You are here:   Home  /  الإذاعة  /  124 – منيرة المهدية 1

124 – منيرة المهدية 1

enar

 

058- MMD- A- Mounira El-Mahdia, Min Baad 13 Sana I 078- MMD- A- Mounira El-Mahdia, Ismaa Aghani El Mahdiyya I

مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية بالتعاون مع مؤسسة الشارقة للفنون تقدم: “من التاريخ”

أصدقاءنا المستمعين أهلا وسهلا بكم في حلقة جديدة من برنامج “من التاريخ”، نتحدث فيها عن “السلطانة”.

“سلطانة الطرب”.

“الست منيرة” ويحدثنا عنها ضيف البرنامج العزيز الذي لولاه لما رأى البرنامج النور، “عمنا وعم عيالنا” الأستاذ الدكتور فريديريك لغرانج، صباح الفل.

صباح النور، سلطانة الطرب الحقيقة أن منيرة المهدية إسم لازال أسطوري، إسم بقي أسطورياً في مصر وفي العالم العربي. في الشرق الأوسط كله وهو مرتبط بمخيلة الصحفيين في اللاوعي الجماعي العربي بعصر كان الناس يشرب فيه الشمبانيا في جزمة المطربات، وكانوا يشعلون السيجار بالأوراق المالية. وهذا الكلام الفارغ، هذه صور نمطية “كليشيهات” آتية ربما عن حقيقة السنوات ما بين الحربين العالمية الأولى والثانية في أمريكا وفي أوروبا، وهي كليشيهات تحجب شحة المعلومات المتوفرة عن سلطانة الطرب منيرة المهدية. من ضمن المراجع التي نستطيع أن نعود إليها كتاب الدكتورة رتيبة الحفني قبل وفاتها بسنوات، فقد ألفته سنة 2001، هناك في بداية القسم الذي تخصصه لحياة منيرة المهدية حكاية طريفة، سأقرأها لك بعد ذلك أرى أننا من المفترض أن نناقشها، تقول الحاجة رتيبة: في بداية شهرة منيرة الفنية سجلت لها شركة أسطوانات بيضافون مجموعة من الأغنيات لكنها لم تلق رواجا لدى الجمهور، إلى أن زادت شهرتها ولقبت “سلطانة الطرب” وأصبح اسمها على كل لسان. هنا بدأت الناس تقبل على شراء اسطوانتها، فأعادت شركة بيضافون طرح التسجيلات القديمة في الأسواق بسعر أعلى بهدف الربح. ويروى أن منيرة المهدية ذهبت إلى الشركة وطلبت مقابلة الخواجة بطرس جبران بيضا صاحب الشركة وهي متخفية في الملاية اللف، سألت منيرة الخواجة “لسه عندك اسطوانات منيرة المهدية؟” فقال لها ضاحكا: طبعا، طلبت منيرة إحضارها كلها، وظن الخواجة أن هذه المرأة معجبة بهذه الفنانة وتريد شراء اسطواناتها، جاء العامل وهو يحمل صندوقا مملوءاً بالاسطوانات، سألت منيرة: “هل هذه كلما ما عندك؟” هي كلها، وبسرعة فائقة أخذت منيرة محتويات الصندوق وألقتها أرضاً، فتحطمت جميع الاسطوانات، وقبل أن يثور الخواجة قامت بدفع مبلغ كبير من المال كي يبدأ في تسجيل أعمال جديدة لها بعد أن نضج صوتها، عند إذن فقط تنبه الخواجة بيضا إلى حقيقة شخصيتها فقال” “يخرب عقلك يا منيرة اللي يشوفك بالملاية اللف يفتكرك ريا وسكينة”. انتهت القصة، طبعا القصة صعب إلى حد بعيد أن نصدقها.

أولا ألم يكن بطرس وجبران أخوين؟

أولا نعم هما بطرس وجبران بيضا وليس بطرس جبران بيضا، فهما أخوان، ولكن هذه مجرد جزئية، الأهم من ذلك أن أسطوانات منيرة المهدية القديمة التي سجلت حوالي سنة 1914 والتي ترتيبها 23 في ترقيم بيضافون ما زالت موجودة، وهناك شركتان أيضا سجلتا صوت منيرة المهدية في هذا الطور الأول.

زونوفون وأوديون وبيكا أيضا. 

بالضبط زونوفون وأديون وبيكا، فمنيرة المهدية “العالمة” كانت مسجلة منذ زمن، ولكن سواء أكانت هذه القصة مختلقة تماما أم لا، أولا قد يكون فيها بذرة من الحقيقة وهي عدم رضا منيرة المهدية عن تسجيلاتها القديمة عندما كانت عالمة، والشيء الأهم من ذلك أن هذه القصة تدل أنه عندما نتحدث عن منيرة المهدية. هناك في الواقع منيرتين وليس منيرة واحدة، منيرة هي منيرتين، منيرة قبل العشرينات ومنيرة بعد العشرينات، منيرة العالمة ومنيرة المطربة، واللغز الحقيقي بالنسبة لنا هو كيف استطاعت العالمة أن تتحول إلى مطربة، فكم من العوالم حاولن أن يتحولن مطربات، هي من ضمن القلائل اللواتي نجحن في هذه العملية، في هذا التطور، في هذا التحول الكلي على صعيد السمعة والصيت، وأيضا من حيث نضج الصوت والمقدرة الصوتية والذكاء في الأداء. 

منيرة المهدية

منيرة المهدية

هذا صحيح ولكن ماذا لو طبقنا نفس القصة على أسما الكمسارية؟ أتكلم من حيث القدرات الصوتية والتصرفات في الألحان، فهي ليست مجرد واحدة تؤدي تراث العوالم هي واحدة تؤدي أدوار بشكل عظيم. 

لذلك لا بد من أن نعود إلى حلقات سابقة، حيث كنا نميز بين نوعين من العوالم ، العالمة بكل معاني الكلمة، أي العالمة العالِمة وعالمة الأفراح التي تغني الحصيلة النسائية فقط لا غير، أسما الكمسارية أو الست لوندية التي مع الأسف لم تُسجل هن عوالم من الطراز الأول، المطربة والعالمة شيء واحد في القرن التاسع عشر، وهناك عالمة المصطلح المستخدم في القرن العشرين عندما أصبحت سكة المطربة وسكة العالمة سكتان تتفارقان وتختلفان. عندما أصبح المصطلح الأول للمطربة يدل على  امرأة تغني الحصيلة الراقية للجمهور الراقي، والعالمة مصطلح يدل على المطربة المدنية ليست البلدي، المطربة المدنية التي تقتصر حصيلتها على أغاني النساء في الأفراح، وغالبا ما تكون طقاطيق وقدود حلبية ممصرة، أو طقاطيق مصرية محلبنة.

فإذن يمكننا أن نقول أن منيرة المهدية هي رمز لهذه المرحلة الانتقالية، وربما هي التي غيرت اسم العالمة التي تغني أدوار إلى مطربة. 

أما… بالنسبة للمعلومات التي تخص ولادة منيرة المهدية، هناك مصادر تدعي أنها من مواليد الزقازيق، وأن اسمها زكية منصور غانم، وهناك مصادر أخرى تقول أن اسمها زكية حسن، هذه المرة أظن أننا نستطيع أن نصدق إلى حد بعيد رتيبة الحفني، لأنها بحثت عن مراجع عن منيرة المهدية في صحافة العشرينات، بعض الأحاديث الصحفية التي قامت بها منيرة المهدية وتحدثت عن نفسها، فتقول والله أعلم أنها ولدت في بيت متواضع في قرية مهدية التابعة للابراهمية في محافظة الشرقية حوالي سنة 1885، يعني الشيء المؤكد أنها فعلا ولدت ما بين 1885 و1888. ثم تضيف اختلف المؤرخون في تحديد مكان ولادتها، فقد جاء في حديث لمنيرة المهدية في مجلة “المسرح” الصادرة عام 1927 انها نشأت في الإسكندرية حيث كانت تعيش في كنف أختها، وغير واضح في حديثها إذا ما كان المولد في الإسكندرية أم لا، فلم يأت في حديثها شيء عن نشأتها الأولى في المهدية، كما أنها لم تذكر صراحة أنها ولدت هناك، كان اسم منيرة المهدية الحقيقي زكية حسن منصور. الشيء المؤكد إذن هو أنها ترعرعت في الإسكندرية، ونقرأ في هذا الكتاب عن مذكرات منيرة المهدية بقلم  منير محمد إبراهيم أن منيرة المهدية اشتهرت وهي طفلة صغيرة بحلاوة الصوت وعذوبته، وكانت تغني لصاحباتها، كما كانت تغني في القرى والمدن المحيطة بمركز “ههيا” أين؟

في الشرقية.

وذاعت شهرتها في منطقة الشرقية، وانتقلت للغناء في الزقازيق عاصمة المحافظة، وذات يوم زار الزقازيق وسمع صوتها أحد أصحاب الملاهي في القاهرة، وهو محمد فرج الذي اكتشف قوة وجمال صوت الصبيّة الصغيرة، وتمكن من إغرائها، إغرائها! يا راجل”.

“مش فاهم يعني”.

بالسفر إلى القاهر غرر بها على ما يبدو، حيث الأضواء والشهرة أمضت منيرة أيامها الأولى في القاهرة، في المقهى الذي يديره محمد فرج، وكان ذلك سنة 1905، وهذا تقريبا موافق للتأريخ التقريبي لأول تسجيلاتها ما بين سنة 1905 وسنة 1907 لصالح زونوفون ولصالح أوديون.

نعم يبدو أنها سجلت مع زونوفون قبل أديون سنة 1905.

كانت منيرة معجبة بصوت المطربة اللنوديّة، اللونديّة هذه المطربة التي يذكرها سامي الشوا أيضا في مذكراته، والتي مع الأسف لم تسجل، وكثيرا ما كانت تندس بين المدعوين في السرادق لتسمع صوت هذه المطربة التي أخذت منيرة عنها الكثير، حكاية أنها كانت تندس بين المدعوين صعبة جدا فقد كانت في العشرين من عمرها وما كان ينبغي لها أن تندس.

لا ينفع أن تندس وتكون قلة مندسة.

أعوذ بالله من القلة المندسة، غنت الصغيرة التي كانت في العشرين من عمرها وبدأت عيون الناس تلتهمها من الإعجاب، فقد كان صوتها عميقا ساحرا ينفذ بسهولة إلى كل القلوب، وشاع بين كل الناس أمر هذه الموهبة، زاد الإقبال على “التياترو” الذي كانت تعمل به منيرة، وحاولت الحكومة منعها من الغناء لأنها ما زالت قاصرا.

صعب.

صعب مرة أخرى هذا صعب، يوم غنت منيرة المهدية صار المقهى الصغير الواقع في باب الشعرية عند التقائه بحي الأزبكية من أشهر المقاهي في العاصمة المصرية بأسرها، فأقبل عليه رواد الطرب من كل مكان وفي مقدمتهم أعلام الغناء والفن في ذلك الحين إبراهيم القباني، سليمان قرداحي وسلامة حجازي. نحن نتكلم تقريبا إذن عن الفترة الممتدة ما بين سنة 1905 وسنة 1910، فبدأت منيرة المهدية تشعر بضيق المكان فانتقلت لتعمل بملهى “الإلدورادو”، فزاد صيتها، وكانت قد تزوجت من محمود جبر الذي اتخذته مديرا لأعمالها، محمود جبر هذا الذي كان محمود بيه جبر الظاهر أنها تعذبت معه جدا، ويقال أنه عندما كانت منيرة المهدية تُقيل جولاتها في بلاد الشام، يقال أنها كانت تبتعد عن زوجها وتطيل الإقامة في بلاد الشام فرارا من محمود جبر، وتطلقت منه حوالي سنة 1923، ولذلك سجلت طقطوقتها الشهيرة “من بعد تلت عشر سنة” التي يمكننا سماعها…

تقول رتيبة الحفني: بعد هذا النجاح المتواصل، إذن حوالي سنة 12/11/1910 استأجرت منيرة مقهى بحي الأزبكية، أعدته بأحسن أنواع الأثاث وأطلقت عليه اسم “نزهة النفوس”، وسرعان ما اشتهر المكان حتى صار ملتقى الفنانين والأدباء والسياسيين والمفكرين، وكان هذا المقهى محطة يجتمع يوميا فيها الوجهاء والأعيان والعمد وكبار التجار، ولم يعد في مصر كلها مقهاً يتمتع بالشهرة والازدهار اللذين أحرزهما مقهى “نزهة النفوس”، حتى أن السلطات الإنجليزية اضطرت إلى الاعتراف بالمنزلة الخاصة لمقهى منيرة المهدية، فعادت إلى السماح له وحده دون سواه بمزاولة عمله كالمعتاد، بعد أن كانت قد قررت إغلاق جميع المقاهي وأماكن التجمع، وذلك على أثر نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914.

على أثر الحماية البريطانية على مصر التي أعلنتها سنة 1914.

تماما إذن فلنقف قليلا عند هذه المعلومات ونسمع صوت منيرة المهدية في هذا الطور الأول من حياتها، عندما كانت منيرة المهدية ما زالت في طور العالمة. منيرة المهدية سجلت صوتها كما سبق أن قلنا عند شركة زونوفون وشركة أوديون وعند بيضافون ما بين 1914 وسنة 1916، مع أننا نشك كثيرا في أن التسجيلات إمتدّت بعد 1915 بسبب ظروف الحرب العالمية الأولى.

حسب مذكرات سامي الشوا يقول أنه لم يسجل أحد في مصر أثناء الحرب العالمية الأولى غير غراموفون ومشيان طبعا.

غير مشيان وليس غراموفون.

لا هو يقول أن هناك حملة لغراموفون سنة 1916، سجلوا ستمائة أسطوانة، وأن مهندس الصوت جاء بغواصة، هذا كلام سامي الشوا.

هذا كلام جميل، أنا فعلا أتخيل حكاية الغواصة، جميلة جدا. أولا الحصيلة التي سجلتها منيرة المهدية عند بيضافون أو عند أوديون أو عند زونوفون تبدو في جزء منها قريبة جدا مما سجلته بهية المحلاوية، لدرجة أن منيرة المهدية تقلد بهية المحلاوية في استهلال التسجيلات، يعني ” الله الله يا ست بهية يا محلاوية يا صاحبة الشهرة العلية الله الله يا سي توفيق”، نفس الكلام نسمعه ولكن بدل من بهية المحلاوية نسمع يا ست منيرة.

أو “يا أسطة منيرة”.

أو يا أسطة منيرة” أو “يا ست منيرة” كذلك، أحيانا “أسطة منيرة” وأحيانا “ست منيرة”، وست منيرة على فكرة ليست دليلا على أنها كان قد تزوجت محمود جبر، قد تكون ست منيرة دون أن تكون ست/سيدة متزوجة، فأقترح أن نستمع إلى مجموعة من هذه الأغاني العوالمي التي سجلتها منيرة المهدية في البداية، مثلا “خليك على عومي يا موج البحر” أو “يمة الجدع ده منين”…

إلى هنا أصدقاءنا المستمعين نكون قد وصلنا إلى نهاية حلقة اليوم من برنامج “من التاريخ”، الشكر الجزيل للأستاذ الدكتور فرديريك لغرانج، وإلى أن نلتقي بكم في حلقة جديدة نواصل فيها الحديث عن الست منيرة المهدية نترككم في الأمان.

“من التاريخ”، فكرة وإعداد: مصطفى سعيد.

 

  2015  /  الإذاعة  /  Last Updated أغسطس 13, 2015 by Amar  /  Tags:
WP-Backgrounds Lite by InoPlugs Web Design and Juwelier Schönmann 1010 Wien