هو عبّاس حلمي بن محمّد توفيق بن إسماعيل بن إبراهيم بن محمّد علي.

وُلد بالأسكندريّة يوم 14 يوليو (تمّوز) 1874، حَكم مصر وهو قبل أن يبلغ الثامنة عشرة وبالتحديد يوم 8 يناير (كانون الثاني) 1892 خلفاً لوالده الخديوي محمّد توفيق، ظلّ في الحكم حتّى صدر قرار ملكيّ إنكليزيّ قضى بعزله وتولية عمّه حسين كامل بن إسماعيل يوم 19 سبتمبر 1914 وبمقتضى هذا القرار انتقلت مصر من النظام الخديوي التابع بالاسم لدولة بني عثمان في اسطمبول إلى الحماية البريطانيّة وتغيّر اسم خديوي إلى سلطان بتبعيّةٍ فعليّة لإمبراطوريّة بريطانيا العظمى.

أعطى الخديوي عبّاس أهمّيّةً واعتباراً لا بأس بهما للفنون فقد رعى الشعراء والأدباء والموسيقيين كذلك،  ممّا جعل الكثيرين يعتبرونه امتداداً للخديوي إسماعيل، حتّى في مسألة عزله فقد تمّ عزل جدّه إسماعيل بإيعاذ من الإنكليز ولكن عزله هو جاء بقارٍ ملكيٍّ مباشر.

من ضمن مَن أولاهم الخديوي عبّاس اهتماماً في الشعر أحمد شوقي حتّى أنّه أنعم عليه بالبهاويّة أي لقب بيه. وفي الموسيقى كان من المقرّبين منه الشيخ يوسف المنيلاوي وعبد الحيّ أفندي حلمي، أبرز مطربي هذا العصر. ومن عبد الحيّ أفندي حلمي نستمع إلى دعاء يعيش خديوي مصر والمسجّل على وجه واحد 27 سم لشركة بيضافون حوالي عام 1912 مصنف رقم 19126 مقام أوج عراق من فروع السيكاه، على تخت سامي أفندي الشوّا على الكمان، محمّد أفندي عمر على القانون ومنصور أفندي عوض على العود.

كان الخديوي عبّاس يؤمن بضرورة وجود دولة الخلافة كمرجعٍ وكان في صدامٍ دائم مع الإنكليز ودارت بينه وبينهم معارك سياسيّةً كسب بعضها وخسر أغلبها غير أنّ صدامه مع الانكليز، ولو أدّى ذلك إلى عزله، أكسبه احترام العامّة والخاصّة داخل مصر وخارجها.

وارتباطه بالدولة العثمانيّة تمثّل في زيارته للباب العالي عقب تولّيه الحكم لشكر السلطان عبد الحميد وكذلك ما ورد في مذكّراته عن المراسلات التي كانت بينه وبين السلطان عبد الحميد والذي كان يحرّضه ويساعده، إن كان له سبيل لذلك، على صراعه السياسيّ مع الإنكليز.

عبّاس حلمي الثاني

تجلّى هذا الارتباط في بعض الأغاني التي ربطت بينهما بالمديح والثناء.

وعلى سبيل المثال نستمع إلى الشيخ سلامة حجازي ينشد سلام حبّذا عصرٌ سعيد والمسجّل حوالي عام 1906 لشركة أوديون الألمانية مصنّف رقم 45236 ½، مصفوفة رقم Ex 1243 a-b. ومطلعها:

حبّذا عصرٌ سعيد     زانَهُ عبد الحميد

في إشارةٍ للسلطان عبد الحميد الثاني ويستمرّ في مديح السلطان حتّى نهاية الوجه الأوّل على أن هناك بداية مدخل عزفيّ قبل مديح السلطان ويبدأ الوجه الثاني بقوله:

وابقِ عبّاسَ العُلا     سامِياً بين الملا

وقد جاء ذكر عبّاس بعد عبد الحميد في إشارةٍ متعمّدة إلى أن عبد الحميد له المرجعيّة حتّى وإن حمل مديح عبّاس جزءاً أكبر من الاسطوانة حيث لا وجود لمقدّمةٍ موسيقيّةٍ في الوجه الخاصّ بعبّاس.

نستمع إلى سلام حبّذا عصرٌ سعيد لحن الشيخ سلامة حجازي وبصوته مع بطانته على تخت أوديون، الحاج سيّد السويسي على العود، عبد العزيز أفندي القبّاني على القانون وعلي أفندي عبده صالح على الناي، مقام راست.

بعد عزله لم يتمكّن الخديوي عبّاس من العودة إلى مصر فتنقّل بين فرنسا وتركيّة وتوفّي في جينيف بسويسرا في 19 ديسمبر 1944 عن عمر ناهز السبعين. على أن الخديوي عبّاس حلمي الثاني كان يتمتّع بشعبيّةٍ في الشارع المصري إبّان فترة حكمه وحتّى بعد عزله. وقد استمدّ هذه الشعبيّة منذ أوّل يومٍ تولّى فيه الحكم حيث ظهرَ جليّاً عداءه للإنكليز وانحيازه لكفّة الشعب في كفاحه ضدّ الإنكليز على عكس والده.

فبعد إقالته حكومة مصطفى فهمي باشا وتحدّيه اللورد كرومر، المندوب السامي البريطاني، وفي الجمعة التالية صلّى الخديوي الصغير في مسجد الحسين بالقاهرة وهتف الناس له ودعوا له. كذلك دعمه لمصطفى باشا كامل زاد من تلك الشعبيّة وفوق كلّ هذا سياسته الإصلاحيّة وتحسين وضع التعليم وكافّة مؤسّسات الدولة.

وارتباط اسم الخديوي عبّاس بكفاح مصطفى باشا كامل قد انعكس كذلك على ما سُجّل موسيقايّاً، فقد سجّل تخت أمين أفندي البُزري والذي يضمّ أمين البزري على الناي ومنصور عوض على العود ومقصود كلكجيان على القانون وسامي الشوّا على الكمان، سجّل هذا التخت اسطوانة لشركة الجراموفون نُشرت عام 1909 يحوي وجهها الأوّل مارش عبّاس والوجه الثاني مارش مصطفى كامل .

نستمع إلى الوجه الأوّل من تلك الاسطوانة وهو مارش عبّاس مصنّف رقم 018018، مصفوفة رقم 1689C، قياس 30 سم.

لم تنتهي شعبيّة الخديوي عبّاس حلمي الثاني بانقضاء عهده بل استمرّت وزادت شعبيّته بعد عزله بسنوات فقد كان المصريّون يهتفون الله حيّ عبّاس جيّ في مظاهراتهم ضدّ الإنكليز ورُصد هذا الشعار في انتفاضة 1935 أي بعد أكثر من عشرين عاماً على عزله.

سيّد درويش

نستمع الآن إلى دور عواطفك دي أشهر من نار، كلمات الشيخ يونس القاضي لحن وغناء سيّد درويش، تخت سامي أفندي الشوّا على الكمان، عبد الحميد أفندي القضّابي على القانون والشيخ سيّد درويش على العود، مقام حِصار المعروف بنوا أثر من فصيلة مقام العشّاق، مُسجّل لشركة مشيان الوطنيّة حوالي عام 1915 على أربعة أوجه قياس 27 سم مصفوفة رقم 701-1-2-3-4.

ومذهب هذا الدور طويل نسبيّاً إذا ما قورن بغيره من الأدوار، فهو يحتوي على ثمانية أشطر تبدأ كلّ كلمة من بداية كلّ شطر من الأشطر الثمانية بحرف من حروف اسم عبّاس حلمي فعواطفك مطلع أوّل شطر تبدأ بحرف العين أوّل أحرف عبّاس ثمّ بس اشمعنا والباء هنا هي نفس ثاني حرف في عبّاس فهو باءٌ كذلك وهلمّ جرّة إلى ثامن وآخر شطر في المذهب والذي يبدأ ب يا مليكي وبدايته حرف الياء وهو آخر حرف من حروف حلمي.

أمّا الدور فهو كذلك ثماني أشطر وبنفس طريقة المذهب مع اختلاف الكلمات فقد رمز المذهب إلى عبّاس حلمي فالدور يرمز إلى خديوي مصر فأوّل شطرٍ في الدور يبدأ: خايف أحكي، فخايف تبدأ بحرف الخاء وهي أوّل أحرف خديوي والشطر الثاني يبدأ دبّرني علشان، فدبّرني تبدأ بثاني حرف من أحرف خديوي وهو الدال وهلمّ جرّة إلى ثامن وآخر حرف من حروف مصر وكذالك ثامن وآخر شطر من الدور وهو حرف الراء في رسم الظلّ .

فإذا جمعنا أحرف بداية حرف من كل شطر من أشطر المذهب والدور نحصل على جملة مفيدة هي:

عبّاس حلمي خديوي مصر

في إشارةٍ لرفض عزله من قبل الإنكليز.

نستمع وإيّاكم إذن إلى دور عواطفك دي أشهر من نار بصوت ملحّنه غير أنّ هناك أكثر من صوت سجّلوا هذا الدور لنفس الشركة مثل زكي أفندي مراد المعاصر للشيخ سيّد درويش.

إلى هنا نأتي على ختام هذه الحلقة من برنامج من التاريخ. شكراً لحسن استماعكم ونلتقي في حلقةٍ أخرى مع شخصيّةٍ أو حدثٍ تاريخيّ جديد.