You are here:   Home  /  الإذاعة  /  013 – الموّال

013 – الموّال

enar

 

هو ثالث فقرةٍ في الوصلة الموسيقيّة في الموسيقى العربيّة الفصحى إبّان عصر النهضة، يسبقه الاستهلال اللآليّ المتمثّل في السماعي أو البشرف والاستهلال الغنائيّ المتجسّد في الموشّح، يُمكن أن نقول عنه فقرة التقسيم والليالي والموّال، فهي فقراتٌ متداخلةٌ اصطُلِح على قصر تسميتها على الموّال. وهذه الفقرة من المفترض أن تكون تامّة الارتجال من على نفس مقام الوصلة. بدأ الموّال كقالبٍ شعبيّ قبل أن يندرج في الوصلة الغنائيّة فهو موجودٌ بأشكالٍ مُختلفةٍ في التقاليد الشعبيّة عند الشعب العربيّ ولهذا حديثٌ في غير حلقة، فحديث حلقة اليوم عن الموّال في التقليد الفنيّ الفصيح.

كقالبٍ أدبيّ، الموّال هو نصٌّ بأحد اللهجات الدارجة، يُرجعه البعض إلى كلمة مَوالِيا، وللموّال أشكالٌ عدّة، بقي منها في الوصلة اثنان ينظمان من البحر البسيط مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن:

فرج الله بيضا

 أوّلاً ذا سبعة الأشطر، وهو الأقلّ شهرةً واستخداماً أقلّه في الوصلة. ينقسم هذا إلى قسمين البغداديّ وهو الأصل ويُكتب بلهجةٍ دارجةٍ عراقيٍّ مرقّقة وأحياناً بلهجةٍ شاميّة بيضاء. وذاع هذا في حلب وبلاد الشام عُموماً حتّى أنّه بالكاد يُذكر في العراق وهو بلد المنشأ ويُعتبر من عيون التراث الشاميّ واسمه البغدادي. وأوّل ثلاثة أشطر في هذا النوع لها نفس القافية، وثلاثة الأشطر الثانية لها نفس القافية غير أنّها تختلف عن قافية ثلاثة الأشطر الأولى ويعود الشطر السابع للقافية الأولى، وعادةً ما تكون القافية كلمةً يُلعب عليها بالمعنى، أي كلمةٌ واحدةٌ أو مقطعٌ واحدٌ يحمل أكثر من معنى في نهاية كلّ شطر. سائر أنماط الموّال كما سبق الذكر تغنّى مُرسلةً دون دورةٍ إيقاعيّة مُعتمدةً الإيقاع الوزنيّ الكلامي، على أنّ في بعض المواويل البغداديّة توجد دورةٌ إيقاعيّة وإن لم يكن لها أيّ علاقةٍ بالغناء لكن يبدو أنّ وجودها يدخل ضمن العلاقة مع السامعين، أي جذب انتباههم بدورةٍ إيقاعيّة.

ومن هذا النسق نستمع إلى موّال بغدادي “يا من عليّ ادعوا بحقوق” من فرج الله بيضا مقام سيكاه، وهذا من أوائل التسجيلات لشركة بيضافون حوالي عام 1906 والتسجيل على وجه واحد قياس 30 سم رقم 39z.

الشكل الثاني من المواويل ذات السبعة أشطر لا يختلف عن الشكل الأوّل إلا في اللهجة، فهو يُكتب بلهجةٍ مصريّة ويسمّونه النعماني على أنّ البعض يُطلق عليه بغدادي فهو نفس الشكل على أيّ حال. أمّا على الصعيد النغمي، فيختلف عن سابقه أن لا تتبعه دورةٌ إيقاعيّةٌ قطّ حتى على سبيل جذب انتباه السامع كما هو الحال في النسخة الشاميّة. ونُفصّل هنا مسألة اللعب على الكلام، فالموّال الذي سنستمع إليه من هذا النسق تتجلّى فيه هذه الفكرة فتقول كلماته:

 

أمر الغرام لي وصل     ربّ الجمال ماضيه (ماضيه هي كلمة القافية وهنا بمعنى مضى عليه أو وقّعه)

والحسن مهما طلب    منّي أنا ماضيه (أي ماضٍ قُدماً فيه بمعنى فاعله)

دا وجد حالي تجدّد     بالأنين ماضيه (بمعنى ما كان في الماضي)

لو كُنت تسمع في     جنح الليل آهاتي (هنا تتغيّر القافية فهذا هو الشطر الرابع ويُصبح مقطع القافية هو هاتي ويبدأه بآهاتي أي تأوّهي)

وأنا بَأقول من لهيبي      يا دموع هاتي (هاتي بمعنى أعطي أي يا عينُ جودي بالدمع)

لَكُنت تُعذر ولكن     يا عذول هاتي )وهو فعل أمرٍ في اللهجة المصريّة يعني الحديث الذي لا طائل منه ولا جدوى فيقول يا عذول ثرثر ما شئت لن يسمع منك أحد)

سِحر اللواحظ فَتك     في مُهجتي ماضيه (هنا الشطر السابع فيعود إلى القافية الأولى ماضيه وهي هنا استعارةٌ مكنيّةٌ حيث هناك كنايةٌ عن المشبّه به وهو السيف في كلمة ماضيه أي ماضي الحسام، وهو السيف.

 

نستمع إذن إلى موّال نعماني “أمر الغرام” أداء عبد الحيّ أفندي حلمي ويؤدّيه من مقام البيّاتي، وهذا التسجيل نادرٌ لم يُنشر لشركة الجراموفون على وجهٍ واحدٍ قياس 30 سم مصفوفة 143z عام 1910 يُراسله ويُحاسبه على القانون محمّد أفندي إبراهيم.

محمّد سالم الكبير

ثانياً ذا الخمسة أشطر: وبدوره ينقسم إلى قسمين الأعرج وفيه نفس القافية في أشطره الخمسة باستثناء الشطر الرابع تختلف قافيته، وفيه نفس مسألة اللعب على الكلام كما سبق البيان، ومن هذا النسق نستمع من محمّد سالم الكبير إلى موّال أعرج “إمتىَ الحبايب يجم ونشوف لواحظهم”، والمسجّل عام 1904 لشركة أوديون على وجهٍ واحد قياس 35 سم وهو أندر القياسات على الإطلاق وأطولها مدّةٍ بالطبع فهذا هو أكبر قياسٍ تمّ التسجيل عليه وتزيد مدّة الوجه الواحد على الخمس دقائق، التسجيل إصدار رقم 71008 ومصفوفة Exx 934، يَعزف على القانون عبد العزيز القبّاني وعلى العود سيّد السويسي مقام حجاز، ونطلب من السادة المستمعين محاولة تفسير القافية في هذا الموّال.

أمّا الشكل الثاني من الموّال الخماسيّ الأشطر فهو الموّال الأبيض، وأبيض هنا بمعنى أنّه واضح ليس فيه توريةٌ أو لعبٌ على الكلام، ويبدو أنّ هذا القالب إن كان موجوداً من زمنٍ بعيدٍ فقد كان يُعتبر الأضعف، على أنّه أضحى الأكثر انتشاراً منذ العقد الثالث من القرن العشرين، وهنا يجدر بنا أن نذكر نوعاً من إنشاد الموّال لم يكن مسبوقاً وهو تثبيتُ اللحن، فقد أثّرَت رغبة التثبيت وفصل شخص الملحّن عن شخص المؤدّي على القوالب المرتجلة كليّاً بنفس المستوى في القوالب السابقة التلحين أو شبه المرتجلة، ففي المثال الذي نستمع إليه تثبيتٌ واضحٌ للحن الموّال ومعرفةٌ مسبقةٌ لمواقع التقسيم والمراسلة والمحاسبة، وتثبيتٌ أيضاً للّيالي السابقة للموّال وتسلسلها وتسلسل الآلات التي ستراسل وتترجم للمؤدّي، وانحسار الارتجال في القليل من جمل التقاسيم الآليّة وربّما بعض التصرّفات الغنائيّة ويُمكن أن نتجاسر ونقول انعدام الارتجال تماماً. يتجلّى كل هذا في موّال “أمانة يا ليل” نظم أمين عزّت الهجين لحن وغناء محمّد عبد الوهّاب مصاحباً نفسه على العود ويُصاحبه على القانون محمّد عبدو صالح وعلى الكمان جميل عويس مقام زنجران وهو أحد فروع مقام الحجاز. التسجيل لشركة بيضافون حوالي عام 1932 رقم B-095420 B-095421

لا شكّ أنّ فترة إنشاد الموّال في الأداء الحيّ تختلف عن حالها في التسجيلات، وعلى نفس الصعيد استفادة المؤدّين من تقنيّة التسجيل، ففي المثال السابق مثلاً وهو الحال في معظم التسجيلات للمواويل، تأتي فقرة التقسيم ليالي في أوّل وجه ثمّ تفتتح آلة أخرى الوجه الثاني بتقسيم ثم الموّال، لا يمكننا بالطبع تصوّر أداء الموّال في الحفلات الحيّة مع السمّيعة والتفاعل بينهم وبين المؤدّين وأيضاً تفاعل المؤدّين فيما بينهم وفكرة أنّ الموّال يأتي ضمن وصلةٍ ليس مُنفرداً أي أنّ المقام قد تمّ تركيزه في أذهان المؤدّين والمستمعين ليس كالاسطوانة التي تسجّل فقرات الوصلة مقطّعة. ومن الأمثلة القريبة من الأداء الحي نستمع ممّا سُجِّل في الإذاعة المصريّة أواخر الأربعينات إلى موّال “فيك ناس يا ليل” والمأخوذ عن وصلة في السيكاه لصالح عبد الحيّ يُراسله ويُحاسبه محمّد عبدو صالح على القانون.

إلى هنا نصل إلى ختام حلقتنا عن الموّال وإلى أن نلتقي في حلقةٍ أخرى من برنامج نظامنا الموسيقيّ لكم منّا كلّ التحيّة.

أعدّ هذه الحلقة مصطفى سعيد.

 

  2013  /  الإذاعة  /  Last Updated أغسطس 22, 2013 by  /  Tags:
WP-Backgrounds Lite by InoPlugs Web Design and Juwelier Schönmann 1010 Wien