مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية بالتعاون مع مؤسسة الشارقة للفنون تقدم: “من التاريخ”
أصدقاءنا المسمعين أهلا وسهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج “من التاريخ”، نواصل فيها الحديث مع الأستاذ الدكتور فريديريك لغرانج عن إبراهيم القباني، كنا قد أنهينا جانبا كبيرا من حياته الشخصية، لنتحدث قليلا عن الجوانب الفنية عند إبراهيم القباني.
فنيا، حالة إبراهيم القباني حالة داوود حسني، امتداد لمحمد عثمان أكثر من أي ملحن آخر وأكثر من أي إتجاه موسيقي آخر في مدرسة الموسيقى الفصحى المصرية، وهذا شيء يدعو إلى التوقف لحظة فمن المفترض أن يكون إبراهيم القباني متأثرا بتلاحين المسلوب طالما هو عاشره وصادقه وتزوج ابنته حسب هذه المصادر ، ولكن هل نستطيع أن نقول أن هناك شيئا اسمه أسلوب المسلوب في التلحين؟
هو في نهاية الأمر عبده الحامولي ومحمد عثمان نفسهما امتداد للمسلوب، طوروا على ما بدأه المسلوب، هو لم يأتِ به من عنده بل من إرث كبير.
ولكن المسلوب يمثل إرهاصات الطور الأول للدور حتى تطور إلى الشكل المتعارف عليه حاليا.
فإذن هو يعد إذا كان أستاذا لأحدهم، فهو أستاذ لعبده الحامولي ومحمد عثمان نفسهما.
صحيح.
فإذن من غير المنطقي أن نقول أن إبراهيم القباني هو امتداد للمسلوب، حتى لو كان تعلم على يده، هناك شيء حصل بعد المسلوب من نفس الرحم الذي خرج منه، فبالتالي إبراهيم القباني سيكمل ما بدأه الحامولي وعثمان.
ما نعنيه بامتداد لمدرسة عثمان هو غلبة الطابع الملحن المثبت للدور في هذه التلاحين، هو الدور كعمل دسم كعمل متكامل، لدرجة أن المطرب البارع قد يختار أن يطور جزئية من هذا العمل الكامل، أو قد يحذف أجزاء كاملة كما فعل مثلا عبد الحي حلمي عندما تعامل مع عمل من أجمل ما لحنه إبراهيم القباني هو دور “البلبل جاني وقال لي”.
على فكرة دور “البلبل جاني وقال لي” هو من الأدوار التي سجلت كثيرا من لحظة تلحينها، من أول سنة 1903 داوود حسني سجله وهو من المفترض أنه منافس القباني، وسيد السفطي سجله في نفس السنة وأكثر من شخص سجله أيضا، هو من أكثر الأدوار التي لدينا فيه تعدد أصوات، يبدو أنه عمل مهم حتى بالنسبة لهذه المرحلة.
كان عملا مهما في هذه الفترة التي كانت فيها هذه الحصيلة الموسيقية في متناول الجميع، وكان يحق لكل مطرب أن يغني هذا الدور، قد تكون الكارثة التي أصابت إبراهيم القباني هي تعاقده مع “غراموفون”، ليس فقط لأن شركة “غراموفون” ادعت أنها اشترت جميع أعمل إبراهيم القباني التي كان مطربون آخرون قد سجلوها لصالح شركات أخرى مثل “أوديون” “وبيضافون”، ولكن هذا التعاقد بين القباني و”غراموفون” كان ينص على أنه لن يلحن إلا لشركة “غراموفون”، وبالتالي لم يكن من الممكن أن يسجل مطرب غير متعاقد مع “غراموفون” التلاحين الجديدة التي قام بها القباني بعد هذا التعاقد، هذه فكرة تنافي تماما فكرة الموسيقى الكلاسيكية، أي فكرة تقاسم الإرث الموسيقي.
المشاع الإبداعي بالمعنى الحديث.
مشاع إبداعي بالضبط. من حسن حظ القباني أنه قبل هذا التعاقد وقبل دخول شركات الأسطوانات الشرق الأوسط، أكيد هو لحن دور “البلبل جاني وقال لي”، والأرجح أن هذا اللحن الجميل بالذات تم تسجيله من قبل عدد من المطربين ربما لأنه كان اللحن الناجح في أواخر القرن التاسع عشر.
حتى أنه يقال أن عبده الحامولي نفسه غناه، قسطندي رزق يقول أن عبده الحامولي غناه.
هذا اعتراف كبير جدا.
لنستمع إلى “البلبل جاني” ولكن بصوت من؟
أنا أقول نسمع “البلبل جاني وقال لي” أولا بصوت المطرب الأمين الشيخ سيد السفطي، ونقارن بين الشيخ سيد السفطي وعبد الحي حلمي، ونلاحظ سياسة البتر وسياسة اختيار الجزء الملائم لأداء تطريبي بحت عند عبد الحي حلمي.
نسمع قليلا من سيد السفطي ثم قليلا من عبد الحي حلمي…
على فكرة هناك بعض الأفكار الموسيقية في “البلبل جاني وقال لي” لا يطورها إلا أصوات معينة، فمثلا أداء سليمان أبو داوود ل”يا هل ترى نرجع الأوطان”.
ونوح الحمام عند المنيلاوي، حركته الشهيرة يمكننا سماعها أيضا، فقط كنبذة…
من الأدوار العظيمة كذلك ” الكمال في الملاح صدف” و”قبل ما تلوف بالمحبة”، لكن هناك موضوع أحب أن نتحدث عنه وهو موضوع المقامات النادرة أو المقامات غير المتطرق إليها، أو المقامات التي قيل عنها تركية الوحي أي عثمانية أكثر منها عربية. يبدو أنه في بداية القرن العشرين أو السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر حصلت منافسة في استخدام هذه المقامات التي لم يلحن عليها دور بأكمله عبد الحامولي ومحمد عثمان. جاء داوود حسني وإبراهيم القباني يجربان حظهما في هذه المقامات، وكان كل واحد منهما يقدم لحنا ويجب على الثاني أن يرد عليه بلحن آخر، مثال ذلك دوري “البستناكار”، القباني لحن “قلت له والنبي ترحم” مقام “بستنكار”، ولكن عندما نستمع إلى هذه الأعمال، الملاحظة الأولى أن هذه المقامات قد تكون قبل أن تكون مقامات ألوان عابرة نسمعها في خلال أداء عمل معين، يعني لون “بستنكار”فكرة أن هناك “سيكا” “وصبا” هذا قد نسمعه مثلا عند المقرئين في قراءة القرآن أليس كذلك؟
نعم وحتى أحيانا في تسجيل عبده الحامولي الوحيد الموجود لدينا “لمشيان” “انا قلبي عليك” يقوم بذلك،
نعم “في البعد ياما”، “البستنكار” قد يكون لون عابر أو حلية/ زخرفة على “السيكاه” أو “الصبا”، الجديد هنا كان في تلحين دور كامل فى هذا المقام، حسنا أعود إلى الملاحظة الثانية، الشيء الملفت هنا هو أننا عندما نستمع فعلا إلى هذا الدور هل هو فعلا “بستنكار”؟، قد يكون هناك جملة “بستنكار” وقفلة “بستنكار”، أما فكرة المقام بحد ذاتها غير موجودة.
على كل حال جميع الأشياء الملحنة من مقامات فرعية حتى في تركيا، لا يكون العمل كله مبني على هذا المقام، مثلا “سماعي محير” لجميل بيك طمبوري سنجده في البداية “محير” ثم يذهب إلى أماكن أخرى، القصد أن كل االمقامات الفرعية لا يمكن صياغة عمل كامل من أوله لآخره عليها، لأنه في النهاية هي مسار من مقام أصل.
صحيح ولكن كان يمكن أن يشبع قليلا في روح “البستنكار” يعني قارن مثلا “قلت له والنبي ترحم” الذي سنسمع مقطع منه بطقطوقة “البستنكار” لمنيرة المهدية “حبك يا سيدي غطى عالكل”، روح المقام واضحة وطاغية.
حسنا يا عم فريديرك ولكن “حبك يا سيدي غطى عالكل” هي جملتين فقط ، الطقطوقة لا تتعدى الجملتين، ولكن الدور يلزمه تفريد ووحايد وهَنك، هذا صعب جدا تحقيقه، يعني لحن بهذا الطول صعب جدا تحقيقه على مقام فرع، إنما الطقطوقة هي لحن وغصن يتكرر، فبالتالي إشباع هذه الروح أو أن تغني من أولها لآخرها “بستنكار” طبيعي، ولكن الشخص الوحيد الذي جرب أن يفعل ذلك فعلا على “البستنكار” تحديدا هو سيد درويش في “عشقت حسنك”، ولكنه أيضا في النهاية خرج عن المقام.
قد تكون هذه الفكرة أساسا عبارة عن استعراض عضلات فني، يأخذون فكرة أنهم سيلحنون دور “بستنكار” أو “حجازكار كرد” أو “سازكار” أو أي من هذه المقامات العثمانية الروح، وفي النهاية نسمع دورا جميلا ولكن ليس من هذا المقام بالقدر المزعوم.
هذا صحيح شِئنا أم أبينا وبصرف النظر عن محبتنا أو عدم محبتنا هي فيها نوع من “الموضة”.
لا شك أنها مسألة “موضة”، كنا نقول أن مسألة المنافسة بين داوود حسني وإبراهيم القباني كانت أيضا مبينة على الموضة، وأظن أن فكرة أن كل واحد سيقدم دور في هذا المقام تدخل في إطار الموضة وتدخل في الإطار التجاري إلى حد ما، تجاري بالمعنى المشرف.
حسنا يا سيدي على ذكر “البستنكار” لنستمع إلى دور “قلت له والنبي ترحم”، ودعونا نجدد في الأصوات ونسمعه بصوت إبراهيم شفيق، سجله “لآوديون” على تخت إبراهيم أفندي سهلون ومحمد أفندي إبراهيم، نسمعه ونكون قد وصلها بهذا الدور إلى ختام حلقتنا اليوم على أمل أن نواصل الحديث عن إبراهيم القباني في حلقة جديدة من برنامج “من التاريخ”، إلى حينها نترككم في الأمان، ومع إبراهيم شفيق…
“من التاريخ”، فكرة وإعداد: مصطفى سعيد
الحلقات الأخيرة
- 221 – زكريّا أحمد – 12 (1/9/2022)
- 220 – زكريّا أحمد – 11 (1/9/2022)
- 219 – زكريّا أحمد – 10 (11/25/2021)
- 218 – زكريّا أحمد – 9 (10/26/2021)
- 217 – زكريّا أحمد – 8 (9/24/2021)
- 216 – زكريّا أحمد – 7 (9/4/2021)
- 215 – زكريّا أحمد – 6 (8/28/2021)
- 214 – زكريّا أحمد – 5 (8/6/2021)
- 213 – زكريّا أحمد – 4 (6/26/2021)
- 212 – زكريّا أحمد – 3 (5/27/2021)
- 211 – زكريّا أحمد – 2 (5/1/2021)
- 210 – زكريّا أحمد – 1 (4/28/2021)
- 209 – والله لا أستطيع صدك 2 (4/6/2017)
- 208 – والله لا أستطيع صدك 1 (3/30/2017)
- 207 – بشرف قره بطك 7 (3/23/2017)