إذا اعتبرنا أن الكلام عن الأسطوانات قد انتهى مع أنه لم نستمع لأي شئ ولكننا سنفعل في آخر الحلقة على كل حال ولكن دعونا نعطي تصورا عن الأداء العلني لهذه القصيدة ليس أداء الشيخ أبو العلا لأننا لا نستطيع أن نعرف شيئا عن أدائه الحي، اما أم كلثوم فمن المؤكد أنها كانت تؤدي هذه القصيدة  في حفلاتها العامة. كيف كانت تؤديها في حفلاتها العامة، وهي أصلا تحفظها من أسطوانة الشيخ أبو العلا محمد ؟

أم كلثوم

فريدريك لاغرانج:

لا شك أن أم كلثوم كانت تقدم الوصلات في العشرينيات. لا شك أنها أدت قصيدة وحقك أنت المنى والطلب الناجحة للغاية  في الكثير من الحفلات، وكانت تؤدي بشكل يختلف أو يضيف الكثير إلى ما نستمع إليه في هذا التسجيل، خاصة وإن أسطوانات العشرينات غير أسطوانات ما قبل الحرب العالمية الأولى.  الأسطوانة قبل الحرب العالمية الأولى هي وعاء يحاول أن يعكس شكلاً مشوهاً للواقع الموسيقي أي الواقع المعيش أو المعاش كما يقول البعض على الصعيد الموسيقي، أما في العشرينات فقد أصبحت الأسطوانة مرجعاً ومنتجاً  في حد ذاته، فما نلاحظه أن هذه الأغنية أصبحت كالتمرين المدرسي لإظهار القدرة على أداء المقامات صعوداً وهبوطاً وأداء بعض الزخارف. 

كل المطربات الناشئات قد غنين هذه القصيدة في الكوسيرفتوارات\ المعاهد الموسيقية سواء سجلن هذه القصيدة أم لا، سبق أن استمعت إلى هذه القصيدة بأصوات كثيرة في المهرجانات الموسيقية العربية، وحتى المطربة الناجحة وذات الصوت جميل عزيزة جلال المغربية الأصل فقد سجلت هي أيضا هذه القصيدة، عندما نستمع إليها ما نلاحظه هو أنها تخطئ أحيانا في الإيقاع ولكن تأتي تقريبا بنتيجة مرضية على صعيد اللحن وعلى صعيد الإحساس والأداء غير أنها تقلد أم كلثوم تمامًا، تقلدها بشكل أبطئ. إذا أردنا مثلا أن نقارن سرعة  وتيرة التسجيل عند الشيخ أبو العلا محمد وما تقوم به مطربة تجارية غير متخصصة في أداء التراث، يبدو واضحا أنها تغني بشكل أبطئ بكثير ولكن هذا لا يعطينا إطلاقا فكرة عن طريقة أداء هذه القصيدة.

صليب القطريب

صليب القطريب

ربما الوثيقة الوحيدة التي تستطيع أن تعطينا  فكرة عن أداء لن أقول أم كلثوم، ربما جيل سيد الصفتي لهذه القصيدة هو هذا التسجيل الرائع للمطرب اللبناني صليبا القطريب وهو يؤدي هذه القصيدة في حوالي 10 دقائق أو أكثر. ماذا نلاحظ عندما نستمع لهذا التسجيل؟ أولا: أوجه الشبه الكثيرة بين صوت صليبا القطريب وجماليات أداءه وأداء سيد الصفتي. لا أدري إن كان تأثر بسيد الصفتي إذ نعرف أن هذا الأخير أتى بلاد الشام أكثر من مرة. (دعونا نستمع لمقطع “أما والذي” من الشيخ أبو العلا ومن أم كلثوم ومن صليبا القطريب). أظن أن الفرق واضح، فالنسخة الأصلية للشيخ أبو العلا محمد كأنه وحي، صيغة أم كلثوم تقليد ناجح، صليبا القطريب تشبع من اللحن تماما وأتى بخياله الخاص، ربما كانت أم كلثوم قد تشبعت من اللحن أيضًا ولكن مع الأسف ليس هناك أي تسجيل يثبت ذلك. فلنستمع إذا إلى أربع تسجيلات متعاقبة لهذه القصيدة أولا: صيغة البياتي بصوت أبو العلا محمد ثم بعدها بخمس سنوات صيغة أبو العلا محمد في مقام السيكاه بعد ذلك تقليد أم كلثوم للشيخ أبو العلا محمد وأخيرا حفلة حية بصوت المطرب اللبناني صليب القطريب.