You are here:   Home  /  الإذاعة  /  198 – التمرين 1

198 – التمرين 1

enar

مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية بالتعاون مع مؤسسة الشارقة للفنون تقدم: “نظامنا الموسيقي”.

أعزائي المستمعين نرحب بكم في حلقة جديدة من برنامج “نظامنا الموسيقي” مع الأستاذ مصطفى سعيد، ستكون حلقتنا اليوم عن التمرين والمران.

مرحبًا أستاذ مصطفى!

التمرين أم المران؟

أنت ستشرح لنا الفرق. أستاذ مصطفى، هناك الكثير من الجدل حول التمرين، هناك الكثيرمما جُمِع وكُتب ونوقش عن التمرين، وخصوصا في العالم الغربي الذي تصلنا كتبه ومحاضراته، لكن نادرا ما نسمع أحد يتكلم عن التمرين، أحيانا يشعر العازف بالعار من أن يعترف أمام الآخرين أنه يتمرن، هذا الشيء موجود.

نعم، فكرة أنا وُلدت هكذا، والله يريد ذلك، وأنا وُلدت ووجدت نفسي أمسك العود، أعرف هذه القصص.

كلمنا عن التمرين بشكل عام، أعطنا فكرة أو مقدمة من وجهة نظرك.

“الكلام في سرك أنا بتمرن… وبتمرن كل يوم كمان، بس ما تقلش لحد”. الحكاية ليست موهبة بل أنا أتمرن، ربما لهذا السبب أنا فاشل، لا أعرف!

مصطفى سعيد يتمرن

مصطفى سعيد يتمرن

بالنسبة للتمرين، هناك دراسة نبدأ بها عنوانها: (deliberate practice)، “التمرين الواعي أو المدروس”، كانت تقارن عازفي الكمان كمثال في الغرب الذين يتبعون طريقة العزف الكلاسيكي، تركز على العوامل التي تنجح العازف، هل هي عدد ساعات العزف؟ أم نوع العزف والتمارين والمنهج أو أشياء أخرى؟ كانت دراسة على شريحة كبيرة وفي النهاية وصلت إلى أن العنوان هو الجواب  (deliberate practice) “التمرين الواعي”، لماذا يتمرن هذا الشخص وكم من الوقت وعدد الساعات، كيف نطبق هذا على الشرقي؟

أولا: لماذا تتمرن؟ ماذا تريد أن تكون؟ ثانيا: هل تعرف من أنت؟ هناك بحث دائم، ثم هل أنت مكتفٍ بما عندك أم تريد أن تتطور؟ إذا اكتفيت فلا داعي للتمرين أنت جيد هكذا، أما إذا أردت أن تتطور فأنت بحاجة إلى أن تتمرن دائما، في رأيي ليس هناك شخص لا يريد أن يتطور، صعب! أنا شخصيًا أحب أن أتطور وأصبح أفضل، أنا لست راضيا وأرى أنني أستطيع أن أكون أفضل بكثير، ليس لأني أريد أن أكون كشخص ما، وليس لأني أريد أن أكون أفضل من الآخرين، أنا حكاية المنافسة هذه حتى الشريفة منها لا تهمني أبدا.

هناك أحد الأساتذة اسمه ريتشي عازف كمان معروف، من الناس الملقبين ببغانيني (Paganini)، كثير منهم (Paganinis)، كان يقول: في الوقت الذي تغلق فيه حقيبة الكمنجة وتضعها جانبا، في اليوم التالي عندما تبدأ التمرين تكون قد خسرت نصف ساعة مما وصلت إليه بالأمس، إذا كان هناك أناس يكتفون بالتمرين فكم نصف ساعة سيخسر من عمره الموسيقي؟

لا أعرف، على كل حال أنا لا أتمرن لأصبح شيطان الآلة مثل بغانيني، التمرين ليس فقط لغرض التقوية التقنية، العضلات جزء من الموضوع ولكن ليس هذا فقط، ليس ضروريا أن تتمرن لتكون مبهر، لا! الإبداع أيضا له قدر لا بأس به من التمرين، تحتاج أن تنشط دماغك لتستخرج جمل جديدة في التقسيم، تحتاج أن تنشط دماغك لتستطيع أن تكتشف أي تقنيات غائبة عنك في الآلة، وما الأصوات التي يمكن استخراجها من هذه الآلة، تستطيع أن تستخرج أصوات أخرى، تستطيع أن تستخرج أشكال أخرى، تحتاج أن تمرن نفسك على أن تقوم بإعادة تنشيط للذاكرة وكيفية تأويل هذا العمل من خلال الحليات والزخارف، تحتاج أن تمرن نفسك إذا شعرت أنك وصلت إلى طريق مسدود وتريد أن تبحث عن احتمالات جديدة، إلى جانب التمارين التقنية على الآلة، التمارين ليست فقط تمارين تقنية إنما هناك تمارين ذهنية تخدمك.

بمعنى إن هناك من يركز على أن التمرين هو في الدماغ أكثر منه في العضل و في الأصابع.

في النهاية الدماغ تعطي الأوامر للعضل لينفذ، ولكن لو أن الدماغ مرن والعضل لا، تأتي هنا مسألة الوزن، فمثلا إذا لم يتحرك العضل أو لم يتحرك الإبهام فكيف ستحرك ريشة العود! بكتفك، لن تصل إلى الصوت المرجو.

إذا تكلمنا عن المسكة الصحيحة وكل ما يتعلق بها، هل الأولوية للدماغ في التمرين أم التمرين الميكانيكي؟

شيء من هذا وذاك… هناك تمارين لها علاقة بقيامك بسلسلة حركات متشابهة لتمرين إصبع أو حركة ما للأصابع، وهناك تمرين آخر ليس على شكل سلاسل، أو قد يكون على شكل سلاسل ولكن الغرض منه ليس تقنيًا، إنما الغرض منه توسيع مدارك جملك الموسيقية.

رجوعا قبل الدخول في صلب الموضوع، هناك تطرف بين إهمال التمرين، وهناك المبالغة في التمرين، أم أنا مخطئ؟

المبالغة في التمرين تنطبق على من يتمرن ليحرك عضلاته، إهمال التمرين دعك منه ليس مهما، إهمال التمرين معروف. أكبر تمرين هو السمع، أن تسمع كل شيء وأي شيء، تسمع حتى إذا أردت أن تقول عن شيء من وجهة نظرك بأنه لا يعجبك تكون على دراية بسبب عدم الإعجاب، تسمع لتعرف لماذا اخترت هذا الطريق؟ تسمع كل شيء وأي شيء، السمع، أكثر من نصف المسألة أكيد.

المبالغة في التمرين هل تأخذ العازف إلى المسرح بتمارينه لاستعراضها أمام الناس؟

من تقوده يداه دائما مبهر، هي وجهة نظر على كل حال حتى لو لم يكن هذا المنهج أو الشيء الذي أتبعه، الإبهار ربما له لحظاته، الجمهور يسعد به، والعازف المبهر على المسرح يحقق لا أريد أن أقول انتفاخ، ولكن يكون راضيا وسعيدا بانبهار الجمهور، هو نوع من التحدي، الإبهار نوع من التحدي، إنما من يريد أن يعزف موسيقى يهدأ مع نفسه ويكون مرتاحًا، ومن يسمعه يكون مرتاحًا لا يخرج مبهورا ويقول: (wow, bravo)، وإنما “يا سلام، ويا روحي، ويا عيني، الله” هكذا، أنت تعرف الفرق بين الحالتين؟

أن يبقى معهم شيء من الموسيقى.

صحيح، هذا شخص يتمرن أيضا، لكن تمارينه هادئة بعيدة عن العصبية، يكون الشخص مرتاح.

السطوح والأعماق.

طبعا….

بالنظر إلى الموسيقى الكلاسيكية نلاحظ أن هناك تمارين تقسم إلى مراحل وإلى أنواع، مثلا السلالم، الحليات، والتقنيات كلها مقسمة إلى أقسام، من هنا خذنا إلى التمرين الشرقي الجيد.

السؤال، هل الذي يقوم بتمارين آخر مرحلة لا يقوم بتمارين أول مرحلة؟

مثلا أقصد بالمراحل الأولى أن الشخص لا يعرف أن يمسك بآلة، هل يحتاج أن يعرف أساسيات ويبني من بعدها؟

إلى وقتنا هذا أجرب من حين لآخر التأكد من أني أمسك الريشة بشكل صحيح، وأصابع اليد الشمال في موضعها الصحيح، الإبهام أو كف اليد ليسا ملتصقين بالزند، الإبهام غير مثني، كل المواضع الصحية التي تحافظ على صحة اليد سليمة، أجرب التأكد مع أني بالنسبة للشخص الناظر إلي غير محتاج، ولكن لا يوجد أحد غير محتاج أن يبدأ من الصفر، أقصد الرجوع إلى نقطة الصفر.

تقصد لا يوجد وضع لبرنامج أو مراحل متتالية، الحاجة هي التي تفرض.

صحيح، كل حالة بحالتها.

نرجع لموضوع المسكة الصحيحة والريشة الصحيحة، ما الذي يحدد الصح الصوت أم شيء آخر؟

الصوت.

الإنتاج الصوتي، كيفية خروج الصوت. قل لي إذن ما هو التمرين الشرقي الجيد من خبرتك؟

هو نفس التمرين الغربي الجيد، هو نفس التمرين الهندي الجيد، هو نفس التمرين الصيني الجيد.

هل هو بنظام المرشد والمريد أو التمرين الفردي في البيت؟

حتى في نظام الموسيقى الغربية الكلاسيكية أو أي شيء هي مرشد ومريد أولا للتعلم، وتمرين فردي في البيت للمراس.

كيف يكون التمرين الجيد من خلال عدد الساعات؟ كم من الوقت على الشخص أن يتمرن؟

أثناء فترة التعلم كلما زاد كلما  كان أفضل، ودائما أنصح الناس وأنصح نفسي بتمرين الصباح لأنك عندما تنهض من نومك يكون جسمك في حالة استعداد دائما للتقبل، فأنت تستقبل يوم جديد، ستستقبل من خلاله مادة جديدة وستستقبل كل شيء جديد في يومك، فعندما تمرن نفسك صباح كل يوم يكون مثمرا أكثر من أي ساعة أخرى في اليوم، مثمر على صعيد استعداد دماغك على استقبال كل شيء جديد، أما العضلات فأنت تسخن جسمك على آلتك، هذا شيء جيد جدا.

المدة!

أنت ونصيبك، أنت وقدرتك.

هل من وصف لتمرين جيد؟ إذا أردنا أن نأخذ مثال على جلسة تمرين جيد كيف سيكون شكلها؟

أنا مثلا عندما أمسك الآلة، أبدأ أولا بتمرين يدي اليمنى، أتأكد من أن الصوت يخرج بشكل صحيح، ثم أدخل يدي الشمال، أجرب تمرين علاقة كل إصبع بالإصبع الآخر، وعلاقة الأصابع بالريشة، أبدأ بأخذ مقام ما وأتناوله صعودا هبوطا بتفاعيل مختلفة، ليس بالضرورة على شكل سلم، وأصل إلى أقصى موضع يمكن الوصول إليه، أعود لنقطة الصفر وأبدأ من جديد، تفعيلة ثانية وثالثة ورابعة وخامسة وسادسة وعاشرة قدر المستطاع، ثم تبدأ بتناول مؤلف ما أو شيء ما أو جملة ما وتجرب البحث فيها، وترى ما يمكن أن ينتج عن هذا العمل أو هذه الجملة، بعد ذلك إذا بقي وقت أنت ومزاجك يمكنك أن تقسم أو تقوم بأي شيء.

هل التمرين يتغير حسب الظروف، إذا كان لديك حفلة أو مجموعة جديدة تشتغل معها أو موسيقى جديدة تتعلمها؟

الحفظ والممارسة والبروفات والتمارين الجماعية هي جزء من التمرين، لكن التمرين اليومي المتعلق بالتسخين والإحماء أعتقد يجب ألا يختلف، إذا استطعت أن تزيده يكون جيدا، لكن مسألة التوتر لأن لديك حفلة أو شيء من هذا لماذا؟ عدنا لنفس المسألة، أنا عندما يكون لدي حفلة أقوم بذلك لأكون سعيدا، فلماذا أقلق نفسي وأقوم بشيء استثنائي، على العكس أريد أن أكون سعيدا وأسعد الناس. أما إذا كنت لا تتمرن وهذا الموضوع لا يهمك، إذن أنت بحاجة للتمرين قبل الحفلة، أما إذا كنت تريد الموسيقى لنفسك قبل أن تكون لأي شخص آخر، وهذه ليست أنانية على العكس قمة العطاء أن تكون سعيدا بما تعطيه، تعطي من قلبك، فلا تكون المسألة حفلة ويجب أن تتمرن قبلها إلخ.

هل هناك مسار تطوري متسلسل للتمرين على مستوى سنة من التمرين الجيد؟

في البداية تتمرن على ما هو موروث وموجود، بعد ذلك تكتشف بنفسك أن لديك عطل ما في تقنية تجد صعوبة في تطبيقها، وضعية تريد أن تصل إليها أو حركة تريد أن تقوم بها على الآلة أو صوت جديد تريد أن تستخرجه من الآلة، ستجد نفسك تحاول أن تجد الوسائل التي تمكنك من تحقيق هذا الصوت أو الوضع الجديد الذي تريد الوصول إليه، ستجد نفسك تقوم بذلك إذا لم تجده في من قبلك، وستجد نفسك تعطيه لغيرك ليصبح شيء جديد موروث، لا شرقا ولا غربا ولا شمالا ولا جنوبا لم يجدث أن أُقفلت مناهج، لم يستطع أحد أن يضع حد نهائي لآلة أو موسيقى، ولن يستطيع أحد فعل ذلك….

إلى هنا نأتي إلى ختام حلقتنا اليوم من “نظامنا الموسيقي”، مع الأستاذ مصطفى سعيد مشكورا، وإلى لقاء قريب.

“نظامنا الموسيقي، برنامج من إعداد: مصطفى سعيد.

  2017  /  الإذاعة  /  Last Updated يناير 19, 2017 by  /  Tags:
WP-Backgrounds Lite by InoPlugs Web Design and Juwelier Schönmann 1010 Wien