مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية بالتعاون مع مؤسسة الشارقة للفنون تقدم: “سمع”.
“سمع” برنامج يتناول ما لدينا من إرث موسيقي بالمقارنة والتحليل.
فكرة: مصطفى سعيد.
سادتي المستمعين أهلا وسهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج “سمع”، نتناول فيها بالبحث والتحليل توشيح “ما شممت الورد”، توشيح “ما شممت الورد” مأخوذ من قصيدة لحسن بن عبد الصمد، وحسب ذاكرتي المتواضعة أظنه قد ولد آخر العقد الثالث من القرن السادس عشر، عاش بين بر الشام وسهل البقاع، وأغلب الظن إنه مات في بلاد فارس، اللحن للشيخ زكريا أحمد، وهو اللحن الذي سنتناوله، اللحن عبارة عن ستة أبيات:
ما شممت الورد إلا زادني شوقا إليك
وإذا ما ماس غصن خلته يحنو عليك
لست أدري ما الذي قد حل بي من مقلتيك
رشق القلب بسهم قوسه من حاجبيك
إن يكن جسمي تناءى
فالحشى باقٍ إليك
إن دائي ودوائي يا حبيبي في يديك.
العروض من بحر الرمل “فاعلاتن فاعلاتن”، التوشيح ملحن من نغمة السيكاه، سنشرح هذا لاحقا، واللحن الذي نقصده هو للشيخ زكريا أحمد لأنه لُحِن بأكثر من طريقة. وأول مرة سُجل هذا اللحن في أواخر العشرينات، على الأرجح سنة 1928 أسطوانة تحميض على الكهرباء لشركة أوديون بصوت الشيخ إبراهيم الفران، لا يوجد أي تسجيل قبل هذا على حد علمي لهذا التوشيح. طبعا نحن قلنا إن التوشيح في الأصل عمل جماعي، وهناك شخص يفرد عليه بالارتجال في أجزائه، مثلا نجد أن الشيخ طه الفشني يزيد أبيات مثل “إن ذاتي وصفاتي يا حبيبي بين يديك”، أو مثلا “كل حسن في البرايا فهو منسوب إليك إلخ. هناك دائما اجتهادات تحصل في الزيادة على هذه الأبيات. هذا من حيث الكلام، من حيث النغم تم غنائه عدد لانهائي من المرات، غناه أكثر من شخص وأكثر من شيخ، لكننا اخترنا أربعة تسجيلات لنركز عليها، لأن كل شخص يوصل رسالة ما وجو ما، وباقي التسجيلات لا تخرج عن هذه الأجواء، فلذا اخترنا أول تسجيل لهذا التوشيح بصوت الشيخ إبراهيم الفران على تخت سامي الشوا وعبد الحميد القضابي وشحاتة سعادة، وبطانة فيها الشيخ زكريا أحمد وأشخاص لا أعرف من هم، ومحمود رحمي على الإيقاع. ثم لدينا تسجيل بعد هذا بعشرين سنة ربما من الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية في مولد المرسي أبو العباس بصوت الشيخ طه الفشني، منقول من مولد المرسي أبو العباس في الإسكندرية، تسجيل فيه جمهور سنلاحظ ذلك، بعده بعشرسنوات أو خمس عشرة سنة لا أذكر تماما لكن صوت الشيخ طه الفشني قد شاخ على الأرجح في بداية الستينات أو منتصف الستينات. إذا كان أي شخص يعرف تاريخ هذا التسجيل بالضبط يكون شيئا جميلا، يتفضل ويخبرنا عنه أكون سعيدا جدا، التسجيل على الأرجح لإذاعة القرآن الكريم من القاهرة في منتصف الستينات، التسجيل في مكان مغلق، في غرفة مخصصة للتسجيل أو استوديو. وبعد ذلك بخمس عشرة سنة على الأرجح آخر السبعينات وأول الثمانينات وربما منتصف الثمانينات بصوت الأستاذ وديع الصافي، رحمة الله على الجميع، قبل أن نخوض في أي عملية تحليل، بما أننا نقول دائما إن التوشيح قالب جماعي، لكننا دائما نذيع التواشيح كاملة، هذه المرة قصصت هذا التوشيح من تسجيل الستينات لطه الفشني، فأصبح لدينا توشيحا كاملا بصوت البطانة مدته حوالي دقيقة وأربعين ثانية، نسمع كيف يكون شكل التوشيح دون أي إعادات ودون أي تكرار… لاحظنا إن التوشيح عبارة عن خمس جمل طويلة تسمح بأكثر من انتقال، أول جملة وهي الجملة الوحيدة التي تحوي بيتين ” ما شممت الورد إلا زادني شوقا إليك وإذا ما ماس غصن خلته يحنو عليك”، بيتان في جملة واحدة تقف على مقر المقام، يبدأ بالسيكاه بناء على تصنيف ميخائيل مشاقة، سيكاه شامي أو سيكاه حلبي، بعد ذلك سيكاه عراق ثم يختم بما صنفه ميخائيل مشاقة على أنه سيكاه مصري، هي كلها أشكال لنغمة واحدة، الاحتمالات واردة، يشكل كثيرا في أصناف السيكاه في الجملة الواحدة… في الجملة الثانية، ونقصد هنا الجملة الموسيقية ولا نقصد سطر الشعر او البيت، لأن الجملة الأولى مثلا فيها بيتين والجملة الثانية والثالثة والرابعة والخامسة فيها بيت واحد، هي ستة أبيات لكنها خمس جمل موسيقية فقط، إذن الجملة الثانية وهي “لست أدري ما الذي قد حل بي من مقلتيك” ينتقل إلى العشاق، عشاق من سادسة المقر، لكنه يحضره من صنفه المتصل وليس المنفصل أي من القرار بمعنى… ليس من الجواب، الشكل الشقيق حسب التصنيف القديم للشقيق والأصيل، هنا الشكل الشقيق…. في الجملة الثالثة كأنه سيقول بياتي من سابعة المقر، لكن يعود ويهبط ثانية إلى مقر السيكاه… في الرابعة ينتقل إلى الراست، راست من الجواب من سادسة المقام، نفس الدرجة التي أخذ منها العشاق سيأخذ منها الراست، لكن هذه المرة بشكله الأصيل، بصنفيه المتصلين مظهر راست مع مظهر راست، وهو هنا يبلغ ذروة التوشيح…. كلها في الجواب نسمعها!… بعد ذلك في نهاية المطاف وهي العودة، آخر الجملة الخامسة “إن دائي ودوائي” يبدو وكأنه سيرجع للبياتي، البياتي الذي فرعه عشاق ثم يقفل سيكاه بشكله الطبيعي، وهو مظهر سيكاه مع مظهر سيكاه، نلاحظ إنه يصل من البياتي إلى السيكاه بنفس الطريقة التي كان قد قفل بها قبل ذلك على العشاق بمعنى….. كل هذا بياتي بنفس الطريقة التي ختم بها العشاق، ثم يختم “يا حبيبي في يديك” نسمعها! قبل أن نتكلم عن تفاصيل التفريد في التوشيح الذي معنا، دعونا نثير نقطة، قالب التوشيح من أكثر القوالب حمالة الأوجه، بمعنى إن هذا الكلام يمكن أن يؤخذ بشكل غزل عادي أو غزل عفيف، ويمكن أن يؤخذ بشكل تأملي صوفي، ويمكن أن يؤخذ بشكل ديني. في أول تسجيل للعمل للشيخ إبراهيم الفران الرجل ترك الأمر مفتوحا لم يقل أي شيء أبدا، غناه ولم يزد أي شيء يعطي أي إيحاء، أما عند طه الفشني فقد ذهب إلى الناحية الأخرى تماما، أعطاه إيحاء ديني تام “يا رسول الله حقا أنا منسوب إليك”، واضح إنه يغنيه من منظور ديني مباشر. عند وديع الصافي تقريبا هو ليس توشيح، أقصد أنه تعامل مع العمل على أنه أغنية عاطفية، طريقة الموسيقى الدارجة في السبعينات والثمانينات، خصوصا في بلاد الشام…. نفس المسألة هذه تنعكس على التفريد، عند الشيخ إبراهيم الفران مثلا هذه أول تفريدة…
“عفرتة وشقاوة ما بهزرش” تقريبا ديوانين، التفريدة الواحدة فيها ديوانين، لننتقل مثلا إلى طه الفشني، هذا تسجيل الإذاعة وهو داخل حجرة تسجيل… جميل! إرتجال منسق ومنمق، الفرق بينه وبين ارتجال إبراهيم الفران إن إبراهيم الفران يتبع دورة إيقاعية ولا يخرج عنها، نبضات التفريد عنده كثير منها ضمن الإيقاع، وعندما يخرج عن الإيقاع يخرج ليعود ثانية، إنما هنا لا هو حر تماما، وأصلا لا يوجد تخت وليس هناك دورة إيقاعية، هو في معظم التفريدات خارج الدورة الإيقاعية أصلا، هناك تسليم وتسلم من البطانة والمنشد كما هي عادة التوشيح، التسجيل أداء حي قبل هذا التسجيل بحوالي خمس عشرة سنة…. عدا عن أن صوته أكثر شبابا هناك تفاعل في التفريد، مع أنها أول تفريدة لكن هناك تفاعل واضح، تشعر أن هناك شيء لا تستطيع وصفه بالكلام، هناك فرق بين الأداء في غرفة مغلقة والأداء وسط الناس، وخصوصا وسط أناس من “السميعة” ليسوا أشخاص عاديين في مولد المرسي أبو العباس في الأربعينات والخمسينات، سميعة من الطراز الأول. حسنا، عند وديع الصافي…. أنهى الرجل جملته وأدى الليالي على طريقة شامية معتادة جدا وهي وجود دورة إيقاعية مستمرة ولكنه يفرد بشكل فالت، هو خارج الإيقاع لكن هناك دورة إيقاعية مستمرة لترافق الغناء، وهو غير ملتزم بها، لكنها عادة يجب أن يسمع الناس إيقاع مستمر، سنتكلم عن هذا الموضوع تفصيلا عندما نتكلم عن الارتجال وتفريداته المفصلة، نختم حلقة اليوم مع أول تسجيل لهذا التوشيح بصوت الشيخ إبراهيم الفران، الذي معه تخت فصلناه قبل ذلك وفصلنا تاريخه في أواخر العشرينات، تقريبا سنة 1928. ونختم مع توشيح “ما شممت الورد” نظم الشيخ حسن بن عبد الصمد الجبعي لحن الشيخ زكريا أحمد.
إلى أن نلتقي بكم في حلقة جديدة من برنامج “سمع”، نواصل فيها الحديث عن توشيح “ما شممت الورد”، نترككم مع الشيخ إبراهيم الفران وبطانته والتخت في الأمان.
قدمت لكم مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية “سمع”.
الحلقات الأخيرة
- 221 – زكريّا أحمد – 12 (1/9/2022)
- 220 – زكريّا أحمد – 11 (1/9/2022)
- 219 – زكريّا أحمد – 10 (11/25/2021)
- 218 – زكريّا أحمد – 9 (10/26/2021)
- 217 – زكريّا أحمد – 8 (9/24/2021)
- 216 – زكريّا أحمد – 7 (9/4/2021)
- 215 – زكريّا أحمد – 6 (8/28/2021)
- 214 – زكريّا أحمد – 5 (8/6/2021)
- 213 – زكريّا أحمد – 4 (6/26/2021)
- 212 – زكريّا أحمد – 3 (5/27/2021)
- 211 – زكريّا أحمد – 2 (5/1/2021)
- 210 – زكريّا أحمد – 1 (4/28/2021)
- 209 – والله لا أستطيع صدك 2 (4/6/2017)
- 208 – والله لا أستطيع صدك 1 (3/30/2017)
- 207 – بشرف قره بطك 7 (3/23/2017)