You are here:   Home  /  الإذاعة  /  022 – قصيدة أراك عصيّ الدمع 1

022 – قصيدة أراك عصيّ الدمع 1

enar

 

قصيدة أراك عصيّ الدمع،

نظم أبو فراس الحمداني

هي أشهر ما غنّي من قصائد في عصر النهضة، يُقال أنّ أوّل من غنّاها في بلاط الخديوي إسماعيل هو عبدو أفندي الحمولي

 

أَراكَ عَصِيَّ الدَمْعِ شِيمَتُكِ الصَبْرُ       أَما لِلْهَوَى نَهْيٌ عَلَيْكَ ولا أَمْرُ ؟

بَلَى أنا مُشْتاقٌ وَعِنْدِيَ لَوْعَةٌ            وَلَكِنَّ مِثْلِي لا يُذاعُ لَهُ سِرُّ

إذا اللَيْلُ أَضوانِي بَسَطْتُ يَدَ الهَوَى        وأَذْلَلْتُ دَمْعاً مِنْ خَلائِقِهِ الكِبْرُ

تَكادُ تُضِيءُ النارُ بَيْنَ جَوانِحِي               إذا هِيَ أَزْكَتْها الصَبابَةُ والفِكْرُ

مُعَلِّلَتِي بالوَصْلِ والمَوْتُ دُونَهُ               إذا مِتُّ ظَمْآناً فلا نَزَلَ القَطْرُ

وَفَيْتُ وَفِي بَعْضِ الوَفاءِ مَذَلَّةٌ                   لِآنِسَةٍ في الحَيِّ شِيمَتُها الغَدْرُ

تُسائِلُنِي مَن أَنْتَ وَهِيَ عَلِيمَةٌ               وَهَلْ لِفَتَىً مِثْلِي على حالِهِ نُكْرُ

فَقُلْتُ كَما شاءَتْ وَشاءَ لَها الهَوَى          قَتِيلُكِ قالَتْ أَيُّهُمْ فَهُمُ كُثْرُ

وَحارَبْتُ أَهْلِي في هَواكِ وَإنَّهُم               وَإيّايَ لَوْلا حُبُّكِ الماءُ والخَمْرُ

وَقالَتَ لَقَدْ أَذْرَى بِكَ الدَهْرُ بَعْدَنا          فَقُلْتُ مَعاذَ اللهِ بَلْ أَنْتِ لا الدَهْرُ

وَقَلَّبْتُ أَمْرِي لا أَرَى لِيَ راحَةً                 إذا البَيْنُ أَنْسانِي ألَحَّ بِيَ الهَجْرُ

وَعُدْتُ إلى حُكْمِ الغَرامِ وَحُكْمِها لَها        الذَنْبُ لا تُجْزَى بِهِ وَلِيَ العُذْرُ

وقالَ أُصَيْحابِي الفِرارُ أَوِ الرَدَى                فَقُلْتُ هُما أَمْرانِ أَحْلاهُما مُرُّ

 

عبد الحيّ أفندي حلمي

حين جاءت التسجيلات، تبارى المغنّون من مشايخ وأفنديّة على تسجيل تلك القصيدة، بل أن المطرب الواحد أحياناً كان يُسجّلها أكثر من مرّة فعبد الحيّ أفندي حلمي مثلاً له أربع تسجيلات على الأقلّ لهذه القصيدة .

نستمع ونقارن في هذه الحلقة إلى تسجيلات

الشيخ محمّد سليم وهو أوّل تسجيل وصل لنا لهذه القصيدة حوالي 1905 مسجّلة لشركة أوديون على وجهين قياس 27 سم، مصنّف رقم 31049 1/2، مصفوفة رقم Ex 983 a/b.، على تخت أوديون المكوّن من الحاجّ سيّد السويسي على العود وعبد العزيز أفندي القبّاني على القانون وعلي أفندي عبدو صالح على الناي.

التسجيل الثاني لعبد الحيّ أفندي حلمي لشركة أوديون حوالي عام 1906 مصنّف رقم 45287 1/2، مصفوفة رقم EX 1287 A/B على وجهين قياس 27 سم، تخت إبراهيم أفندي سهلون على الكمان ومحمّد أفندي إبراهيم على القانون. ومع نفس العازفَين سجّلها عبد الحيّ لشركة زونوفون المنبثقة عن شركة جراموفون وفي نفس السنة سجّلها عبد الحيّ أفندي على ثلاثة وجوه قياس 25 سم إصدار X-102493 X-102494 X-102495 ومصفوفة رقم 7794 b 1/2 b 1/3 b .

سيّد السفطي

أمّا الشيخ السيّد السفطي فقد سجّلها لشركة فيفوريت في مطلع العقد الثاني من القرن العشرين على وجهين قياس 25 سم وتحمل مصنّف رقم 1-55569 1-2 ومصفوفة رقم 1309 I F-II F

عودةً لشركة أوديون  لكن على وجهٍ واحدٍ فقط قياس 27 سم تسجيل ذو طابعٍ غريب لمصطفى سيّد أحمد الرشيدي وفرقته، وهذا التسجيل تمّ في منتصف العشرينات على الأرجح عام 1924 ويحمل مصنّف رقم X47905 ومصفوفة رقم Ex 2646

وفي مطلع الثلاثينات سجّلتها الآنسة أمّ كلثوم إبراهيم أيضاً لشركة أوديون لكن تحميض على الكهرباء هذه المرّة، التسجيل على وجهين قياس 25 سم إصدار رقم FA224612 I-II، مصفوفة EK 1291 EK 1292

أخيراً  نستمع إلى القصيدة بصوت صالح أفندي عبد الحيّ وهو إبن أخت عبد الحيّ أفندي حلمي وقد أُخذ هذا التسجيل من وصلةٍ إذاعيّة لصالح أفندي بعد ما لا يقلّ عن أربعين سنةٍ من تسجيل خاله، مسجّل للإذاعة اللاسلكيّة للحكومة المصريّة.

 

اليوم الثالث من ديسمبر 1964 يوم الخميس الأول من الشهر، سينما قصر النيل القاعة مكتظة بالناس، رجال متأنقون يدخنون بعصبية، سيدات تحلَّيْنَ بعقود الماس يضحكن مع صاحباتهن. التصفيق مدوي يرتفع الستار الأحمر عن الست ويسكت الجميع، تشهق سيدة وتبحلق أخرى: هناك جسم غريب دخيل إلى يسار الست، شئ لا يليق بها أو ربما يناقض ما تمثله. أم كلثوم تعلم تماما لماذا فوجئ جمهورها، تبتسم ابتسامة غامضة. الجسم الغريب، الآلة الغريبة: “البيانو”. ما دخل البيانو في حفلة الست؟ ما حاجة كوكب الشرق إلى هذه الآلة على يسارها؟ ما هذه الأصوات الغريبة؟ فلنستمع إلى البيانو.

أم كلثوم

سنستمع إلى البيانو ولكنهم شهقوا قبل هذه المرة عندما رأوار “الغيتار” في لقاء السحاب، فعلا المرة السابقة كانت في السنة نفسها. فماذا أرادت أن تثبت؟ لماذا ؟ وما سبب هذه الفذلكة؟ ماذا يريد رياض السمباطي أن يبرهن؟ للإجابة على هذه الأسئلة لا بد من العودة ستين سنة إلى الوراء.

أيضا.. لا بأس. 

كنا سنة 1964، الآن نحن في القاهرة سنة 1904 أول إرهاصات التسجيل التجاري في الشرق الأوسط، الشيخ محمد سليم يجلس لوحده، فقط التخت حوله أمام البوق النحاسي الكبير يهئ نفسه لينشد قصيدة سمعها مرارا بصوت ربما أستاذه، بصوت الكبير سي عبده الحامولي الذي توفي منذ أربع سنوات فقط. سمعه يغني أبيات مأخوذة من ديوان أبو فراس الحمداني. تقول: أراك عصي الدمع شيمتك الصبر، أما للهوى نهي عليك ولا أمر؟ نعم أنا مشتاق وعندي لوعة… من العبقري الذي فكر في تغيير كلام أبيات أبو فراس الحمداني؟   أبو فراس الحمداني يقول بلى أنا مشتاق وعندي لوعة، من العبقري الذي سولت له نفسه أن يقول نعم بدلا من بلى؟ نعم أحلى بكثير ونعم تسمح للمطرب بأن يسمعنا الغُنة والمد والإطالة. 

ولكن الإجابة على سؤال “أما للهوى” لا يكون بنعم، نعم تنفي إذا قال أما لهوى نهي عليك ولا أمر؟ فيقول نعم ليس للهوى نهي عليه ولا أمر.

 صحيح ولكن إجابتك هي إجابة نحو المفروض أن تفكر كمطرب وليس كنحوي.                

حسنا ولكن غريب هل تعتقد أن إسماعيل صبري هو من قام بهذا التغيير أم أن سي عبده قام بذلك؟

قد يكون سي عبده، سؤال لا نملك الإجابة عليه، ولكن غالبا ونعرف تماما أن هؤلاء الموسيقيين كانوا محاطين بالكثير من الأدباء، السؤال الذي يطرح نفسه قبل أن نفكر في أمر تغيير بلى إلى نعم هو أساسا من الذي اختار هذه الأبيات بالذات؟  أو من هو الذي اقترح على عبده الحامولي أن يغني هذه الأبيات بالذات؟ هل هو عبده الحامولي الذي كان يقرأ دواوين الشعر القديمة ومختارات البارودي واختارها؟ أم ذهب إليه أحد ورأى أنها أبيات تناسب تماما الغناء والغزل ولون عبده الحامولي في الغناء؟ الله أعلم.

 

هي إذن من روميات أبو فراس الحمداني هذه القصائد التي نظمها أيام اعتقاله في بلاد الروم وابن عمه سيف الدولة يتأخر ويماطل في دفع فديته.

نعود إلى محمد سليم نعود إلى سنة 1904، محمد سليم إذن يجلس أمام البوق النحاسي ويتذكر ما سبق أن سمعه. استمع طبعا إضافة إلى حفلات عبده الحامولي إلى كبايات عبده الحامولي، هذه الأكوز الرديئة الصوت ولكن نحن في عصر الحداثة سنة 1904 القرن الجديد والأقراص، الأقراص جودتها طبعا أحسن بكثير، وها هو يسجل القصيدة على الوحدة من مقام البياتي تماما كما سي عبده يغنيها. 

مكتوب على ملصق الأسطوانة قصيدة “آه يا أنا” لأنها تسبق بدولاب العواذل: “آه يا أنا ويش للعواذل عندنا، قوم مَضْيِع الغذال وواصلني أنا”. أيضا نستطيع أن نطرح سؤال من العبقري الذي فكر في إضافة هذه الأبيات أو هذا البيت الذي هو أساسا مأخوذ من دور، قد يكون دور “سيكاه” ووضع هذا الكلام في مستهل كل القصائد المغناة في بداية القرن العشرين؟ تقليد لا بد أنه ظهر في مدرسة النهضة ربما في أواسط القرن التاسع عشر. هل هو من اختراعات عبده الحامولي؟ هل هو من اختراعات جيل عبده الحامولي؟ هي من ضمن هذه الأسئلة التي نبحث فيها ولكن بشكل يائس (صعب الإجابة عنها) نعرف تماما أننا لن نجد لها إجابة أبدا.

تقريبا، تعاقب كل المطربين في عصر النهضة يسجلون صيغتهم الخاصة صيغتهم الشخصية لهذه الأبيات، ولكن دائما من مقام البياتي احتراما لتقليد سي عبده، ودائما بنفس البنية، بنية لا شك أنها بنية الحامولي يعني البداية بياتي والتدرج (أو النقلات حسب الأبيات) لا شك أن هذه الإنتقالات النغمية هي إنتقالات عبده الحامولي وجميع الناس كانوا يحترمون هذه النقلات حتى إذا أضافوا أشياء من عندهم. 

ماعدا عبد الحي حلمي في أحد المرات. 

سنستمع إلى ذلك، ودائما نستمع إلى هذه القصيدة مسبوقة بدولاب العواذل في التسجيلات التي سبقت الحرب العالمية الأولى على كل حال، ومنهم عبد الحي حلمي.

نستمع إلى بداية تسجيل عبد الحي حلمي لشركة أوديون، ولاحظوا حماس إبراهيم سهلون الكمنجاتي حين يقول عبد الحي حلمي: نعم أنا مشتاق وعندي لوعة ولكن مثلي لا يذاع له سر، ويدعو إبراهيم سهلون عبد الحي حلمي إلى إعادة الجملة ويقول له: “أيوة  كمان طن والنبي”.

الناقد الموسيقي اللبناني الأصل اسكندر شلفون يذكر في مجلته “روضة البلابل” أن أحد المتفاصحين كان يقول: إذا مت زمقاناً فلا نزل القطر، كذلك يضيف قسطندي رزق إن الحامولي في حفل من حفلاته لفظ حرف “ظ” بطريقة التجويد بين أسنانيّ وفوجئ الجمهور بمثل هذه الفصاحة. إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر 

أعتقد أن سبب ذلك هو أنه تربى على يد المشايخ.

أكيد إذا كان قد تربى على يد المشايخ فكان من المفترض أن يقول ظمآن أي بدون تفخيم . 

محمد سليم يقول ظمآن بدون تفخيم. 

ذلك لأنه شيخ، سيد الصفطي كيف يقولها فلنستمع إلى سيد الصفطي

هل سمعت؟ سيد الصفطي يقول ظمآنا بدون تفخيم، فلنستمع إلى هذا التسجيل المميز والعظيم للشيخ سيد الصفطي ونكون قد أنهينا الجزء الأول من الحديث عن قصيدة أراك عصي الدمع.

ونشكر الأستاذ فريديريك لاغرانج على التحليل والشرح العظيمين ونلقاكم على خير في الجزء الثاني من حديثنا عن قصيدة أراك عصي الدمع.

 

  2013  /  الإذاعة  /  Last Updated أغسطس 22, 2013 by  /  Tags:
WP-Backgrounds Lite by InoPlugs Web Design and Juwelier Schönmann 1010 Wien