموسيقى في خطإٍ تاريخيّ وهو الاعتقاد أنّ هذه الألحان هي ألحانٌ أندلسيّةٌ وأنّها محفوظةٌ في حلب، وهناك من المحدثين من يسمّون وصلة الموشّحات الحلبيّة بوصلة الموشّحات الأندلسيّة، وهو الشائع للأسف. وهنا يجدر بنا أنّ نوضّح الفرق بين الموشّح كقالبٍ أدبيّ وبينه كقالبٍ موسيقيّ.

ليس الموشّح هو الاسم الوحيد الذي يحوي أكثر من معنى أو مضمون وبالنسبة للنغم فليس هو الوحيد الذي يحمل في طيّاته أكثر من قالب. فهناك أيضاً القصيدة بمفهومها الأدبيّ وبمفهومها الموسيقيّ والموّال وغيرها الكثير، فالموشّح كقالبٍ أدبيّ هو الذي ظهر في القرن التاسع الميلاديّ تقريباً وتبناهُ أدباء الأندلس إبّان حكم الدولة الأمويّة ثم تطوّر كثيراً إبان حكم ملوك الطوائف وتحديداً مع المعتمد بن عبّاد وبن زيدون وبن عمّار وأخذ في التطوّر بعدهم وممَن اشتهر به كذلك من شعراء الأندلس هو لسان الدين بن الخطيب. ويُقال أنّ النوبة وهي رديف الوصلة في الأندلس ومدّتها تقارب الساعة كان قوامها موشّحاً واحداً من بدايتها إلى نهايتها ولا يُعرف كيف كانت تُلحّن وما الثابت وما المرتجل فيها أو إذا كان هناك فواصل آليّة. غير أنّ هذا كلّه لا يعنينا في شيءٍ الآن، فحديثنا عن الموشّح كقالبٍ موسيقيّ ظهر وتجلّى في حلب أثناء القرن السابع عشر وهو قالبٌ موسيقيّ يُمكن أن يكون نصّه جزءاً من موشّحٍ كُتب في الأندلس أو قصيدةٍ كُتبت في بغداد أو نصٍّ بين الفصحى وإحدى اللهجات العاميّة  كما هو الحال في الكثير من الموشّحات التي تحوي ألفاظاً وأحياناً جملاً عامّية مصريّةً أو شاميّة.

 

سفينة الملك

ليس ثمّة شكل ثابت لقالب الموشّح، والحديث بالطبع عن الموشّح كقالبٍ موسيقيّ وليس القالب الأدبيّ، فهو شكلٌ تمّ تطويره عبر العصور، فيبدو أنّه قد تطوّر أصلاً عن قالب البسيط وهو أحد قوالب العصر العبّاسيّ فأصبح “بسته” في التقليدين العراقي والتركي وهو لحنٌ واحدٌ يُعاد ويتغيّر عليه الكلام وأحياناً ما يتخلّله بعض الهنك أي آه أو يا ليل أو آمان إلخ. ونستمع على سبيل المثال من هذا النوع البسيط إلى موشّح أحنّ شوقاً وهو الأشهر والأقدم في هذا النوع، مقام راست فرع سُزنَك إيقاع مصمودي كبير ذو ثماني نبضات، نستمع إليه بصوت الشيخ السيّد السفطي والمسجّل لشركة أوديون حوالي عام 1906 على وجهٍ واحد قياس 27 سم مصنّف رقم 47071 مصفوفة EX 1337 على تخت أوديون المكوّن من الحاج سيّد السويسي على العود وعبد العزيز أفندي القبّاني على القانون وعلي أفندي عبدو صالح على الناي.

غير أنّ وجود نوعٍ آخر أكثر تطوّراً لم يُلغِ النوع الأوّل فهناك موشّحاتٌ من النوع البسيط ملحّنة حتّى في القرن العشرين كموشّح “يا شادي الألحان” على سبيل المثال. يبدو أنّه في مرحلةٍ لاحقة تم مزج البسيط والقول، وهو أحد قوالب العصر العبّاسي كذلك وهو كالبسيط تماماً، لحنٌ يُعاد مرّتين على كلامٍ مختلف، ثمّ لحنٌ آخر يُسمّى ترنّم وهو لا يحوي كلاماً وإنّما فقط كالهنك آه أو يا ليل أو أمان وأيّام العبّاسيّين “تا” أو “ديرتا” أو “تانا” إلخ. فحين مُزِجَ هذان القالبان أنجبا موشّحاً على النحو التالي وهو الشكل الأكثر شيوعاً وانتشاراً وما يدرّس في الأكاديميّات على أنّه قالب الموشّح:

دور أوّل: لحنٌ يُمكن أن يتخلّله ترنّم ويُمكن ألا يتخلله ترنّم ويُكتفى بالبيت الشعري أو البيتين دون ترنّم.

دور ثاني: إعادة للدور الأوّل على كلامٍ مختلف، فإن وُجد ترنّمٌ في الدور الأوّل وُجِدَ كذلك في الدور الثاني، وإن لم يكن في الدور الأوّل فلا يكون في الدور الثاني.

خانة أو “مايت خانة”: وهي لحنٌ آخر على كلامٍ جديد إمّا أن يكون مساوياً في القياس لدورٍ من الأدوار أو يكون مضاعفاً فيُساويهما معاً. وإذا كان هُناكَ ترنّمٌ في الدورين الأوّل والثاني أُعيد بعد انتهاء لحن الخانة، وإن لم يكن فإمّا أن يلحّنَ ترنّمٌ مخصوصٌ للخانة أو يُرتجل من قِبل المؤدّي أو يُقفز إلى الخاتمة دون ترنّم، وعادةً ما يسمح لحن الخانة بالمجاوبة بين المنشد والبطانة ما يعني الارتجال المنبثق عن لحن الخانة ثمّ التسليم في إعادةٍ لجزءٍ من الخانة أو الخانةِ كلّها تمهيداً للختام.

الخارجة: وهي إعادةٌ للحن الدور الأوّل الذي هو عين لحن الدور الثاني على كلامٍ جديد فإمّا أن يُعاد اللحن كاملاً، وهكذا العادة وفي بعض الاستثناءات يُعاد جزءٌ منه فقط على اعتبار أنّ هذه هي الخاتمة.

ومن هذا النوع نستمع بصوت عبد الحيّ أفندي حلمي إلى موشّح هات يا أيّها الساقي من مقام السيكاه فرع راحة الأرواح ضرب مصمودي كبير ذو الثماني نبضات مسجّل لشركة الجراموفون عام 1909 على وجه واحد قياس 30 سم إصدار رقم 012422 مصفوفة 1743c على تخت سامي أفندي الشوّا ومحمّد أفندي إبراهيم وعلي أفندي عبدو صالح.

 

محمّد أفندي عبد الوهّاب

هناك نوعٌ آخر من الموشّح ظهر مع مدرسة عصر النهضة، ويبدو أنّ مُبتكره هو محمّد عثمان، وقد تأثّر في هذه التجربة بقالب السماعي وهو قالبٌ آليٌّ لا غناء فيه. وعلى الرغم من أنّ قالب السماعي قد بدأ غنائيّاً في تركيا إلا أنّه وصل إلى مصر في شكله الآليّ وتأثّر محمّد عثمان هو بالقالب الآليّ وليس الغنائيّ فعلى سبيل المثال موشّح “ملا الكاسات”، هو في مضمونه يشبه السماعي البيّاتي الثقيل الذي هو مؤلف من أربع خانات في إيقاع السماعي ذي العشر نبضات يتخلّلها لازمة وتنتهي كلّ الخانات واللازمة بتسليم من وإلى مقام البيّاتي. كذلك الحال هنا في موشّح ملا الكاسات فهو أربع خانات يتخلّلها لازمة وتسلّم من وإلى مقام الرست وهو مقام الموشّح. غير أنّ محمّد عثمان في الخانة الثالثة قد أضاف نوعاً جديداً من الترنّم يُشبه “هنك” الدور وفيه حوارٌ مرتجل بين المؤدّي والبطانة، فذهب البعض إلى إنهاء الموشّح دون الخانة الرابعة ومن هؤلاء أشهر تسجيلٍ على الإطلاق لهذا الموشّح وهو تسجيل محمّد أفندي عبد الوهّاب لشركة “هِز ماسترز فويِس” المنبثقة عن شركة الجراموفون حوالي عام 1923 على وجهين قياس 25 سم إصدار رقم 18-212081 18-212082 مصفوفة BD 4514 BD 4515 على تخت محمّد أفندي العقّاد وسامي أفندي الشوّا، على أنّ هناك تسجيلاً آخر لنفس الشركة قبل هذا بخمسة عشر عاماً بصوت الشيخ أحمد صابر ورغم أنّه على وجهٍ واحد من نفس القياس السابق إلا أنّه يحوي ألحان الموشّح كاملة، أي مع الخانة الرابعة، ذلك لأنّ الشيخ أحمد صابر قد سجّله كوثيقةٍ فقط دون أيّ ارتجالاتٍ أو حوارٍ يُذكر، وهذا التسجيل يحمل إصدار رقم 6-12123 مصفوفة 7746 0 تخت محمّد أفندي إبراهيم وسامي أفندي الشوّا وعلي أفندي عبدو صالح. نستمع إلى التسجيلين متعاقبين حسب التسلسل التاريخيّ.

يختلف دور الموشّح في وصلة عصر النهضة عن دوره في الوصلة ما قبل عصر النهضة والتي استمرّت في بلاد الشام وتحديداً في مدينة حلب. فوصلة الموشّحات الحلبيّة تعتمد على مجموعةٍ من الموشّحات تُربط بعضها ببعضٍ وعلى وصفِ شهاب الدين فيُبدأ بالمربّع أي موشّح من إيقاع المربّع ذي الثلاث عشرة نبضة ثم إيقاعاتٍ مختلفةٍ وصولاً إلى الموشّحات السريعة في إيقاع الدارج ذي الثلاث نبضات. أحياناً ما يتخلّل تلك الموشّحات تقاسيم وليالي مرسلة أو على الوحدة وكذلك قصائد مرسلة أو مواويل بغداديّة، على أنّ الموشّح هو عماد تلك الوصلة. وتذخَر المكتبات الموسيقيّة والإذاعات المختلفة وشبكة المعلومات بالعديد من تلك الوصلات للعديد من المطربين ولو سمح لنا الوقت لأذعنا منها غير أنّ الحديث هنا يقتصر على الموشّح كقالب.

 نعود إلى محمّد شهاب الدين وسفينته ونختم بها الحلقة فهناك أمرٌ إن صحّ لكان لدينا بقايا عملٍ من القرن الخامس عشر لشمس الدين الصيداوي، وهو موسيقيّ مهمّ وصاحب ألحانٍ ومغنٍّ يعتبره أهل عصره أعلم زمانه بأصول النغم والغناء، وله كتبٌ في التنظير أيضاً أورد فيها جملاً لحنيّةً بسيطةً لمختلف المقامات، ذكر شهاب الدين في كتابه توشيحاً كما يُسمّيه أطلق عليه عُقدة الصيداوي، وقال أنّ به خاناتٍ عدّة في مختلف المقامات والضروب، وأنّ  هذا العمل مُنفرداً يشرح مختلف الأنغام والضروب، وذكر كلّ خانةٍ منها وإيقاعها ودورها واسمه “العيون الكواسر سابوني”، وبالمقارنة مع تسجيلٍ لاسطوانة تحمل نفس الاسم لأحمد أفندي فريد نجد أنّه يوافق ما يقول شهاب الدين، غير أنّ التسجيل يضمّ دوراً واحداً وخانةً واحدةً من هذا العمل من السكاه وفروعه ويظلّ الإيقاع في الدارج وينقلب إلى أعرج ذي التسع نبضات قرابة نهاية التسجيل ولا يعود إلى الدارج حيث كان ينبغي أن يذهب إلى إيقاعٍ ثالث غير أنّ التسجيل يقف عند هذا الحدّ، وهو لا يتبع أيّ شكلٍ من الأشكال المذكورة على قدمها وإن صحّ الظنّ فهو الأقدم على الإطلاق.

نستمع إلى العيون الكواسر بصوت أحمد فريد مسجّل على وجهين قياس 25 سم لشركة الجراموفون في نهاية العقد الثاني من القرن العشرين إصدار رقم 7-212060 7-212061 مصفوفة 6187 ak 6188 ak تخت محمّد أفندي العقّاد وسامي أفندي الشوّا وإبراهيم القبّاني.

إلى هنا نأتي إلى ختام حلقتنا عن الموشّح على أمل اللقاء بكم في حلقةٍ جديدةٍ من برنامج نظامنا الموسيقيّ. شُكراً لحسن إصغائكم.

 

  2013  /  الإذاعة  /  Last Updated أغسطس 22, 2013 by  /  Tags:
WP-Backgrounds Lite by InoPlugs Web Design and Juwelier Schönmann 1010 Wien