موسيقيٌّ عربيٌّ وعازف كمانٍ ساهم في النهضة الموسيقيّة العربيّة التي بدأت مع عبدو الحمولي ومحمّد عثمان في مصر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
لا نعرف بالضبط تاريخ مولده، لكن يبدو أنّه وُلد في أربعينات القرن التاسع عشر، هناك مصدرٌ ذكر أنّه وُلد عام 1850، كما تضاربت الأقوال عن مكان مولده، أغلب المصادر الشفهيّة والمكتوبة تقول أنّه وُلد في القاهرة، والقليل منها يذكر أنّ مولده في الأسكندريّة لعائلةٍ وافدةٍ من إيطاليا، يبدو استنتاجاً من كلام كامل الخلعيّ أنّه من أوّل من عزف على الكمان دون المرور على الربابة، وأنّه قد أخذ عن حسن الجاهل، الذي تذكر بعض المصادر أنّه تحوّل من الربابة البحريّة إلى الكمان الإفرنجيّ الموضوع على الكتف، والذي كان يُعرف في مصر بالكمانجة الأفرنجيّة، وفي برّ الشام بالكمنجة الرومي.
من بعض الاطّلاع على دفتر تشريفات وأحوال القصر الخديويّ، نرى اسم إبراهيم سهلون يتردّد ضمن المشاركين في حفلات القصر منذ عام 1868، وهذا زمن الخديوي إسماعيل، كما أنّه كان ضمن الوفد المُرسل للباب العالي من قِبَل الخديوي إسماعيل، أواخر أيّام السلطان عبد العزيز في منتصف سبعينات القرن التاسع عشر. ويبدو أنّه أخذ هناك العديد من الأعمال الآليّة من بشارف وسماعيّات إلخ، على أنّ معرفته تعذّت هذا إلى الموسيقى في اليونان، وهذا ما يأتي ذكره لاحقاً.
من هذه البشروات التركيّة نستمع إلى بشرف عشّاق تلحين عثمان بيه الطنبوري، وهو واحدٌ من أبرز موسيقيّي البلاط العثماني أيّام السلطان عبد المجيد فعبد العزيز فعبد الحميد، والبشرف من مقام العشّاق التركيّ وهو أحد أفرع البيّاتي في التنظير العربيّ، سجّله إبراهيم سهلون مع عبد الحميد القضّابي ومنصور عوض لشركة بيضافون حوالي عام 1912 على وجهين قياس 27 سم رقم 12516 12517…
أخذ إبراهيم مكان حسن الجاهل بعد رحيله كعازف الكمان في تخت عبدو الحمولي الذي هو تخت العقّاد، وكانت هذه نقلةً نوعيّةً في حياته، حيث أضحى واحداً من اثنين اعتبرهما الناس المتربّعين على عرش عزف الكمان في هذا الزمان. والعازف الثاني هو أنطون الشوّا، حيث عمل سهلون مع تخت الحمولي، والشوّا على تخت محمّد عثمان.
ويبدو أنّه بعد رحيل عبدو الحمولي، قرّر إبراهيم سهلون تكوين تختٍ خاصٍّ به مع استمراره في العمل ضمن تخت محمّد العقّاد، الذي اشتغل بعد رحيل الحمولي مع يوسف المنيلاوي، وكان التسجيل وقتها قد بدأ في الانتشار والازدهار، فعزف تخت سهلون، الذي ضمّ محمّد إبراهيم على القانون، مع بعض المطربين لشركات الاسطوانات، كعبد الحيّ حلمي وأسما الكمسريّة، وغيرهم. كما سجّل هذا التخت العديد من الأعمال الآليّة، نستمع منها إلى شنبر الحجاز، والمسجّل لشركة فيفورت حوالي عام 1905، يعزف معه على القانون محمّد إبراهيم وعلى العود محمود القمركجي، التسجيل على وجه واحدٍ قطر 25 سم، إصدار 1-54507 مصفوفة 1203-F
كما سبق الذكر، رغم وجود تخت إبراهيم سهلون، إلا أنّ هذا الأخيرظلّ في العمل ضمن تخت محمّد العقّاد حتّى عام 1909، كما أنّه كان ضيف العديد من التخوت كتخت أوديون الذي استضافه في حملة تسجيل أوديون عام 1904 في تسجلات الأسطوانات قياس 35 سم، خاصّةً مع محمّد سالم الكبير في بعض الأدوار، ومن تخت العقّاد الذي يعزف فيه إبراهيم سهلون على الكمان مع العقّاد على القانون وعلي عبدو صالح على الناي ومحمّد أبو كامل الرقّاق نستمع إلى بشرف سُزدلارة، ونلحظ فيه مزاجاً مرتفعاً لكمان إبراهيم سهلون، التسجيل لشركة الجراموفون عام 1908 على وجهين قطر 30 سم، رقم 018008 018009 مصفوفة 121 p 122 p…
كما هو ملاحظ، سجّل سهلون مع كلّ شركات الأسطوانات تقريباً، وكان يعزف في بعض التسجيلات على كمان سترو، وهو كمانٌ غير تقليديّ، فتكبير الصوت فيه ليس عن طريق صندوق الرنين الخشبيّ للآلة، بل عن طريق إبرةٍ تحت كلّ وترٍ تهتزّ بحركة القوس التي تسبّب اهتزاز الوتر، تتحرّك الإبرة لتحرّك بدورها قطعةً دائريّة رقيقةً من الجلد التي تنقل الصوت ليكبّر في بوقٍ نحاسيّ، وهي طريقةٌ تطابق تماماً طريقة تكبير الصوت في الفونوغراف. من أوضح الأمثلة على استخدامه هذا الكمان هو مارش السلطان محمّد الخامس، وهو تلحين منصور عوض، والذي سجّله معه مع شركة بيضافون على وجهٍ واحدٍ قياس 27 سم يُتبع بتقسيمٍ على الكمان، التسجيل رقم 12501 12502 حوالي عام 1912
تميّز أسلوب إبراهيم سهلون ببساطة الجملة اللحنيّة والقوس القصير ورشاقةٍ في يده اليسرى، وكان يدوزن الكمان حسب المقام على الطريقة العربيّة، وتتميّز تقاسيمه بالتركيز ونقل تفعيلة الجملة نفسها من مظهرٍ إلى أخر من قرار المقام إلى جوابه، وهو من القلائل الذين عزفوا التقسيم المجنّس، أي الذي يبدأ في مقامٍ وينتهي في آخر، وكان هذا دارجاً في الانتقال بين الوصلات على أنّ من سجّله قليلون جدّاً.
من تقاسيم إبراهيم سهلون نستمع إلى تقسيم بيّاتي سجّلها على وجهٍ واحدٍ قطر 27 سم، لشركة أورفيون التركيّة حوالي عام 1912، التسجيل رقم 10907 مصفوفة 1014
توقّف سهلون عن التسجيل منذ عام 1912، ويبدو أنّ توقّف معظم شركات التسجيل عن العمل له دخلٌ في هذا. ومن المحدّثين والصحافة آنذاك، نتأكّد أنّه لم يتوقّف عن العزف، رحل إبراهيم سهلون عام 1920 تاركاً أثراً لا يُنكر في الموسيقى افصحى العربيّة، خاصةً في شقّها الآلي وكذلك في عزف الكمان، وخلّف وراءه العديد من التلاميذ والمتأثّرين به، نذكر منهم، مصطفى بيه ممتاز، وكريم حلمي، وغيرهم الكثير.
عزف سهلون كافّة أشكال الموسيقى الآليّة ثابتةٍ ومرتجلة، وبرع فيها جميعاً. قال عنه سامي الشوّا في إحدى الحوارات أنّه إيطاليٌّ متمصّر، يعني بهذا أنّ أصله غير عربيّ، على أنّ عزفه يدلّ أنّه عروقه تجري فيها دماء الموسيقى العربيّة دون أيّ نزعة تفرنج.
ومن أغرب ما عزف إبراهيم سهلون، عملا أطلق عليه اسم بلبل الأفراح، هذا العمل الذي يُختم بلحنٍ ذا أصلٍ يونانيّ، لا يُعرف بالضبط كيف حفظه إبراهيم سهلون، ولا يوجد تسجيلٌ له من بعده إلا لفرقة مزامير، يتّضح تماماً أنّها نقلتها عنه هو بالذات، ليس عن تسجيلٍ يونانيّ. فالقسم الأوّل من المقطوعة ليس ضمن اللحن اليونانيّ الذي تحدّثنا عنه. نستمع إذن إلى بلبل الأفراح من إبراهيم سهلون وعبد الحميد القضّابي ومنصور عوض، مقام بيّاتي طاهر، ضرب أقصاق ذا 9 نبضات، التسجيل لشركة بيضافون على وجهٍ واحد قطر 27 سم، حوالي عام 1912، رقم 12519
إلى هنا أصدقاءنا المستمعين نصل إلى ختام حلقة اليوم من برنامج من التاريخ، إلى أن نلتقي في حلقةٍ جديدةٍ من هذا البرنامج، نترككم في الأمان.
الحلقات الأخيرة
- 221 – زكريّا أحمد – 12 (1/9/2022)
- 220 – زكريّا أحمد – 11 (1/9/2022)
- 219 – زكريّا أحمد – 10 (11/25/2021)
- 218 – زكريّا أحمد – 9 (10/26/2021)
- 217 – زكريّا أحمد – 8 (9/24/2021)
- 216 – زكريّا أحمد – 7 (9/4/2021)
- 215 – زكريّا أحمد – 6 (8/28/2021)
- 214 – زكريّا أحمد – 5 (8/6/2021)
- 213 – زكريّا أحمد – 4 (6/26/2021)
- 212 – زكريّا أحمد – 3 (5/27/2021)
- 211 – زكريّا أحمد – 2 (5/1/2021)
- 210 – زكريّا أحمد – 1 (4/28/2021)
- 209 – والله لا أستطيع صدك 2 (4/6/2017)
- 208 – والله لا أستطيع صدك 1 (3/30/2017)
- 207 – بشرف قره بطك 7 (3/23/2017)