مطرب الديار الشاميّة، ونجمٌ سطع في سماء بيروت، عازفُ طنبور بغدادي، المعروف في زماننا بالبُزُق، مُنقطع النظير.
ولتعدّد مواهبه سيكون لنا معه حلقتين، واحدةٌ عن غنائه وأخرى عن عزفه.
وُلد أبو سعيد، محيي الدين باعيون في بيروت حوالي عام 1885، وتوفّي فيها عن خمسةٍ وأربعين عاماً بعد صراعٍ مع المرض دام أكثر من عامين.
يبدو أنّ علاقة محيي الدين مع النغم بدأت مبكّرة، ويبدو أنّه قد نال قسطاً لا بأس به من تعلّم اللغة العربيّة. يُرجع البعض هذا لالتحاقه بمدرسة المقاصد التي كانت حديثة العهد حينئذ. ويقول أحد المحدّثين أنّه تعلّم فيها اللغة العربيّة والفقه والتلاوة والأدب. قرأ محيي الدين علم النغم على عازف القانون أحمد البدوي، الذي ترك مصر إلى طرابلس الشام في ثمانينات القرن التاسع عشر، كما أنّ تأثّراً ما يظهر جليّاً عند محيي الدين بأسلوب فرجالله بيضا في إنشاد الموّال البغدادي.
يبدو أنّ محيي الدين نال قدراً ما من الشهرة في شبابه، إن لم يكن هذا بين السمّيعة، فأقلّه بين أهل النغم، لعلّ هذا ما جعله من الأصوات الجديدة التي اختارتها شركة الجراموفون لتسجّلها في حملة تسجيلها الرابعة في بلاد الشام عام 1912. كانت هذه أوّل مرّةٍ يجرّب محيي الدين وضع صوته على اسطوانات، ولم يُسمعنا عزفه في هذه الاسطوانات.
من هذه الحملة نستمع إلى قصيدة مُرسلة “أمالكتي في الحبّ” وهي مسجّة على وجهٍ واحدٍ قياس 25 سم إصدار رقم 14-12396 مصفوفة 2796 y، مقام عشّاق مجنّس مع راست يصاحبه فيها على الكمان سامي الشوّا وعلى القانون زاكي القانونجي، وهي ضمن الأعمال المنشورة في إصدار مؤسّسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربيّة عام 2014 عن الموسيقى في بلاد الشامّ مطلع القرن العشرين.
توقّفت معظم شركات التسجيل عن العمل في بلاد الشام طوال فترة الحرب العظمى 1914-1918، وعادت بعدها لتتغيّر عقود الاحتكار وتتحسّن تقنيّات التسجيل. تعاقدت شركة بيضافون مع محيي الدين باعيون وطلبت منه الحضور آلى القاهرة عام 1921 لتعبئة الاسطوانات وإقامة الحفلات والسهرات. وفي هذه الرحلة، سجّل محيي الدين العديد من الاسطوانات التي حوت قصائد ومواويل باللهجتين الشاميّة والمصريّة، وبضع اسطوانات العزفيّة على الطنبور البغدادي، كما التقى العديد من أهل الفنّ في مصر، فيذكر الأستاذ محمّد القصبجي أنّه التقى بمحيي الدين باعيون في القاهرة وأنّه تعرّف من خلاله على الطنبور البغدادي “البُزُق” وأنّهما قد تبادلا المعلومات التقنيّة بخصوص حركة الريشة ونتوسّع في هذا في حلقتنا عن عزف محيي الدين باعيون،
من تسجيلات القاهرة نستمع إلى عملين: أوّلهما موّالان بغداديان متّصلان هما، “عندي رايات مجدك”، بغدادي و “يا تارك الشهد”، على، اسطوانة على وجهين قياس 27 سم، رقم B-082974 B-082975 مقام بيّاتي يصاحبه فيها سامي الشوّا على الكمان وزاكي القانونجي على القانون.
ولبيان بعض فروق تناول المقام في برّ مصر وبرّ الشام، نستمع الآن من نفس المقام، أي مقام البيّاتي، آلى موّال باللهجة المصريّة وهو موّال “إن غبت تعتب”، ونلاحظ اختلاف اللهجة الموسيقيّة ليس فقط لهجة الكلام، ونلاحظ كذلك أتقان أبو سعيد للطريقتين دون أن يميّز السامع ثمّة تصنّعٍ في أداء أيّهما، الموّال مسجّل على وجهين قياس 27 سم، رقم B-082697 B-082698 يصاحبه على الكمان سامي الشوّا وزاكي القانونجي على القانون.
عاد محيي الدين إلى برّ الشام حوالي عام 1923 وهو ذائع الصيت تنظم في مديحه الأشعار وتباع بطاقات دخول حفلاته وتنفذ قبل إقامتها بأسابيع. وكان قد وقّع عقد احتكارٍ للتسجيل مع شركة بيضافون التي سجّلت له في بيروت عام 1924 أثناء جولة سامي الشوّا في بلاد الشام، وقد سجّل في تلك الحملة العديد من الاسطوانات التي حوت القصائد والمواويل والموشّحات، نستمع منها إلى اسطوانة ذات وجهين عظيمة، يحوي وجهها الأوّل موشّح “لمّا بدا يتثنّى” المنسوب لحنه للشيخ محمّد عبد الرحيم المسلوب ثم تقسيم ليالي على الواحدة في حوارٍ بديع بينه وبين كمنجة سامي الشوّا، أمّا وجهها الثاني فيحوي تقسيم ليالي وموّال “ليه الحبيب طال جفاه”، والذي يبدو جليّاً فيه تأثّره بالشيخ أبو العلا محمّد الذي قابله في القاهرة قبل بضع سنواتٍ من هذا التسجيل، الاسطوانة بالطبع لبيضافون رقم B-084331 B-084332 بمصاحبة نفس العزفين الذين سبق ذكرهما مع عازف إيقاع غير معروف.
ذهب أبو سعيد، وهو لقب محيي الدين، ثانيةً لزيارة القاهرة عام 1925 وذهب منها إلى المغرب العربيّ، وفي هذه الزيارة سجّل محيي الدين أيضاً بعض الاسطوانات غناءاً وعزفاً، على أنّه عاد من هذه الرحلة بعد سنتين تقريباً بمرضٍ ألمّ به وأصاب ضمن ما أصاب حنجرته فحرم مستمعيه من صوته، وسنرى لاحقاً أنّ تسجيلاته بعد هذه الرحلة كانت فقط تسجيلات عزف لا غناء فيها، ومن تسجيلات القاهرة 1925 نستمع إلى قصيدة مرسلة من مقام راست نختم بها حلقة اليوم وهي قصيدة “نشرتُ في موكب العشّاق”، على وجهين قياس 27 سم، رقم B-085807 B-085808 وبهذه، نترككم مع القصيدة على أمل اللقاء بكم في حلقةٍ جديدةٍ من برنامج من التاريخ.
الحلقات الأخيرة
- 221 – زكريّا أحمد – 12 (1/9/2022)
- 220 – زكريّا أحمد – 11 (1/9/2022)
- 219 – زكريّا أحمد – 10 (11/25/2021)
- 218 – زكريّا أحمد – 9 (10/26/2021)
- 217 – زكريّا أحمد – 8 (9/24/2021)
- 216 – زكريّا أحمد – 7 (9/4/2021)
- 215 – زكريّا أحمد – 6 (8/28/2021)
- 214 – زكريّا أحمد – 5 (8/6/2021)
- 213 – زكريّا أحمد – 4 (6/26/2021)
- 212 – زكريّا أحمد – 3 (5/27/2021)
- 211 – زكريّا أحمد – 2 (5/1/2021)
- 210 – زكريّا أحمد – 1 (4/28/2021)
- 209 – والله لا أستطيع صدك 2 (4/6/2017)
- 208 – والله لا أستطيع صدك 1 (3/30/2017)
- 207 – بشرف قره بطك 7 (3/23/2017)