You are here:   Home  /  الإذاعة  /  004 – سمع – لما بدى يتثنى

004 – سمع – لما بدى يتثنى

enar

موشح “لما بدا يتثنى” مجهول الناظم لحنه منسوب للشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب، مقام نهاوند وهو من فروع مقام العشاق.

لما بدا يتثنى 
حبي جماله فتنا
أومى بلحظه أسرنا 
غصن ثنى حينما
غنى هواه و مال
وعدي ويا حيرتي 
من لي رحيم شكوتي 
في الحب من لوعتي 
إلا مليك الجمال 

 

مقاربة ومقارنة بين تسجيلين أولهما للسيد السفطي مسجل على وجه واحد 25 سم لشركة الغراموفون حوالي عام 1910، مصنف رقم G.C. 14/12321 مصفوفة رقم 1314Y. أما الثاني فلمحيي الدين بعيون وهو كذلك على وجه واحد 27 سم لشركة بيضافون حوالي عام 1924 أسطوانة رقم  B-084331.

موشح “لما بدا يتثنى” وكأنه بمثابة السلام القومي في الموسيقى العربية. بمعنى أدق إنه كل من أراد أن يطور الموسيقى العربية من جحيم “الرقود والتخلف” الذي تعاني منه – وأسبابه ثلاثة أرباع الطنين وأنه ليس هناك “هارموني” كما عددوها منذ قرن من الزمان أو أكثر إلى وقتنا هذا-  كل من أراد أن يطور الموسيقى العربية كان يلجأ لهذا الموشح، لأنه من الممكن تقريبه من الموسيقى العالمية الراقية التي لا ترقى لها معظم ألحان “الموسيقى العربيةٍ المتخلفة”، ولأنه العمل الذي يقرب الموسيقى العربية من الموسيقي السيمفونية المتطورة. بالتالي كان هو الملجأ للموسيقيين الذين يريدون تطوير الموسيقى العربية من توزيعها أوركستراليا إلى غنائها بشكل أوبرالي. عندما تغيرت الموجة وأصبحت موجة “الجاز” و”الروك” كان هذا الموشح ملجأً للموسيقيين.  

السيد السفطي

جميع النسخ الموجودة في المعاهد والأكاديميات للأسف لا تعكس اللحن الصحيح للموشح. اللحن الصحيح للموشح ليس لحناً كثير الثبات، وإنما يعتمد كثيرا على تأويل المؤدي لهذا اللحن. على سبيل المثال التسجيلان اللذان سنتناولهما بالتحليل اليوم يختلفان حتى في البداية. تعالوا نستمع للمطلع وكيف يغنيه الشيخ السيد السفطي ومحيي الدين أفندي بعيون. أولا: موشح لما بدا يتثنى ليست هي النسخة  البطيئة الرومانسية التي نعرفها، وإنما هو لحن عربي صرف فصيح. مثلا في “حبي جماله فتنا” لاحظنا الفرق بين النوى أثر أو الحصار الذي يؤديه الشيخ السيد السفطي وعقد البياتي الذي يؤديه محيي الدين بعيون. الفرق في تأويل اللحن، ولكن بصرف النظر عن وجود اختلافات إلا أن الطريقتين جميلتان ولا تشوهان أبدا مضمون الموشح. 

 

هناك دوران يشبهان بعضهما ثم الخانة التي تختلف قليلاً عن الدورين في واقع الأمر، الخانة هي: “وعدي ويا حيرتي من لي رحيم شكوتي”. هناك اختلاف نسبي في كيفية تناول هذه الخانة، هذه الخانة في واقع الأمر كانت أكثر ما تبرز دور المطرب وارتجالاته الشخصية في الموشح، لذلك كانوا يتبارون (ليس بمعنى الشجار ولكن بحب) من سيكون أكثر وصولا لمضمون هذا الموشح. تعالوا نستمع إلى “وعدي ويا حيرتي” من الشيخ سيد السفطي ومن محيي الدين بعيون. المنطق الغنائي واحد فقد خرجا من الرحم نفسه ولا يوجد إختلاف كبير بينهما وإنما اختلاف في التأويل والتفصيل. الفرقة المصاحبة تحتوي عازف الكمان نفسه، وإن اختلف عازف القانون، عبد الحميد القضابي مع سيد السفطي وزكي أفندي القانونجي مع محيي الدين بعيون. نلاحظ أيضا أن روح الترجمة واحدة تقريبا و إن كان هناك انطلاق أكثر مع محيي الدين  أفندي بعيون، لأنه يوجد حوالي 15 عاما بين هذين التسجيلين. في التسجيل الثاني يبدو أنهم اعتادوا على فكرة التسجيل، فالتسجيل الأول سجل بعد اكتشاف هذا الاختراع بعشر سنوات. هناك خوف من فكرة الغراموفون أو حالة من عدم الاعتياد. في التسجيل الثاني هم أكثر اعتيادا وثقة ويعرفون جيدا ماذا سيسجلون على هذا الوجه وبأية طريقة، لذلك نسبة الانطلاق أكثر مع محيي الدين بعيون. تعالوا نستمع إلى كيفية تعامل كل واحد منهم مع الجزء المتبقي من الأسطوانة.

مع سيد السفطي كما قلنا لم يكونوا معتادين على مبدأ الغراموفون أو مبدأ التسجيل، وبالتالي نلاحظ أن سامي الشوا يحاول التقسيم إلا أن عبد الحميد القضابي يقطع عليه تقسيمته هذه، فيسكت سامي أفندي الشوا  احتراما للكبير ويقسم القضابي ويؤدي سيد السفطي ليالي بديعة. تعالوا نستمع إلى هذه الحادثة الطريفة التي حصلت بين سامي الشوا وعبد الحميد القضابي. 

محيي الدين بعيون

نلاحظ في التسجيل الثاني أن التقاسيم مسألة مرتبة كل حسب دوره، فعلى سبيل المثال قيام سامي الشوا بتقاسم على البمب هي مسألة مرتبة وليست لمجرد ملء الوقت  لأنهم على علم مسبق بالوقت المتبقي في هذه الأسطوانة. قام سامي الشوا بتقاسيم عظيمة على البمب لاقت استحسانا عند محيي الدين أفندي بعيون. تعالوا نستمع إلى هذا المقطع الذي يدل على احترام الجميع لبعضهم البعض. المسألة ليست مسألة مغن وعضو في فرقة أو عمل النجم الواحد إنما هي فكرة العمل الجماعي المتكامل. 

أخيرا تعالوا نستمع إلى النسختين ونلاحظ الفرق في المقدمة الآلية فهي تختلف تماما. الفرقة التي تعزف مع سيد السفطي بدأت ب”مارش عباس” أما الفرقة التي تعزف مع محيي الدين أفندي بعيون فبدأت بدولاب نهاوند. تعالوا نستمع إلى الفرق بين تناول كل واحد منهما للموشح. خبرة سيد السفطي وهدوءه وانطلاق محيي الدين بعيون وشقاوته. تعالوا نستمع إلى الليالي التي تأتي بعد كل موشح وتقسيم سامي الشوا وعبد الحميد القضابي. تعالوا نستمع إلى الإختلافات حتى في تناول اللحن الواحد بين الطرفين أي بين سيد السفطي ومحيي الدين بعيون، والإختلاف في التراجم والعزف الآلي المصاحب.  تعالوا نستمع وندقق ونحلل كل هذا من خلال استماعكم وأنا على ثقة أنكم ستجدون أكثر بكثير مما حاولت أنا أن أصل إليه.

شكرا لحسن إصغائكم ونلتقي في حلقة جديدة من برنامج سمع، ولكن الحلقة القادمة ستحمل مفاجأة تتعلق بمسألة الثابت والمتحول نتناول هذا الموضوع مع الدكتور فريديريك لاغرانج إلى اللقاء

قدمت لكم مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية: 

سمع

 

  2013  /  الإذاعة  /  Last Updated أغسطس 22, 2013 by  /  Tags:
WP-Backgrounds Lite by InoPlugs Web Design and Juwelier Schönmann 1010 Wien