مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية بالتعاون مع مؤسسة الشارقة للفنون تقدم: “دروب النغم”.
سادتي المستمعين أهلا وسهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج “دروب النغم”، نواصل فيها الحديث عن الموسيقى الشعبية في لبنان، ويواصله معنا الأب العزيز بديع الحاج.
طبعا هي أنماط لا تحصى، ولكن لنأخذ نمط آخر غير الغْزَيِّلْ.
حسنا، أحيانا تمر أغاني على الإذاعات لا يعرف المستمع أنها لحن تراثي، تم تركيب شعر جديد لها، وللأسف لا يقولون إنه لحن تراثي، سأعطي مثل سجلته في الجنوب وفي البقاع وفي الشمال، في منطقة البقاع مثلا يقولون: “يا ام المحازم نايلون يا عيوني”، ما قصة “المحازم
النايلون”؟ كلمة “نايلون” تمر كثيرا في الأغاني خاصة عند البدو شبه الرُحَّلْ، قبل أن يأتي اللباس الغربي إلى مناطقنا، كان اللبناني إما يلبس “الصاية” وهي مثل العباية، أو يلبس الشروال واللبادة والجاكيت التي ترافقهما، ولكن عندما أتى الجينز والحزام النايلون أو الجلد فيما بعد، أحدث حالة وثورة، ونرى عمر الزعني في نقده للناس في بيروت وتغيير طريقة لبسهم، “يا ام القشاط النايلون” من يسمعها لا يعرف معناها، فيسأل ما قصة الحزام النايلون؟ القصة وقتها كانت مهمة، فقد رأوا شخص لا يرتدي حبل من شعر الماعز، أو من الليف في المناطق الجبلية، لأنه يضع واحدا من النايلون صار غربيا فيقولون… وغنوها في الرميش أيضا، وسميرة توفيق فيما بعد غنت “بسك تيجي حارتنا يا عيوني”، نجد نفس اللحن، أو “من بيروت لجونية مرقت سيارة حمرا يا عيوني”، “يا عيون” هي الردة التي يردها الناس وراء المغني، وضعت هذه النماذج عن قصد إذا أردتم يمكنكم أن تضعوها للسمع، ستلاحظ وجود النغمة الشعبية مع تركيب كلام لها لتصبح أغنية لأحد المطربين، هذا أيضا من الأنماط الموجودة في الغناء الشعبي اللبناني…. هناك أيضا “يا بو العقال المرعز” قريبة على هذا النوع من الغناء، “يا بو العقال” العقال الذي يوضع على الكوفية، المرعز الذي يحتوي على الشراشيب، أيضا موجودة في بعلبك، أعود وأقول حتى لو لم يكن الكلام مفهوم لدى كل اللبنانيين، لكنه موجود في منطقة في لبنان، وأصبح معتمدا من اللبنانيين… أريد أن أنتقل إلى نوع آخر من الغناء وهو ما بين الموقع والقصيدة، أحب أن أعطي نموذج وهو الزلف، البعض يسميه “أبو الزلف” والبعض يسميه “أم الزلف،” “هيهات يا ام الزلف” أو “هيهات يا بو الزلف”، هذا النوع من الغناء تركيبته تكون على أساس أن أول شطر ثابت “هيهات يا بو الزلف” لا يتغير “عيني يا موليا” أيضا لا يتغير، ويكملون الشطر الثالث من الشعر بكلام مستحدث أو مؤلف من أحد، لماذا الثبات في طريقة القول في الشطرين الأولين؟ “هيهات يا بو الزلف” لها قصص تاريخية كثيرة، هيهات هي نوع من التحسر على شيء حصل أو ليته لم يحصل، مثلا نقول: ليت تلك الأيام تعود، يعني هو شيء إيجابي ليت الأيام الماضية تعود، “يا بو الزلف” الزلف توجد نظريات كثيرة حولها للأسف تعمم، قد يقول شخص نظرية ما فيلحقه الجميع، مثلا يكتب شخص كتاب عن الزجل اللبناني ويقول فيه كلمة “زلف” تعني كذا، وشخص آخر يكتب كتاب ولا يذكر إنه مرجعه الأساسي، فيقول إنه من ألفها فيعتمدها وتعمم وتصبح صحيحة حتى لو كانت خطئ، أغلب الناس الذين يعطون نظريات أبو الزلف يقولون الزلف هي صاحبة الأنف الجميل، الزَلَفْ الزلفاء هي صاحبة الأنف الجميل، نوع من الغزل، ولكن إذا عدنا تاريخيا عندما خسر البرامكة وغنت إحدى الجواري على موت جعفر بن يحيى، فقالت: “هيهات يا بو الزلف عيني يا موليا” أي يا مولاي، الزلف هو صاحب السالف، الذي عنده سالف طويل، والآن عرفت من أستاذ كمال أن الكلمة هي من أصل فارسي وتعني السالف، وهي معلومة تؤخذ بعين الاعتبار، ويمكن أن تثبت لنا نظرية الزلف بمعنى السالف، كان لديه سالف طويل فغنت له ونعتته بهذه الصفة أو هذا اللقب، هذا النوع من الغناء كما قلت يمتزج فيه الغناء الإيقاعي والغناء الطويل، القصيدة مبنية على شطرين “هيهات يا بو الزلف عيني يا موليا”، والشطرين الثالث والرابع يجب أن ينتهيا بقافية على وزن موليا، على الياء والألف كي يستطيع الشاعر أن ينهي القصيدة التي يريد أن يقولها، وبعد ذلك ترد عليه المجموعة أو الرديدة أو الجمهور في الحفل، وهو يكمل أيضا بقصيدة غير موقعة ليتم التسليم للإيقاع ويغنوا غناء موقع.
كله على مقام السيكاه.
كله سيكاه، وهو المتبع في غالبية الأغاني التراثية اللبنانية….
هذا اللحن أخذ منه عبد الوهاب ولحن مقطوعة “ليالي لبنان”.
صحيح… “هيهات يا بو الزلف” يقال إنها آتية من العراق، ولكن حسب تسجيلاتي “لهيهات يا بو الزلف” وجدتها تُغنى أكثر في لبنان، ولكن هل يا ترى أصلها من لبنان؟ لا نستطيع أن نجزم، ولكن اللبنانيين حافظوا عليها وطوروها فيما بعد، وهذا ما أعطى الطابع اللبناني “لهيهات يا
بو الزلف”، أين ما ذهبت في العالم العربي وغنيت “هيهات يا بو الزلف” يقولون أنت لبناني ولا يقولون سوري أو فلسطيني أو أردني، لماذا؟ لأن حتى لو أنها أتت إلى اللبناني وافدة منذ أربعمائة سنة فقد حافظ عليها وطورها وجعلها مستمرة إلى يومنا هذا…. وهي مغناة حتى الآن، لا يمكننا أن نبكي على الأطلال ونقول الغناء التراثي يندثر في لبنان، لا! ما زال هناك أناس يغنون هذا النمط وهناك أشخاص يسمعون، فعندما نرى حفلات زجل في االبلدات والقرى والمدن اللبنانية في مهرجانات معينة، هذا يعني إن الزجل قائم، ولو لم يكن هناك جمهور يسمع لما غنى الزجالة وعرضوا أنفسهم للخسارة، اللبناني لا يزال يسمع حتى الآن، والمسألة لا تتعلق بالعمر فلا نرى فقط العجوز أو المتقدم في السن يستمع وإنما نجد شباب يغنون الزجل ويستمعون إليه، وهذا شيء جميل للمحافظة على تراثنا، من هنا أعود وأقول “هيهات يا بو الزلف” من الأنماط التي نتميز بها عن غيرنا من المحيط، وحتى لو كان الشعر غريبا عنا، فنحن لم يكن لدينا “هيهات يا بو الزلف”، الوالي الذي يتكلمون عنه، ولكن لدينا الكثير من القصائد المأخوذة عن عنترة والزير سالم والكثير حتى ما قبل الإسلام، مثل حاتم الطائي وغيره، تبنينا شعرهم وما زلنا نغنيه حتى الآن ولبنناه، نصل بعد قليل إلى الملاحم التي كانت تغنى في مقاهي بيروت أو في الجبل، هذه الملاحم ليست لبنانية من ناحية الشعر، ولكن الذي يغنيها ويقولها هو لبناني….
إلى هنا سادتي المستمعين نصل إلى ختام حلقة اليوم من برنامج “دروب النغم”، ونشكر الأب بديع الحاج العظيم على استضافته وعلى هذه المعلومات العظيمة التي أعطانا إياها، إلى أن نلتقي بكم في حلقة جديدة نواصل فيها الحديث عن الموسيقى الشعبية في جزء عزيز من بلاد الشام لبنان، إلى حينها نترككم في الأمان.
“دروب النغم”.
الحلقات الأخيرة
- 221 – زكريّا أحمد – 12 (1/9/2022)
- 220 – زكريّا أحمد – 11 (1/9/2022)
- 219 – زكريّا أحمد – 10 (11/25/2021)
- 218 – زكريّا أحمد – 9 (10/26/2021)
- 217 – زكريّا أحمد – 8 (9/24/2021)
- 216 – زكريّا أحمد – 7 (9/4/2021)
- 215 – زكريّا أحمد – 6 (8/28/2021)
- 214 – زكريّا أحمد – 5 (8/6/2021)
- 213 – زكريّا أحمد – 4 (6/26/2021)
- 212 – زكريّا أحمد – 3 (5/27/2021)
- 211 – زكريّا أحمد – 2 (5/1/2021)
- 210 – زكريّا أحمد – 1 (4/28/2021)
- 209 – والله لا أستطيع صدك 2 (4/6/2017)
- 208 – والله لا أستطيع صدك 1 (3/30/2017)
- 207 – بشرف قره بطك 7 (3/23/2017)