You are here:   Home  /  الإذاعة  /  016 – زكي أفندي مراد 1

016 – زكي أفندي مراد 1

enar

 

أصدقاءنا المستمعين:

أهلاً وسهلاً بكم بكم في حلقةٍ جديدة من برنامج مِن التاريخ.

وحلقة اليوم عن زكي أفندي مراد،

يتحدّث الأستاذ الدكتور فردريك لاغرنج فيقول:

 

يُمكن مقاربة زكي مراد من أكثر من منظور، أوّلاً من المنظور الطائفي مثلاً:

وُلِد زكي مراد حوالي عام 1880 وتوفّي عام 1946 وهو من أسرةٍ يهوديّة قد تكون مغربيّة الأصل وهو يمثّل تضافر قوى كلّ الطوائف من مسلمين ومسيحيّين ويهود في مصر في القرن التاسع عشر من أجل صناعة الموسيقى..

يُمكن كذلك مقاربته عبر انتمائه للجيل الأحدث من المطربين وهو الجيل الذي لم يُحزّم أي لم يمرّ باختبار التحزيم كمطرب.

ويُمكن كذلك مقاربته كواحدٍ من الذين رفضوا التطوّرات التي طرأت على الموسيقى العربيّة، والمصريّة بالذات، بعد مُنعطف أو منحدر بداية الثلاثينات، فقد توقّف عن الغناء وربما اكتفى بتكريس نفسه لتدريب ابنته ليلى وابنه منير على الغناء.

 

بالنسبة للسيرة الشخصيّة لزكي مراد:

يبدو أنّه بدأ حياته كتاجر قماشٍ بالأسكندريّة حيث أنّ عائلته ليس لها أيّ سوابق موسيقيّة، إنّما كان ميله للغناء والطرب منفرداً. هناك مصادر تذكر انضمّ للنادي الموسيقي الذي أنشأه سامي الشوّا سنة 1907، على أنّي أرى أن هذه المعلومة مشكوكٌ في صحّتها لدرجةٍ كبيرة، أوّلاً لأنّه لا يُعقل أن يكون سامي الشوّا أستاذ لمن يكبره بعشر سنين مهما كانت موهبته.

على أنّ المصادر القليلة والشحيحة عن زكي مراد تُجمع وتأكّد أن علاقة صداقةٍ حميمة كانت تربط زكي مراد وعبد الحيّ حلمي وأنّ عبد الحيّ حلمي هو الذي خرّج زكي مراد وعلّمه ودرّبه على الغناء. ويبدو هذا ظاهراً في أوّل تسجيلات زكي مراد، حيث يبدو أثر أداء عبد الحيّ حلمي واضحاً وجليّاً على زكي مراد فمثلاً في اسطوانة زكي مراد لشركة جراموفون التي سجّل عليها قصيدة أراك عصيّ الدمع حيث يصل أثر عبد الحيّ حلمي على زكي مراد حدّ التقليد وعبد الحيّ من الأصل تأثّر بأداء عبدو الحمولي لهذه القصيدة.

 

المحاور: نستمع إذن إلى مطلع قصيدة أراك عصيّ الدمع بصوت زكي مراد.

سجّل زكي مراد العديد من الاسطوانات ابتداءاً من عام 1910 لشركة الجراموفون، وساعده على سرعة النجاح اتّصاله بالمنتج إبراهيم روشو والذي تزوّج زكي من ابنته جميلة.

إنتاج زكي مراد هو إنتاج مزدوج، هناك زكي مراد مطرب التخت وهو الذي نعرف عنه الكثير حيث سجّل لسائر شركات الاسطوانات في زمنه تقريباً، وهو يشبه السيّد الصفتي وعبد الحيّ حلمي من هذه الناحية، أي التسجيل لدى كلّ شركات الاسطوانات وليس احتكار شركةٍ بعينها. وهناكَ الفنّان الذي لا نكاد نعرف عنه شيءاً لكونه لم يُسجّل وهو زكي مراد الممثّل في المسرح الغناءيّ في بداية القرن العشرين. فمن المعروف أنّ زكي مراد حلّ محل الشيخ سلامة حجازي في بعض أدواره بعد إصابة الشيخ سلامة بالفالج سنة 1909، وكذلك حلّ محلّ محمّد عبد الوهّاب أمام منيرة المهديّة في مسرحيّة كليوباترا، هو الذي كان يقوم بدور سيف الدين في مسرحيّة بديع خيري وسيّد درويش، العشرة الطيّبة، وكان نجاحه كبيراً في هذا المجال. ورغم هذا النجاح إلا أننا لا نعرف عنه شيءاً لماذا! لأنّ عناوين المسرحيّات التي شارك فيها معروفة لكن، لا نعرف كيف كان يؤدّي في هذه المسرحيّات، ما هي الأغاني التي كان يغنّيها، كيف كان يغنّيها، ما هو أسلوبه في أداء الألحان المسرحيّة، هذه لم يسجّل منها شيئاً، اللهمّ القليل القليل خلال الحرب العالميّة الأولى القليل القليل من الطقاطيق وتلك الألحان المسرحيّة لدى شركة مشيان. أمّا ما عدا ذلك من تسجيلات لشركة الجراموفون وأوديون وسائر شركات الاسطوانات فهي في معظمها تحوي أدواراً وقصائد ومواويل ثمّ انتهج زكي مراد بعد الحرب العالميّة الأولى نهج عبد الحيّ حلمي حيث أنّ زكي أضحى ضمن الذكور الأوائل الذين تغنّوا بالطقاطيق، من المعروف أنّ قالب الطقطوقة كان حكراً على النساء في القرن التاسع عشر، لم يعتد الرجال غناء الطقاطيق، انضمّت الطقطوقة إلى حصيلة غناء الرجال بدءاً من عبد الحيّ حلمي وكان زكي مراد أحد الذين شاركوا في أداء الطقاطيق ولكن بأسلوب رجالي خلاف عبد اللطيف البنّا والذي كان يغنّي بالمؤنّث ويتعمّد التأنّث والتخنّث في بعض الأحيان في غناءه، على أنّه تخنّثٌ لذيذ ومستحبّ ومُضحكٌ في آنٍ واحد.

شارك زكي مراد في إحياء ذكرى الشيخ سلامة حجازي حيث غنّى الكثير من قطعه الموسيقيّة وهناكَ اسطوانة رائعة يقلّد فيها زكي مراد الشيخ سلامة حجازي في موشّح يا غزالاً صادَ قلبي وقصيدة عليك سلام الله،.

 

المحاور: نستمع إلى موشّح يا غزالاً صاد قلبي والذي سجّله زكي مراد لشركة بيضافون، سلامة حجازي سجّله لشركة أوديون.

صحيح.

 

لماذا يمثّل هذا الشاب التغيّرات التي طرأت على الساحة الموسيقيّة في مطلع القرن العشرين؟

سبق وأن قلت أنّه لم يُحزّم، لم يُحزّم لأنّه المطرب الذي أخذه تحت جناحه مطربٌ آخر وهو عبد الحيّ حلمي، وقد وقع عليه الاختيار كذلك من قِبل شركات الاسطوانات. لا شكّ أنّ هذا الشابّ الموهوب، بل الموهوب جدّاً في الغناء قد راق المنتجين في شركات الاسطوانات ورأوا فيه شخصاً جديراً لأداء الأدوار، لا ننسى أنّ شركات الاسطوانات في هذا العصر حلّت محلّ شيخ الطائفة، وكان الملحّن يُسأل: من الذي سيقوم بتسجيل هذا الدور؟ وعلى أساس اختيار الملحّن كانت الشركة تتعاقد مع الفنّان، وأحياناً كانت الشركة مباشرةً تكِل هذه القطعة أو تلك إلى مطربٍ ما.

 

وفي هذا السياق قصّة طريفة يذكرها نجل الملحّن الشهير آنذاك، إبراهيم القبّاني أي عبد السلام إبراهيم القبّاني، في كتابه عن والده يذكر مدى تقليديّة زكي مراد في غنائه، فيقول:

“هنا واقعةٌ طريفةٌ يَحسُنُ ذِكرُها في هذا المقام هي أن أحد كبار المغنّين في هذا العصر وهو زكي مراد وقع عليه الاختيار ليقوم بتسجيل أحد الأدوار التي لحّنها القبّاني وهو دور “الصلح بيني وبين مليكي”

 

فلنستمع لمقطع من هذا الدور لكن بصوت السيّد الصفتي.

 

إذن، كان الدور دور الصلح بيني وبين مليكي، ويبدو أنّ زكي مراد اعتبر هذا الدور حداثيّاً أكثر ممّا ينبغي ويواصل نجل إبراهيم القبّاني قائلا:

“وحينما استمع المطرب المذكور إلى اللحن وفوجيء بأسلوبٍ جديد يتميّز بوجود المسافات الصوتيّة، اعتذر عن حفظ الدور قائلاً:

“ليه! هوّ إحنا هنغنّي على التخت ببرانيط؟”

أي أنّ زكي مراد لم يتعوّد على هذه الطريقة في التلحين من قبل واعتقد أنّها من الأساليب الأجنبيّة غير المألوفة في الموسيقى العربيّة،

ولكنّ القبّاني ردّ عليهِ قائلا:

“إنّك سترى في المستقبل أكثر من هذا بكثير”

وعلى فكرة: رأينا أكثر من هذا بكثير، بل وأكثر بكثير ممّا كان يتوقّعه القبّاني.

المحاور: أكيد، لكن دعنا نتوقّف عند هذه الفقرة الصغيرة قليلا بالتحليل، يبدو أنّ زكي مراد كان متمسّكاً نسبيّاً بالأرث وكان لا يرى أنّ أسلوب التطوّر هو عبر الاستيراد، أمّا القبّاني فرأى أنّه لم يصنع أكثر ممّا صنعه غيره، فيقول أنّ ما أفعله لا يُذكر أمام ما يفعله غيري وما سيحدث في المستقبل.

تماماً لكن هذه القصّة بها شيءٌ من الغرابة، لأنّ هذه الترفة يُمكن أن تُصدّق في حال لم يُشارك زكي مراد في المسرح الغنائيّ حيث يكون التأثّر الأجنبي أكثر بكثير ممّا هو عليه في موسيقى التخت، ربّما ما يجب علينا أن نستشفّه أو ما نفهمه من هذه القصّة هو أنّ زكي مراد كان يفصل تماماً بين التطوّر الموسيقي على صعيد المسرح الغنائيّ حيث يقبل التأثير الغربي فيه، أمّا التخت فلا، لذلك هو لم يقل هنغنّي ببرانيط وإنّما إضافة على التخت ترجّح أنّه كان يرى ما يحاوله القبّاني وما حاوله أكثر من القبّاني بكثير سيّد درويش في أدواره، أن هذا التطوير لم يكن يليق بموسيقى ربّما كان محافظاً في مجالها فقط.

المحاور: لكن حتّى الطقاطيق والألحان المسرحيّة المسجّلة بصوت زكي مراد هي مسجّلةٌ على تخت ليس كما سجّلها غيره فإذا رأينا الجوق المصاحب لغير زكي مراد في الألحان المسرحيّة سنجد بيانو وفلوت ووايولين غربي وليس بالأسلوب الشرقي بينما نجد فرقة العزف المصاحبة لزكي مراد في نفس الألحان المسرحيّة التي سجلها غيره، نجدها تتمسّك بأسلوب العزف في التخت بنفس مصوغاته اللحنيّة من ارتجالٍ إلخ. 

ملاحظتك صحيحة غير أنّنا لسنا متأكّدون أنّ الآلات المصاحبة للمطرب عندما يسجّل الألحان المسرحيّة هي نفس الآلات المصاحبة له عندما يؤدّي هذه القطع على خشبة المسرح.

 

المحاور: ولن نتمكّن من معرفة ذلك أبداً.

أكيد

 

المحاور: فلنستمع إذن إلى لحنٍ مسرحيّ ممّا سجّل زكي مراد.

أهلاً وسهلاً.

 

 

ولكن إذا أردنا أن نمسّ عبقريّة زكي مراد لا بدّ أن نستمع إليه في أداءه للأدوار، وأنا أختار دورين للسماع برزت فيهما موهبته بشكلٍ مبهر، هناك دورٌ أرى أنّه قد تفوّق فيه على مولانا الشيخ يوسف المنيلاوي وهو دور في زمان الوصل،، بماذا يتميّز إيقاعيّاً دور في زمان الوصل؟

 

المحاور: بإيقاع الأقصاك، وهو إيقاعٌ أعرج ذا 9 نبضات والدور في العادة يكون في إيقاعاتٍ ثنائيّة ورباعيّة فيكون المذهب في المصمودي ثم الدور في الوحدة ومشتقّاته، لكن هذا الدور تحديداً دون غيره في هذا الضرب، لدينا نموذج واحد على الدارج ذا 3 النبضات وهو دور الحلو لمّا انعطف، فكان غريباً أن يختار زكي مراد الدور الأقصاك وأوافقك الرأي أنّه تفوّق في تسجيله على الشيخ يوسف.

 

نستمع إليه!

 

هذا الدور للشيخ محمّد عبد الرحيم المسلوب الذي تزوّج إبراهيم القبّاني من كريمته.

 

المحاور:

 

شكراً يا سيّدي الفاضل على هذه المعلومات القيّمة ونستكمل الحديث عن زكي مراد في الحلقة القادمة من برنامج من التاريخ.

 

  2013  /  الإذاعة  /  Last Updated أغسطس 22, 2013 by  /  Tags:
WP-Backgrounds Lite by InoPlugs Web Design and Juwelier Schönmann 1010 Wien